الصغيري يكتب: من الخلاف السياسي إلى “الحقد الشخصي”: بنكيران نموذجا
يحي الصغيري
أستاذ علم الاجتماع السياسي
حين تتحول الشخصنة إلى عقدة تُفرغ السياسة من معناها وتكشف أزمة الممارسة الديموقراطية
ترويسة:
تشكل لحظة ما بعد انتخابات 2016 في المغرب محطة كاشفة عن مسار تحول الخلاف السياسي من ممارسة تفاوضية طبيعية إلى شخصنة مفرطة. فالتصريح الذي دأب عبد الإله بنكيران على ترديده: “سؤال غادي يبقى تابعو: علاش درتي لبلوكاج لعبد الإله بنكيران؟”، لم يعد مجرد لازمة خطابية، بل تحول إلى بنية دلالية تؤطر خطابه السياسي وتكشف انتقال السياسة من فضاء البرامج والمؤسسات إلى منطق الحقد والذاتية، بما يضع التجربة الحزبية والديمقراطية أمام تحديات عميقة.
من الانسداد إلى الجرح الشخصي!
بعد انتخابات 2016، لم يتمكن بنكيران من تشكيل الحكومة بسبب انسداد تفاوضي عادي في السياق الديمقراطي. عزيز أخنوش، بصفته رئيس حزب، مارس حقه المشروع في التفاوض والدفاع عن شروط مشاركته. لكن بنكيران قرأ الأمر كاستهداف مباشر له، خصوصاً بعد أن تدخّل الملك وعيّن سعد الدين العثماني من نفس الحزب ليقود الحكومة. منذ تلك اللحظة، صار الانسداد جرحا شخصيا يحدد علاقته بالسياسة والخصوم.
تشخصن الحزب واختزال السياسة في الذات
مع عودته إلى قيادة العدالة والتنمية، هيمن بنكيران على الحزب بشكل شبه مطلق. صار هو من يصرّح ويقيّم ويوجه، بينما تراجعت الأطر المتخصصة إلى الخلف. الحزب تحوّل إلى ظلّ لزعيمه، وهو ما يُجسد ما تحدث عنه ماكس فيبر بخصوص “الزعامة الكاريزمية” التي تتحول أحياناً من أداة تعبئة إلى احتكار يقصي المؤسسة.
الحقد كإطار للفعل السياسي!
تحوّل سؤال “االانسداد” إلى بوصلة تحكم خطاب بنكيران ومواقفه. علم النفس السياسي، كما يوضح هارولد لاسويل، يُبرز كيف أن القادة الذين يتعرضون لإزاحات قسرية يميلون إلى صبغ ممارساتهم السياسية بالمشاعر السلبية، وهو ما يفسر حضور الحقد كإطار ناظم للقرار السياسي.
من الخصومة إلى العداوة!
السياسة في معناها الديمقراطي شيء آخر. كما تقول شانتال موف، لا بد أن تتحول العداوة إلى خصومة، وأن يتعامل الفاعلون مع بعضهم البعض كـ”خصوم” يتنافسون بالبرامج والأفكار، لا كـ”أعداء” يسعون إلى تدمير بعضهم البعض. لكن في حالة بنكيران وأخنوش، غاب النقاش البرامجي وحضر منطق الانتقام.
الأبعاد السوسيولوجية للأزمة
من منظور بيير بورديو، الحقل السياسي يفترض أن يُبنى على التنافس المشروع حول الأفكار. لكن حين يُختزل في نزعة شخصية، ينهار التوازن ويضعف ثقة المواطنين في المؤسسات.
اليوم، حين ينزلق الخلاف السياسي إلى نزاع شخصي، تتآكل الثقة في المؤسسات وتعلو الرداءة، ويُختزل الحقل السياسي ـ كما عند بورديو ـ في لعبة شخصية تفرغ السياسة من رسالتها. لذلك، فإن تجاوز الأزمة يقتضي أن ننتقل من “سؤال الانسداد” إلى “سؤال البرامج”، وأن نعيد الاعتبار للسياسة باعتبارها مجالا للتعاقد والتنافس المسؤول.
خاتمة
إن أخطر ما في تجربة “الانسداد” ليس فشل تشكيل حكومة، بل تحويلها إلى عقدة شخصية وحقد سياسي. فالسياسة لا تُبنى على الجراح ولا على تصفية الحسابات، بل على التنافس بالبرامج وبناء الثقة. ومستقبل الديمقراطية المغربية لن يتحقق إلا إذا تجاوزنا منطق الشخصنة إلى منطق المؤسسات.

ذاك رجل منافق فضحه الله. وكل من اتخذ الايمان دريعة سيكون هذا مصيره