ماذا يقول القانون في تمويل المؤتمرات الوطنية للأحزاب السياسية؟

 

في عدم صرف الدعم المالي لتغطية المؤتمر الوطني لحزب العدالة والتنمية
-وجهة نظر قانونية-

 

ينص القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية في الفقرة السادسة من المادة 32 منه، على أن الأحزاب تستفيد، “مرة كل أربع سنوات”، من مبلغ مالي للمساهمة في تغطية مصاريف تنظيم “مؤتمراتها الوطنية العادية”، ويحدد مبلغ هذه المساهمة في نسبة 50 في المائة من المبلغ السنوي المقدم للأحزاب برسم “السنة السابقة” لعقد مؤتمره، كما نصت على ذلك الفقرة الموالية.

 

 

إن الحديث عن قانونية عدم صرف هذا الدعم من عدمه، يتعين من الناحية المنهجية تفكيك للمقتضيات القانونية أعلاه، حتى يتسنى للمهتمين إبداءَ وجهةَ نظرٍ قانونية في نازلة الحال.

 

 

وبعد قراءة المقتضيات أعلاه يمكن التركيز على بعض العبارات المفاتيح التي من شأنها أن تقرّبنا من الإجابة التي قد تحسم الجدل القانوني القائم بين الحزب ووزارة الداخلية، وهي كالتالي:

 

 

– مرة كل أربع سنوات؛
– مؤتمراتها الوطنية العادية؛
– برسم السنة السابقة.

 

 

في شأن “مرة كل أربع سنوات”:

 

 

هذه العبارة بمثابة شرط أساسي من الشروط التي يجب أن يتوفر عليها الحزب قصد طلبِ المبلغ المالي المذكور لتغطية مصاريف مؤتمره؛ وهذه الصياغة التشريعية، في نظرنا، تطرح إشكالاً في تفسير مقتضياتها.

 

 

حيث لئن كان التنصيص على “مرة كل أربع سنوات” يتعين أولا، أن نحدد في مدلول الفقرة السادسة، ما المقصود بالسنة؟ ومتى تبتدأ؟ ومتى تنتهي؟
إن الباحثين في الدراسات القانونية، غالبا ما يصطدمون بين عدة صياغات تشريعية في تحديد مدة السنة، فالسنة المالية مثلا، في مدلول القانون التنظيمي 130.13 المتعلق بقانون المالية تبتدأ من فاتح يناير وتنتهي في 31 دجنبر، وهناك صياغة أخرى في تشريعات أخرى تفيد، بأن السنة، تبتدأ من السنة الموالية من السنة التي تَحققت فيها واقعة مُنشِئة (التشريع الضريبي نموذجًا) (مثال: واقعة منشئة تحقَّقَت في سنة 2021، يبتدأ سريان السنة الأولى من فاتح يناير لسنة 2022 وتنتهي السنة الرابعة في 31 دجنبر 2025)؛ بالإضافة إلى صياغة أخرى تفيد، بأن السنة تبتدأ من تاريخ تلك الواقعة (أي اليوم الموالي) وهكذا… إلخ.

 

 

وتأسيسا على ما سبق ذكره في بيان بعض الصياغات التشريعية التي يتم اعتمادها في تحديد مدة السنة، نقول، بأن استدعاء عبارة: “مرة كل أربع سنوات” تطرح إشكالا في تفسير مدتها بين آخر مؤتمر وطني الذي انعقد بتاريخ أكتوبر 2021 وهذا المؤتمر الوطني العادي الذي انعقد قبل يومين، وسنأتي على طرح فرضيتين في الأخير.

 

 

في شأن “مؤتمراتها الوطنية العادية”:

 

 

إن المشرع في القانون التنظيمي للأحزاب السياسية جاء واضحا بخصوص ماهية الطبيعة القانونية للمؤتمرات الوطنية، أَهي عادية أم استثنائية، ونص، لقيام تحقق صحة صرف الدعم المالي المذكور، أن يكون مؤتمرًا وطنيًا عاديًا وفقط.

 

لكن، لئن كانت وزارة الداخلية قد علّلت قرارها بعدم صرف هذا الدعم، كون أن الحزب عقد آخر مؤتمرٍ وطني عادي في سنة 2018، وأن أجل أربع سنوات يبتدأ منه، تكون قد علّلت قرارها تعليلاً خاطئًا، لأن المشرع لم ينص في متى يبدأ سريان الأجل المذكور، وبالتالي لا يمكن بموجبِ ذلك أن تُنتَج آثارًا قانونية بعلة عدم تحديد بداية الأجل.

 

 

في شأن “برسم السنة السابقة”:

 

 

إن التأكيد على هذه العبارة واستدعائها في هذا النقاش، هو محاولة لحسم الإشكال الذي تطرحه عبارة “مرة كل أربع سنوات”، كون أن المبلغ المالي الذي سيساهم في تغطية مصاريف المؤتمر الوطني العادي يجب أن يحدد بقيمة 50 في المائة من الدعم السنوي المقدم للحزب برسم السنة السابقة. وفي هذا الباب يمكن طرح التساؤل:

 

 

هل يقصد المشرع من عبارة “مرة كل أربع سنوات”، أن مستهلّ هذا الأجل يبتدئ من السنة الموالية لسنة انعقاد آخرَ مؤتمرٍ وطني؟

 

 

وبعد التقديم المبين أعلاه، يمكن طرح فرضيتين أساسيتين قد تحسم إحداهما الجدل القانوني القائم في نازلة الحال:

 

 

– الفرضية الأولى:

 

وحيث لئن كانت عبارة “مرة كل أربع سنوات” تفيد بأن أجلها يبتدئ من تاريخ انعقاد آخر مؤتمر وطني، بغض النظر عن طبيعته القانونية (عاديا أم استثنائيا) فإن أجل أربع سنوات من تاريخ انعقاد آخر مؤتمر وطني سينتهي في أكتوبر 2025، على أساس أن آخر مؤتمر وطني كان في أكتوبر 2021، مما يكون معه قرار وزارة الداخلية بشأن عدم صرف الدعم المذكور، مرتكزًا على أساسٍ قانوني ومنتجًا لآثاره.

 

 

الفرضية الثانية:

 

إن الفراغ التشريعي بشأن عدم تنصيص المشرع على تاريخ بداية أجل “مرة كل أربع سنوات” لا يمكن معه الاجتهاد في تحديد تاريخ هذه البداية ولا يجوز التوسّع في تفسير قاعدة قانونية تُعدّ مكمّلةً للدستور بقرار وزاري يخلّ بمبدأ تراتبية القوانين المنصوص عليه في الفصل السادس من دستور 2011، وبالتالي إمكانية إلغاء هذا القرار أمام القضاء الإداري المختص.

 

 

 أسامة بوغدة

باحث في المالية العامة

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق