يطل الفنان المغربي محمد حمزة على جمهور الخشبة بمشاركات جديدة تعكس تنوع اختياراته الفنية، من خلال عرضين مسرحيين ينتميان إلى فضاءين مختلفين في الرؤية والتجربة، ويُقدَّمان معاً بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة.
«قطيب الخيزران».. من الذاكرة الشعبية إلى أسئلة الحرية
أول هذه الأعمال هو مسرحية «قطيب الخيزران»، إنتاج فرقة فلاش فيلم، من تأليف عبد الإله بنهدار، ودراماتورجيا وإخراج عبد الله ديدان، الذي يشارك كممثل ايضا إلى جانب كل من محمد عزام بهلول، محمد حمزة، عبد الكريم شبوبة، ولمياء خربوش.
يستمد هذا العمل مادته من الذاكرة الشعبية الهوارية بما تزخر به من صور شعرية وإبداعات رمزية تميز الثقافة المغربية الأصيلة. فالمسرحية تنسج خيوطها حول قصة حب تجمع عشيقين من قبيلة هوارة، بين مدينتي تارودانت وأكادير، في أجواء البداوة التي كانت تحتفي بقيم الوفاء والصدق، قبل أن تعصف بها تحولات اجتماعية قاسية جعلت المال والجاه والسلطة يطغون على صفاء العاطفة وصدق العشق.
وتتفتح أولى المشاهد في جو احتفالي غنائي يفيض بالفرح والتراث، غير أن هذه البهجة لا تلبث أن تتبدد أمام سطوة “القايد القرشي”، رجل السلطة الغارق في نزعة ذكورية ونرجسية مهيمنة، تختزل المرأة في جسد ونسب ووصمة عار محتملة. لكن شخصيات المسرحية، وفي طليعتها “هوارة”، تقاوم هذا المنطق الجائر، لتكشف مسار الأحداث عن زيف القيم التي ترفع شعار الشرف وتغتال الحرية.
العرض الأول الذي قُدِّم أمام لجنة الدعم المسرحي يوم 8 شتنبر 2025، عرف تفاعلاً كبيراً من الجمهور، حيث حظي بإشادة خاصة بالإخراج والسينوغرافيا والملابس، إلى جانب الأداء المبدع للممثلين.
«جار ومجرور».. وفاء وتجديد
أما العمل الثاني فهو مسرحية «جار ومجرور»، إنتاج مؤسسة مسرح الأفق التي يقودها الفنان محمد حمزة، والتي أشرفت مؤخراً على تنظيم الدورة الثالثة لربيع المسرح بتارودانت. العمل من تأليف الفنان الكبير محمد الجم، برؤية دراماتورجية وإخراجية جديدة للمبدع عبد المجيد فنيش.
مسرحية «جار ومجرور»، التي قُدّمت لأول مرة سنة 2000، شكّلت علامة بارزة في الريبرتوار الكوميدي للمسرح المغربي. فقد تميّزت بجرأتها في نقد مظاهر الانتهازية والوصولية السياسية، مجسَّدة في شخصية الحبيب سميمو، الطامح إلى ولوج البرلمان من دون أي مؤهلات، مستعينًا بخادمته المثقفة حليمة. وقد بصم هذا العمل مسار عدد من الأسماء الكبيرة إلى جانب النجم محمد الجم، من بينهم: نزهة الركراكي، عزيز موهوب، مليكة العمري، الهاشمي بنعمر، وسعاد خيي.
اليوم، يُعاد تقديم النص بروح وفية للأصل، لكن برؤية معاصرة تفتح الحوار بين الماضي والحاضر، بمشاركة نخبة من الفنانين: عبد الله ديدان، بشرى أهريش، محمد عزام، محمد حمزة، فاطمة الزهراء بوراس, لمياء خربوش، وأحمد الحبابي.
يُذكر أن العمل يُقدَّم بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة، تماماً مثل مسرحية «قطيب الخيزران».
بين قوة الطرح الدرامي في «قطيب الخيزران» وسخرية الكوميديا السياسية في «جار ومجرور»، يؤكد محمد حمزة حضوره المتنوع على الركح، مكرساً مساراً فنياً يوازن بين الوفاء للتجارب المؤسسة للمسرح المغربي والانفتاح على أشكال جديدة من التعبير المسرحي.
