ثقافـة الهـواء

اللهم ارحم موتانا ضحايا قناطرنا المهترئة وطرقنا القروسطيّة، واللهم ارفع نكبة المنكوبين وآوِ المشردين وكفكف دموع الثكالى والمفجوعين، فليس لهم في كلميم وما جاورها أو ما شابهها إلا أنت يا ربّ العالمين. آمين.

إن الذين صمتوا وانزووا وأسنانهم تصطك من البرد والألم في الدواوير المنكوبة جرّاء الفيضانات لاشك أنهم كانوا يرددون مثل هذا الدعاء، وفيهم من كان يزيد عليه بأن يدعو المنتقم الجبّار كي يحاسب المهملين من المسؤولين على ما اقترفوا، ومن هؤلاء المنكوبين من ضاقت صدورهم بهذا الحمل الثقيل فخرجوا يحتجون، بحيث إن ما كانوا من أجله صابرين قد ضاع ولم يبق لهم إلا الدموع كرأس مال في الحياة.

وبعد خطبة وزير الداخلية العصماء في البرلمان، والتي لم تحترم حرمة الأموات من ضحايا سوء التدبير الرسمي قبل وخلال وبعد الفيضانات، بحيث حمّل المسؤولية للضحايا وأكد أنه كان سيتابع قضائيا مواطنا لولا أنه غرق! جاءت فضيحة حمل الأموات في شاحنة أزبال، وقد قال أحد المسؤولين دون أن يرف له جفن بأن الشاحنة كانت قد نظفت بشكل جيّد قبل أن توضع فيها الجثامين! وجاءت فضيحة إغاثة مواطنين حاصرتهم السيول بجرافات، وجاءت فضيحة التمييز بين المواطنين المغاربة والمواطنين الأجانب، بحيث إن الموتى المغاربة ظلّوا يصارعون السيول الجارفة لمدة أربع ساعات وهم كالخرفان قبل صلاة عيد الأضحى إلى أن قضوا، في حين أن مواطنين أجانب تم انتشالهم من نفس السيول بمروحيات مغربية، ولائحة الفضائح طويلة.

فهل الطبيعة وتقلباتها هي المسؤولة وحدها عمّا لحق الناس من خسائر في الأرواح والممتلكات؟ أبداً. والذين خرجوا يبحثون عن التبريرات كانوا أقسى على الضحايا وذويهم والمغاربة من الكارثة نفسها.

وأول ما يلفت الانتباه في هذا الإطار هو أنه إذا كان الملك محمد السادس مصابا بنزلة برد قوية شافاه الله، فإننا لم نر للرجل الثاني في تراتبية الدولة أثرا باستثناء خطبة المواساة في بداية الاجتماع الحكومي ليوم الخميس الماضي. فهل يعقل في فاجعة من هذا الحجم، وفي منطقة تعتبر رسميا منطقة منكوبة، ألا يزور رئيس الحكومة المنطقة وألا يكون مع السيد عبد الإله ابن كيران وفد وزاري هام، وألا يترأس شخصيا خلية أزمة أو يقظة أو ما شابه؟! والذين أفتوا على ذ. ابن كيران بأن يخصص جزءا من كلامه عن الفاجعة لمسؤولية المواطنين دفعوه للخطأ الفادح، فلكل مقام مقال. فلا يمكن أن يكون الناس يبحثون عن قبر لدفن موتاهم ورئيس الحكومة يتحدث عن مسؤوليتهم، حتى وإن وجدت، بدل الحديث عن مسؤولية الإدارة والمنتخبين والحكومة ورئيس الحكومة. وحتى في الأدبيات الدينية، فإن مسؤولية الحاكم ثابتة عما يقع في نطاق حكمه حتى ولو لم يكن هو سببه، فما بالك إذا كنا إزاء قناطر آيلة للسقوط ومساكن في مجاري الوديان وقرى متروكة لألطاف العلي القدير. ليس من المسؤولية عدم تحمل المسؤولية، والسيد وزير الداخلية الذي زار المناطق المنكوبة لا يمكن أن يعوض رئيس الحكومة، وكل هذا لا يمكن أن يعفي الجميع من النقد الذاتي، فهو وحده التعبير الصريح عن أن الطريق المتخذ لجبر الضرر صحيح، وهذا للأسف لم يقع.

الذي وقع هو بروز خلافات عميقة بين رئيس بلدية كلميم من الاتحاد الاشتراكي ووالي الجهة عمر الحضرمي، وقد تبادلا الاتهامات بالتقصير، وهذا يدل  على أن جزءا من المأساة التي وقعت كان بسبب انعدام روح التعاون بين السلطة والمنتخبين في المنطقة، وبدل أن تشكل لجنة للتحقيق في انتظار تشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق، تم التبني الحرفي للحجج التي قدمها طرف من المفروض أن يكون مساءلا بدل أن يكون جزءا من الجالسين في المنصة بجانب وزير الداخلية يخطب في الناس. فهل تستقيم حجة مخجلة من مثل أن سكان المنطقة ليست لهم ثقافة الماء! وهل هناك شيء اسمه ثقافة الماء والماء قد خُلق منه كل شيء حي؟ وإلا لكنا بحاجة إلى أن نتحدث عن ثقافة الهواء! هل سنقول مع السيد الوالي المحترم إن الغرقى هم شهداء الأمية المائية على غرار ما سبق أن قاله إدريس البصري عن شهداء الكوميرا؟!

لو صمتوا لكان الأمر أكثر إكراما للموتى، ولكانوا تركوا الأهالي المكلومين ينتحبون ويحزنون بدون إزعاج، ولكن تجري المياه بما لا تشتهي الطرق والقناطر الآيلة للسقوط، وقد قال وزير التجهيز السيد عبد العزيز الرباح إن هناك 200 قنطرة مهترئة بمختلف المناطق بالمغرب. وماذا بعد؟ هل نحن من سيبني محلها قناطر جديدة؟ ماذا تنتظر الحكومة لتسطر برنامجا واضحا للدور الآيلة للسقوط في المدن العتيقة، وللقناطر المتصدعة بالقرى والمداشر والمناطق النائية، وللسكن العشوائي بجانب مجاري الأودية والأنهار ولمختلف القنابل الموقوتة التي يمكن أن تنفجر مع أبسط  شرارة من الطبيعة أو من غيرها؟

رحم الله ضحايا التدبير الأعرج لشؤون الساكنة المقصية، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق