جيل الذكاء الاصطناعي: كيف يغيّر الشباب العالم بتقنيات الغد؟
أبو نضال السعيد/ باحث في العلوم القانونية
مقدمة
يعتبر القرن الواحد والعشرين عصر انعطافة وتحول سريع وغير مسبوق محمول على بساط التكنولوجيا التي أحدثت طفرة نوعية في مسار البشرية، ذلك أن الشباب يعد الفئة الأكثر احتكاكا وتفاعلا بمجال التكنولوجيا، إذ تشير أرقام الإحصائيات الدولية بأن العالم تحول إلى موطن لأكبر جيل من الشباب، حيث بلغ قرابة 1.8 مليار شاب، يقطن ما يقارب 90% منهم في الدول النامية، ويشكلون الفئة الأكبر مقارنة مع باقي الفئات الأخرى ، وهو ما شكل دعامة لهذه الفئة التي لها ارتباطا وثيقا بالفضاء الرقمي وانعكاساته المتعددة والمتباينة على نمط العلاقات الإنسانية.
وفي سياق بروز ما أضحى يعرف بالتصنيع الرقمي والثورة الصناعية الرابعة، أصدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقرير موسوم “بثورة الإنتاج القادمة: تداعياتها على الحكومات والشركات”، وهو تقرير معمق يعالج التأثيرات البعيدة المدى على التوظيف والإنتاجية والمهارات وتوزيع الدخل والتجارة والبيئة والرفاهية وغيرها، حيث نبه إلى تقنيات الإنتاج الجديدة وآثارها الاقتصادية والسياسية.
ويعد الذكاء الاصطناعي بمثابة ثورة تكنولوجية من شأنها أن تغير مجرى الحياة الإنسانية، باعتبار هذا الأخير يقوم بدور كبير وأكثر أهمية من التقنيات الرقمية الأخرى، وبواسطته تشتغل الآلات وتتخذ قرارات بذكاء من خلال محاكاة الإنسان ونمط تفكيره.
الجدير بالذكر، بأن أهمية الذكاء الاصطناعي مقترنة بقوة حضوره في مختلف المجالات، نتيجة الترابط الوثيق بين الإنسان والتقنية، فأهمية الذكاء الاصطناعي مرتبط بكل المجالات ويصعب حصرها، ومن ثمة فإن هذا الأخير من شأنه أن يسهم في المزيد من الاكتشافات والاختراعات والعمل على تسريع منسوب وإيقاع النمو في كافة الميادين والتخصصات.
وبناء على التقديم المومأ إليه أعلاه، يمكن طرح الإشكالية الرئيسية التالية: كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في مساعدة الشباب وتطوير مسارهم وتأمين مستقبلهم؟
للإجابة عن هذه الإشكالية، سيتم تقسيم هذه الورقة البحثية إلى خمسة محاور متداخلة ومترابطة، حيث يتعرض المحور الأول لمسألة توظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم، ويعالج المحور الثاني دور الذكاء الاصطناعي في تشجيع المشاركة السياسية للشباب، ويتطرق المحور الثالث لتوظيف الذكاء الاصطناعي ضمن السياسات العمومية الموجهة للشباب، وخُصص المحور الرابع لاستثمار الشباب للذكاء الاصطناعي في مجال الأعمال، وأُفرد المحور الخامس لدور الذكاء الاصطناعي في تعزيز مواطنة الشباب ومخاطر الانزلاق نحو التطرف الرقمي.
أولا: الذكاء الاصطناعي معلم رئيسي أم ثانوي
لقد أضحى الذكاء الاصطناعي حاضرا بشكل متزايد في جميع المجالات خاصة في المجال التعليمي، حيث أدمجت أنظمة التدريس بأنظمة الذكاء الاصطناعي، كما ساهمت التقنيات الرقمية في مساعدة الأطفال والشباب على التعلم (مثل تحويل النص المكتوب إلى صوت مسموع، بالإضافة إلى التعرف على الصوت واكتشافه…) وهي أمثلة مدرسية تبرز الدور المتنامي للذكاء الاصطناعي في مساعدة المتعلمين من ذوي الإعاقة الحركية في التدريس، وفي سنة 2021 نشرت الوكالة الأوروبية للاحتياجات الخاصة والتعليم الشامل كتابا معنونا “بالتعليم الرقمي الشامل”، وهو عبارة عن مجموعة من دراسات الحالة حول كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في سياق التعليم الرقمي الشامل.
وضمن هذا التوجه، تطرح مسألة مواكبة السياسات التعليمية مع برامج تعليم الذكاء الاصطناعي من خلال إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي ضمن المقررات التعليمية، والحرص على إشراك جميع المتدخلين خاصة من ذوي الخبرة التقنية الذين راكموا تجربة في استخدام الذكاء الاصطناعي وتأثيراته وكيفية تحويل تعقيدات الذكاء الاصطناعي إلى عناصر تعليمية وتكييفها مع حاجيات الطلبة.
