مشاريع استراتيجية كبرى يراهن عليها المغرب لتحقيق أمنه الطاقي

 

 

عمل المغرب، في السنوات الأخيرة على إطلاق وتطوير بنية تحتية قوية من المشاريع الاستراتيجية الكبرى في مجال الطاقات المتجددة، يراهن عليها أولا لتحقيق أمنه الطاقي وسد حاجياته الأساسية، وثانيا للارتقاء إلى مصاف الدول المكبرى تقدمة في هذا المجال وإمكانية تصديرها مستقبلا إلى أوروبا، وثالثا جلب استثمارات دولية في مجال الطاقة، خاصة في ظل الإمكانيات التي تمنحها الحكومة في هذا الشأن، للمستثمرين الدوليين.

 

وترتكز استراتيجية المملكة، من خلال الاعتماد على نموذج طاقي خالص، تبعا للأهداف المسطرة في هذا الشأن، ومن بينها تنويع مصادر التزود بالطاقات التي تحتاجها، من خلال رفع نسبة الطاقات المتجددة وتعميم الولوج، إلى الطاقة بأسعار تنافسية، ثم التحكم في الطاقة، إضافة إلى الحفاظ على البيئة.

 

ومما لا شك فيه أن الإمكانيات الريحية والشمسية وموقع المملكة، قد مهد لها الطريق إلى تشييد مشاريع طاقية، من بينها محطة طرفاية، التي تعتبر أكبر محطة للطاقة الريحية بإفريقيا.

 

كما تم إطلاق برنامج الطاقة الشمسية “نور” الذي يشمل إنشاء خمس محطات للطاقة الشمسية (“نور ورززات” و”نور تافيلالت والأطلس” و”نور ميدلت” و”نور العيون- بوجدور” و”نور طاطا”). ويعد مركب “نور ورزازات” أضخم محطة لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم، يتم إنجازها من قبل الوكالة المغربية للطاقة الشمسية (مازن) على مساحة 3000 هكتار.

 

 

المغرب وتنويع مصادر الطاقية

 

يعتبر خبراء في الشأن الاقتصادي، أن الاستراتيجية المغربية في المجال الطاقي، قد أثبتت نجاعتها حيث جعلت المغرب نموذجا يحتذى به على الصعيد الجهوي والقاري، كما رغبة دول مثل ألمانيا وبريطانيا تطوير مشاريع جديدة في الطاقة، خير دليل على الإمكانيات والثقة التي تحظى بها المملكة لدى شركائها الدوليين.

 

الخبير في العلاقات الدولية محمد تاج الدين الحسيني، في تصريح لـ”الأيام24″، اعتبر أن استراتيجية المغرب لتنويع مصادر الطاقة، ليست جديدة، فهو يعمل عليها منذ سنوات، خاصة أن مسألة الطاقة أصبحت اليوم مطروحة بقوة لجميع الدول بدون استثناء، وأن الأزمة بين روسيا وأوكرانيا قد خلفت آثار خطيرة بالنسبة لتزود أوروبا بالطاقة، وبالتالي تحولت الوجهة نحو بلدان جنوب المتوسط، وبالأساس فيما يتعلق بتصدير الغاز على وجه الخصوص وكذلك بالرفع من ورادات الطاقة من مصادر أخرى وبالأساس الولايات المتحدة الأمريكية أو قطر والدول المصدرة، بل البحث حتى في مد قنوات جديدة بالغاز عبر أفريقيا”.

 

 

ماهية المشاريع الطاقية بالمغرب

 

يرى محمد تاج الدين الحسيني، أن “هناك محاولات أوروبية للتزود بالغاز من الجزائر باعتبارها مصدرة أساسية له، كما تحاول جلبه من نيجيريا، وهناك حديث الآن عن دور موريتانيا التي بإمكانها أن تكون حلقة مهمة لمشروع أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب-إسبانيا، والذي قد يأخذ فترة من الزمن لأنه سيمر عبر 11 دولة أفريقية، وبالتالي المغرب أعتقد أنه أخذ بهذه المتغيرات منذ عدة سنين بحيث وضعت عدة دراسات فيما يتعلق بالاحتياجات الطاقية للمغرب، في تلائم أولا مع تلبية حاجيات الاستهلاك الداخلي، وفي نفس الوقت التناغم مع الاختيارات التي حددها، فيما يتعلق باللجوء إلى الطاقة النظيفة وحماية المناخ والبيئة، وبالتالي المغرب أظنه من أوائل الدول التي شرعت في بناء محطات ضخمة لاستقطاب الطاقة الشمسية خاصة المشروع الكبير نور 1 ونور 2، إلخ، وكذلك فيما يتعلق بالطاقة الريحية التي نعلم جيدا أنها في عدة مدن بشمال المملكة، وفي شواطئ المحيط الأطلسي أصبحت تلعب دورا أساسيا في إنتاج الطاقة الكهربائية.

 

وأضاف الحسيني، أنه “فعلا استيراد أو استخلاص الطاقة من السدود أصبحت تعاني نوعا من الندرة نتيجة لانخفاض منسوب مياه السدود المغربية نتيجة قلة التساقطات المطرية التي شهدتها المملكة في السنوات الأخيرة، ولكن هذا يمكن تجاوزه، ربما إذا كانت السنة الحالية ستشهد تساقطات مطرية مهمة، ستعود على إثرها السدود إلى لعب دور مهم في هذه العملية.

