قالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية، إنه مع قرب موعد زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بات ولي العهد محمد بن سلمان مضطرا لأخذ موقف شعبه المعادي للتطبيع بعين الاعتبار، حتى وإن كان ذلك سيُخيّب آمال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أيضا.
وأضافت الصحيفة الفرنسية، في مقال تحت عنوان: “في السعودية.. لم تعد مسألة التطبيع مع إسرائيل تلقى رواجا”، أنه منذ أشهر، تُكرر الرياض استعدادها للاعتراف بإسرائيل بشرط أن تلتزم تل أبيب بـ“مسار لا رجعة فيه وذي مصداقية يقود إلى دولة فلسطينية”، غير أن هذا الهدف يبدو بعيد المنال في ظل حكومة إسرائيلية تعارض بشدة قيام دولة فلسطينية.
وقبيل زيارة ترامب إلى الرياض، يبدو أن الموقف قد حُسم في المملكة، لكن ترامب والإسرائيليين ليسوا وحدهم من قد يُخدع، فإيمانويل ماكرون أيضاً يأمل بإقناع ولي العهد السعودي بخطوة نحو الاعتراف بإسرائيل خلال مؤتمر أممي في نيويورك في يونيو المقبل، تشارك فرنسا والسعودية في رئاسته، تقول الصحيفة الفرنسية.
وتابعت: أنه منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، تغيّرت المعادلة، فقبل ذلك، كانت الرياض وتل أبيب على وشك تطبيع غير مسبوق. “ولهذا السبب، يقول دبلوماسي، يعتقد محمد بن سلمان أن هدف عملية 7 أكتوبر كان إفشال مفاوضاته المتقدمة مع إسرائيل”، التي كانت ستُشكل تحوّلاً تاريخياً في الشرق الأوسط. لكن منذ ذلك الحين، توقفت المحادثات.
رسميا، تدعم المملكة القضية الفلسطينية، لكن كما في بقية العالم العربي، يُمنع أي تعبير علني عن هذا الدعم. يتم توجيه تحذيرات شديدة لكل من يرتدي قمصانا فلسطينية أو ينتقد إماما صامتا بشأن غزة، بل حتى لمن يرفع علما فلسطينيا في الحرم المكي. “للحج القادم، يؤكد أحد المقيمين، تلقت قوات الأمن أوامر بمنع أي تعبير عن التعاطف مع غزة، خشية فقدان السيطرة”، تتابع صحيفة لوفيغارو.
ورغم الرقابة الصارمة على خطب الأئمة في العاصمة، فإن المراقبة في المناطق الريفية أصعب. “تتكرر خطب تدعو لدعم الفلسطينيين، لكن السلطات غالباً ما تقلل من قوة مكبرات الصوت في المساجد”، يلاحظ المغترب ذاته، حسب الجريدة الفرنسية.
لكن السلطة تعرف أيضا كيف تستخدم المنابر الدينية لتوجيه الرأي العام، إذ لا ينسى الكثيرون الخطبة النارية ضد “الصهاينة” التي ألقاها الإمام الأكبر في مكة خلال رمضان 2024، والتي بُثّت لملايين المسلمين حول العالم. يقول دبلوماسي عربي: “الرسالة كانت واضحة ومغايرة لما اعتدنا عليه من الإمام، مما يدل على موافقة محمد بن سلمان”. ومع ذلك، اعتُقل أحد المصلين في الرياض لأنه احتج على تجاهل الإمام لفلسطين في خطبته، وفق لوفيغارو دائما.
وسجلت الصحيفة، أنه رغم الإصغاء إلى مشاعر الشعب، لم تتخلّ السعودية عن فكرة التطبيع مع إسرائيل على المدى البعيد. لا تزال هناك نوستالجيا داخل النخب السياسية والاقتصادية لفترة ما قبل 7 أكتوبر. ورغم توقف التطبيع، ما زال الحاخامات يزورون المملكة.
من منطلق واقعي أكثر منه عاطفيا، تقول لوفيغارو، “يدرك محمد بن سلمان أن غياب الدولة الفلسطينية سيبقى مصدرا دائما للتوتر. وقد جعل من الاستقرار الإقليمي أولوية في أجندته”.
لم تعد صفقة التطبيع مع إسرائيل، كما كانت قبل 7 أكتوبر، جزءا من اتفاق ثلاثي يشمل ضمانات أمنية أمريكية يوافق عليها الكونغرس. اليوم، بات كل شيء مجزأ. التطبيع مُجمّد، ومعه تبخّرت آمال السعودية في اتفاق أمني مع واشنطن. لكن ولي العهد لا يزال يأمل في الحصول على تكنولوجيا نووية أمريكية، لمعادلة إيران. فهل تحتاج السعودية حقاً إلى التطبيع مع إسرائيل؟ تتساءل صحيفة لوفيغارو.
وترى “لوفيغارو”، أن ولي العهد لا يواجه تهديدا خارجيا ولا داخليا، إلا إذا بالغ في تقاربه مع إسرائيل. وقد عبّر بنفسه عن هذه المخاوف، قائلا إنه لا يريد أن يكون السادات السعودي، في إشارة إلى الرئيس المصري الذي اغتيل عام 1981 بعد توقيعه اتفاق السلام مع إسرائيل وتنازله عن القضية الفلسطينية.
بينما يعوّل ماكرون على دور سعودي في دفع “ديناميكية عربية” للاعتراف بإسرائيل مقابل اعتراف بدولة فلسطين، من المرجّح أن تكون خيبة الأمل حاضرة في يونيو المقبل في نيويورك. وآخر الرسائل من الرياض إلى باريس تؤكد ذلك: “ماكرون ومحمد بن سلمان لا يتحركان على نفس الوتيرة. في أفضل الأحوال، سيوافق بن سلمان على صياغة لغوية في البيان الختامي“، كما يؤكد أحد المصادر المطلعة لصحيفة لوفيغارو.