وعليه، فإن برامج تعليم الذكاء الاصطناعي لا تنحصر فقط في الجوانب التقنية، بل يجب أن تمتد إلى الجوانب الأخلاقية وأن تشمل حقوق الإنسان والقوانين المتعلقة بالخصوصية بالإضافة إلى تحليلات البيانات والمهارات الرقمية والإحصائية، لذلك يجب تدريب المعلمين والمدرسين في المؤسسات التعليمية من خلال تجديد وتحديث المناهج الدراسية وتوجيهها للشباب.
وفي هذا المنحى، يتعين الاستعانة بآراء وتصورات الشباب ووجهات نظرهم بخصوص برامج تعليم الذكاء الاصطناعي، مما يسهم في تشجيعهم على المشاركة والمساهمة في القرارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.
ولمواكبة هذه التحولات التكنولوجية، يقترح بناء نظام تعليمي قادر على استيعاب برامج تعليم الذكاء الاصطناعي، حيث يتعين تكييف هذا الأخير مع منظومة حقوق الإنسان ومشاركة الشباب والمبادئ الأخلاقية، وغيرها من المواضيع التي يمكن ادماجها مع برامج تعليم الذكاء الاصطناعي، كما يجب أن يتطرق تعليم الذكاء الاصطناعي للإحتياجات الحقيقية والواقعية للشباب مع تسليط الضوء على بعض التجارب الفضلى والنماذج الرائدة كما هو الشأن بالتجربة الإستونية.
ومن هذا المنطلق، فإن استراتيجيات تعليم الذكاء الاصطناعي مطالبة بدمج أنشطة الدعم والترافع واستثمار خبرة الذكاء الاصطناعي في تقوية مشاركة الشباب والمساهمة في حكامة التدبير وتعزيز نشاطه الرقمي.
انطلاقا من الأحداث المتسارعة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، يتعين اعتبار هذا الأخير بمثابة “رفيق عمل” ينبغي التعامل معه بموقف إيجابي ونقدي في ذات الوقت، لكن يقترح الانفتاح على مسار تطوره، ومن ثمة لا يمكن تبني مقاربة انعزالية من خلال بناء جدار مع الذكاء الاصطناعي أو الخوف منه، بل يجب النظر إليه باعتباره “متدربا إضافيا” يمكن منحه مهام معينة وتدريبه على تقديم نتائج محددة في أفق الاستفادة من جوانبه المضيئة لتحقيق نظام تعليمي متطور ومتقدم.
ثانيا: الذكاء الاصطناعي وتحفيز المشاركة السياسية للشباب
منذ عقدين من الزمن، تعرضت الديمقراطية لتدفق هائل من الإخفاقات التي عبر عنها منظرو الديمقراطية، لا سيما رواد “الانتقال الديمقراطي”، في العديد من النقاشات والدراسات الكثيرة، خصوصا في السنوات الأخيرة التي تجر في حمولتها مصطلحات منحوتة بتسميات متعددة؛ كالتآكل الديمقراطي، والتراجع الديمقراطي، والتقلبات الديمقراطية، والانحدار الديمقراطي، والضيق الديمقراطي، وعدم الاستقرار الديمقراطي، والديمقراطية في حالة طوارئ، والتقلبات الديمقراطية… وهي كلها مفاهيم نسجت بمحبرة رواد المدارس الفكرية المختلفة من حيث المرجعيات النظرية، لكنها تتقاطع في فكرة أزمة الديمقراطية ومستقبلها الغامض في سياق دولي مطبوع بالعودة القوية للاستبداد.
إن مقاربة تركيب موضوع قضايا الشباب، يستدعي التفكير العميق في إعادة خوض غمار قراءة العوامل التي أسهمت في تعميق ظاهرة عزوف الشباب عن المشاركة السياسية سواء في المغرب وغيرها من الدول، وإيلاء أهمية مركزية للأسباب التي قادت إلى تنامي هذه الظاهرة واستمراريتها في سياق التحولات التكنولوجية الكبرى، لذلك تثار وتتناسل الكثير من الأسئلة المتعلقة بدراسة وتفكيك إشكالية التراجع الكبير للشباب في المشاركة السياسية.