 

 

تكلفة استيراد واردات الطاقة بالمغرب

 

يستورد المغرب كل احتياجاته من النفط الخام تقريبا وغالبية المنتجات البترولية التي يستهلكها من الخارج، وهو ما ينعكس سلبا على الميزانية، وجعل الحكومات المتعاقبة تعمل على إيجاد بدائل للتقليل من كلفة الاعتماد على الخارج لسد احتياجات المملكة من الطاقة.

 

وفي هذا الصدد، يقول الخبير في العلاقات الدولية، “نحن نعلم جيدا أن من بين المشاكل التي يعاني منها المغرب في هذا المجال هي “أزمة” شركة تكرير النفط الوحيدة في المغرب “سامير” التي توجد في طور التصفية القضائية منذ 2016، وهذا يشمل ربما المزيد من الاعتماد على الواردات الأجنبية والخضوع لعملية تأرجح سعر البرميل في الأسواق الدولية.

 

وأعرب الحسيني، عن اعتقاده أن “من بين المشاكل الأخرى إلى جانب محطة “سامير” هي مشكلة إغلاق أنبوب الغاز المغاربي الذي يمر عبر أراضي المملكة المغربية نحو أوروبا، والذي كان المغرب يأخذ منه نسبة تصل إلى 10 في المئة، يتضمن صادرات يستعملها في دعم حاجياته الطاقية”.”

 

ونبه الحسيني، إلى أن “الاستراتيجية المغربية في مجال الطاقة استمرت أولا في دعم الطاقات المتجددة سواء ذات المصدر الشمسي أو الريحي، أو الهيدروجين الأخضر، الذي أصبح الآن في إطار التعاون مع دول أوروبية له أهميته وخاصة ألمانيا وهناك إعادة إحياء مشروع مشترك اعتمده الطرفان منذ سنة 2012، والذي لم يجد حتى الآن طريقه إلى التنفيذ، لكن عودة العلاقات بين البلدين، والبيانات المشتركة تؤكد أن هذا المسار لا رجعة فيه، سواء لمصالح المغرب الحيوية، وخاصة حتى بالنسبة للمصادر الألمانية التي ستتضرر بقوة من عدم حصولها على الغاز الروسي، وبالتالي التعاون مع ألماني في المجال الطاقي سيكتسي أهمية كبيرة في المستقبل القريب، ثم كذلك مشروع الغاز مع نيجيريا التي سيخرج إلى الوجود الفعلي.

 

وأشار المتحدث ذاته، إلى أنه “إذا ما اتبعت الاستراتيجية المغربية على مستوى الاقتصاد في الطاقة من جهة ثم تنويع المصادر الطاقية من جهة أخرى، فبإمكان المغرب أن يحقق تطورا إيجابيا على هذا المستوى، في انتظار مزيد من الاكتشافات للغاز الطبيعي مثل حقل غاز “تندرارة”، الذي قد تصبح الشركة المهتمة به مزودة للتراب المغربي وفي نفس الوقت مصدرة للخارج لإنتاجها الطاقة النظيفة من الغاز الوطني.

 

 

نجاعة الاستراتيجية المغربية الطاقية

 

بتاريخ 7 أكتوبر الماضي، كشف رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أحمد رضا الشامي، أن “المغرب، الذي يستورد أزيد من 90 في المائة من حاجياته الطاقية، وهي تبعية تشكل نقطة ضعف في مواجهة أزمات الطاقة الخارجية، وضع سنة 2009 استراتيجية طموحة للطاقات المتجددة بهدف تعزيز سيادته الطاقية، وذلك بالموازاة مع السير قدما في طموحه البيئي، لرفع تحديات التغير المناخي.

 

وأضاف الشامي، في كلمة خلال المؤتمر الدولي الرابع حول النقل المستدام، الذي عقد بمراكش، أن “هذه الاستراتيجية مكنت المغرب من الوصول في نهاية 2021 إلى مزيج طاقي تمثل فيه الطاقات المتجددة نسبة 8ر37 بالمئة، أي 4067 ميغاوات، مشيرا إلى أن المملكة انخرطت سنة 2021 من خلال استراتيجيتها منخفضة الكربون في أفق العام 2050، للوصول إلى حصة تبلغ نسبتها 80 بالمئة من الطاقة المتجددة في المزيج الطاقي، وتسريع وتيرة الكهربة، والاستثمار في تطوير بنيات تحتية جديدة للنقل منخفضة الكربون ودمج الهيدروجين الأخضر لإزالة الكربون من الاقتصاد، خصوصا في قطاع النقل.

 

وأعرب الشامي، حسب ما نقلته قصاصة لوكالة المغرب العربي للأنباء، عن يقينه بأن المغرب قادر على رفع تحدي بلوغ نسبة 80 بالمئة في أفق العام 2050، بالنظر إلى مؤهلاته في مجال الطاقات المتجددة، لا سيما الطاقة الشمسية والريحية، مبرزا أنه يجري استغلال هذه المؤهلات، بفضل أكثر من 111 مشروعا مشغلا للطاقات المتجددة (52 مشروعا بقدرة تراكمية تفوق 4 جيغاوات) أو توجد قيد التطوير (59 مشروعا بقدرة تراكمية تزيد عن 5ر4 جيغاوات).

 

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق