باقة ورد أم “قالب سكر”.. ما هو الخيار الأمثل عند المغاربة لتقديم الهدايا؟

 

 

لا يمكنك الحديث عن ثقافة الهدية عند المغاربة من دون أن يخطر ببالك “السُّكّر”، باعتباره مادة ذات رمزية كبيرة عند أهل المغرب، يتم إهداؤها سواء في الأفراح كالخطبة والزفاف والعقيقة، أو عند الأحزان كعربون تعزية في الوفاة، ومواساة عند المرض.

 

 

وعلى الرغم من تنوع أشكال السكر في المغرب، إذ تجده على شكل مكعبات مختلفة الأحجام، وعلى شكل بودرة، وأيضا على شكل حبيبيات صغيرة، تحت مسمى “سكر سنيدة”. إلا أن هناك نوعا مفضلا من السكر اعتاد المغاربة استعماله في تقديم هداياهم منذ زمان، وهو منتوج شهير يطلق عليه اسم “سكر القالب”، يتخذ شكلا مخروطيا، ويتم لفه في غلاف ورقي، أزرق اللون.

 

 

لكن، هناك من المغاربة من صار يفضل القطع مع استعمال “سكر القالب” في تقديم الهدايا، واستبداله بباقة ورد، يتم تقديمها سواء إثر زيارة مريض، أو تهنئة بازدياد مولود، أو بتحقيق نجاح، ناهيك عن المناسبات الخاصة كعيد الأم وعيد المرأة وعيد الحب ورأس السنة الميلادية.

 

 

فهل يمكننا القول، إن الورد سرق من “سكر القالب” مكانته المركزية في المعاملات حين تقديم الهدايا عند الأفراح والأحزان؟ أم أن “سكر القالب” لازال يحافظ على مكانته كهدية وعربون مواساة لها قيمتها الرمزية -قبل المادية- عند المغاربة؟

 

 

قالب السكر يقاوم ثقافة الورد

 

 

في معرض جوابه عن هذا السؤال، يرى سعيد بنيس، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن “ثنائية سكر القالب والورد في فعل تقديم الهدايا، ليست قارّة، بل تختلف حدّتها من المدارات الحضرية إلى المدارات القروية”، مشيرا إلى أن “السلوكيات المجتمعية المتعلقة بهذه الثنائية لدى المغاربة، تنضبط نسبيا للتمايزات والاختلافات الترابية والجهوية”.

 

 

“تغيرت تمثلات المغاربة حول قالب السكر والورد، خاصة في المدارات الحضرية، حيث بات قالب السكر مخصَّصا للمناسبات الحزينة (تقديم واجب العزاء)، أما الورد، فيتفرد بمناسبات الفرح والاحتفال، كالأعراس أو إنجازات الأبناء أو العقيقة أو الخثان”، يضيف بنيس، في حديثه إلى “الأيام24″، مشيرا أن “هناك سلوكيات مجتمعية لاتزال تقاوم ثقافة الورد، خاصة فيما يتعلق بمناسبات مثل “السبوع” (العقيقة)، حيث الهدية لها طقس محدد، لا يمكن أن يخرج عما يطلق عليه “الزرورة” (هي هدية تقدم للمرأة النفساء، بمناسبة ازديان فراشها بمولود جديد، قد تكون مبلغا ماليا، أو هدية عينية مثل ملابس المواليد أو مواد غذائية بما فيها مادة السكر)”.

 

ورود البرجوازية وسكر البسطاء

 

 

الانتقال من السكر إلى الورد عند المغاربة ليس قديما، فاستعمال السكر لا يزال حاضرا في بعض الأوساط والمناطق بالمغرب، خاصة عند بعض الطبقات الاجتماعية محدودة الدخل، على عكس الطبقة البورجوازية، التي تفضل الورد في عملية التهادي، ويعود ذلك، بحسب هشام الأحرش، الباحث في التاريخ المغربي، إلى “الفكر السائد عند العائلات الغنية، إذ أن الآخَر بالنسبة إليهم ليس في حاجة إلى الأكل، ولذلك لا يهدون السكر، باعتباره مادة استهلاكية، وإنما يفضلون تقديم باقات الورد عند عيادتهم مريضا، على عكس الفئات الشعبية التي تقدم المأكولات والمواد الغذائية للمرضى، على اعتبار أن المريض، في رأيهم، بحاجة إلى الأكل، لكي يتقوى ويكمل استشفاءه”.

 

 

ويعود تاريخ ظهور “قالب السكر” في المغرب إلى عهد الدولة السعدية، حيث كان السعديون (1510-1659م) أول من شيدوا مصانع السكر، وعملوا على تصديره إلى الخارج. لكن مادة السكر كانت حاضرة في المغرب قبل ذلك (في عهد المرابطين)، وما زادها أهمية ومكانة مع مرور الزمن، كان دخول الشاي في عادات وتقاليد المغاربة، خاصة في عصر الدولة العلوية (القرن 17م) قبل حوالي 300 سنة، وكان السكر والشاي، بالإضافة إلى أدوات إعداده، من الهدايا التي كان يعمل السلاطين المغاربة، منذ زمن المولى إسماعيل، على إهدائها إلى الباشوات والقياد.

 

 

وفي ذات السياق، يسترسل الأحرش، في حديثه إلى “الأيام24″، أنه “مع مرور الزمن، أصبح الشاي هو المشروب الأساسي عند المغاربة، بعدما كان حكرا على قصور السلطان، وبعض العائلات المخملية”، مؤكدا أنه “عندما زهد ثمنه، وأصبح متوفرا في السوق المغربي، صار الشاي مشروب العوام، وهنا ستزداد أهمية قالب السكر في المائدة المغربية”؛ أما في المخيال المجتمعي المغربي، “يعتبر الشاي الذي يطبخ باستعمال سكر القالب، ألذ من الشاي الذي يحتوي على غيره من أنواع السكر، الذي يجده المغاربة أقلّ حلاوة من الشاي المطبوخ بسكر القالب، الذي يعطيه هذا الأخير، ذلك الذوق المميز الذي يستسيغه ويحبه المغاربة، على عكس الشاي بـ”سنيدة” أو غيره من أنواع السكر”.

 

براغماتية في الإهداء

 

 

قبل عقود من الزمن، كان السكر مادة نادرة عند المغاربة، لا يمكن الحصول عليها إلا بـ”البون” (كلمة البون في الدارجة المغربية يقصد بها “وصل”، وهي كلمة مأخوذة من الكلمة الفرنسية BON أو BON POUR والتي تعني باللغة العربية “ورقة لأجل”)، إذ لم يكن بمقدور أي كان شراؤه. وعلى الرغم من حصول وفرة في المادة على مستوى السوق المغربي، إلا أن المغاربة ظلوا حريصين على إهداء السكر، نظرا لقيمته الاستهلاكية، ودلالته الرمزية، التي تشير إلى الحلاوة والبياض. لكن مع بروز مرحلة الانفتاح المعلوماتي، خاصة فيما يتعلق بالجانب السينمائي، ساهم الإعلام في إضفاء القيمة الثقافية والرمزية للورود، فأصبح هناك تأثر وتقليد واضح بإهداء الورد في المناسبات.

 

 

في هذا الصدد، ترى حفيظة الحزماري، الباحثة في علم الاجتماع، في تصريح لـ”الأيام24″، أن “استعمال الورود كهدية، اقتصر في البداية على شريحة اجتماعية معينة، متمثلة في النخب المثقفة والطبقة الميسورة، ثم أصبح أكثر انتشارا، وذلك بفعل التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يعرفها المجتمع المغربي”.

 

 

“ساهمت مجموعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية في شيوع استعمال الورود كهدية، منها: التعبير عن الرقي الاجتماعي، وكونه غير مكلف ماديا بالمقارنة مع هدايا أخرى”، تضيف المتحدثة ذاتها، مردفة أن “انتشار ظاهرة استعمال الورود كهدية على مستوى البيع، انتقل من مركز خاص بالورود في المراكز الحضرية، إلى إمكانية اقتنائه من نقط ومراكز تجارية متعددة، بل حتى من بعض المراكز شبه الحضرية، لكنه يبقى محدودا في الوسط القروي، الذي تحكمه شروط خاصة تختلف عن الوسط الحضري”.

 

 

من جهة أخرى، يعتبر الأحرش، أن “الورد يذبل بسرعة، وثمنه مرتفع مقارنة ببعض المواد الغذائية التي يمكن استعمالها في تقديم الهدايا، وغير قابل للانتفاع والاستهلاك، بالإضافة إلى أن بائعي الورد ليسوا موجودين في كل مكان، بعكس قالب السكر، الذي يبيعه بقالو الأحياء الشعبية والدواوير، في كل مكان، سواء بالحواضر أو بالبوادي”.

 

السكر هدية الجن!

 

يورد الأحرش، “من بين العادات اليهودية، التي انتقلت إلى المجتمعات الإسلامية، هي عادة وضع السكر أو الملح أو الحديد أو إشعال الشموع، بالبيوت قبل استعمالها من أجل السكن، إذ هناك من يعتقد أن هذه الأشياء تساعد على دفع أذى الجن، حيث يتم وضع الشمع وبعض القطع من قالب السكر في أركان البيت الجديد، كنوع من القربان لأصحاب المكان (الجن)”.

 

جدير بالذكر، أن هناك من يستعمل السكر في الرقية الشرعية (تعدّ من أساليب العلاج الشائعة في العالم العربي والإسلامي، ويتم فيها استعمال آيات قرآنية)، كما برزت استعمالاته في وصفات الطب القديم، ومن أجل الصلح بين المتخاصمين، من خلال وضعه في أماكن معينة، وهي عادات على الرغم من غرابتها، واختلاف خلفيات أصحابها الفكرية والدينية والثقافية، إلا أنها تبقى دليلا على أهمية ومكانة السكر المركزية في ثقافة المغاربة.

مقالات مرتبطة :
تعليقات الزوار
  1. sami

    مقال رائع

اترك تعليق