لتحقيق التوازن بين الحماية والمشاركة في عالم رقمي مطبوع بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، يقترح الشباب مجموعة من الاقتراحات في مقدمتها شفافية أنظمة الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى التركيز على التوعية والتكوين والمعرفة والمهارات ووضع قواعد وقائية مقرونة بتقييم مسبق للمخاطر، وتمكين المستخدمين من جميع الآليات باستعمال مواد مصممة خصيصا لهذه الفئات، كما هو الشأن بذوي الإعاقة والفئات الهشة، انطلاقا من تكوينهم وتثقيفهم في المباحث التالية:
أ/ طبيعة الذكاء الاصطناعي؛ ب/ طرق اشتغاله وعمله واحتياجاته وما يقدمه؛ ج/ الحلول المساعدة في حالة وقوع الأخطاء؛
د/ عملية التحسن؛ ه/الإطار القانوني المنظم لأنظمة استخدام الذكاء الاصطناعي.
لقد أضفت التكنولوجيا الجديدة على الشباب طابعا مختلفا ومغايرا وزودته بتقنيات هائلة، الأمر الذي يقود إلى طرح سؤال نفعي يرتبط بالتساؤل حول التفكير في استثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي لإعادة رسم العلاقة المتوترة بين الشباب والسياسة.
مغربيا، هناك العديد من الرهانات التي يتعين الاشتغال عليها لتعزيز المشاركة السياسية للشباب، ويمكن أن نسوق بعض الأمثلة:
– تطوير المقاربة التقليدية المتعلقة بالتسجيل في اللوائح الانتخابية في أفق تطويرها رقميا.
– إصلاح نظام التصويت والتفكير في رقمنته كما هو الشأن في بعض التجارب الفضلى.
– اعتماد النظام الآلي لفرز الأصوات وحسابها.
– إحداث تطبيقات رقمية جديدة لتطوير الشروط المعقدة لممارسة الديمقراطية التشاركية.
– تطوير بنيات الانخراط الحزبي وإدماج آليات الذكاء الاصطناعي.
– صياغة برامج انتخابية انطلاقا من البيانات المتقدمة للذكاء الاصطناعي.
– تحديث الخطاب التواصلي الحزبي والانفتاح على التطبيقات الذكية.
– التفكير في الانتقال إلى الجماعات الترابية الذكية وفتح منافذ رقمية للمشاركة الشبابية.
وبناء على هذه الاقتراحات التي قد تبدو “مثالية” ومغرقة في “الطوباوية” إلا أنها تفرض نفسها بقوة في ظل تطور الأنظمة المقارنة ولو بنسب متفاوتة، غير أنها مقتنعة بضرورة الاستناد على الذكاء الاصطناعي للدفع بالشباب للمشاركة في صناعة القرار.
ثالثا: توظيف الذكاء الاصطناعي ضمن السياسات العمومية الموجهة للشباب
يسعى هذا المحور إلى محاولة الإجابة عن سؤال فرعي مقتضاه: كيف سيغير الذكاء الاصطناعي السياسات العمومية ذات الصلة بالشباب؟ وهل صانع القرار السياسي قادر على إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل “دورة” السياسات العمومية؟
يقدم الذكاء الاصطناعي مساعدة متطورة وسريعة لتحليل البيانات وتحسين استجابة السياسات في قطاع الشباب، مما يتيح للشباب وللمنظمات والجمعيات ذات الصلة بالشباب فرصة جديدة للمشاركة في صنع السياسات العمومية.
وضمن هذا التوجه يتعين التفكير في استثمار الذكاء الاصطناعي لتقوية التواصل والاندماج، حيث تتيح التقنيات الرقمية نوافذ متعددة للوصول إلى فئات جديدة من الشباب (مثل الشباب الذي ينتمي إلى المناطق النائية والجبلية والشباب من ذوي الإعاقة) في أفق إشراكهم في الاقتراحات وبناء التصورات ذات الصلة باهتمامات الشباب.
وتجدر الإشارة إلى أنه منذ سنة 2017 أضحى الاهتمام منصبا حول السياسات العمومية في مجال الذكاء الاصطناعي والشباب، وذلك انطلاقا من مدخلين رئيسيين:
ـ المدخل الأول: يتعلق بالابتكار والقدرة التنافسية، حيث تسعى العديد من الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى المحافظة على قدرتها التنافسية وزيادة تطويرها، كما تركز النقاش حول نشر تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الأعمال وفي القطاع العام، بالإضافة إلى دعم الشركات الخاصة والاستثمار في البحث العلمي والابتكار وجذب المواهب المتخصصة.
ـ المدخل الثاني: يرتبط بحقوق الإنسان والديمقراطية، وذلك من خلال تشجيع المبادرات الجديدة التي تركز على حماية المواطنين من إساءة استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
إن الاهتمام في تطوير السياسات العمومية المتعلقة بالشباب انطلاقا من توظيف البعد الرقمي المتطور، ففي شتنبر 2023 عقد المؤتمر الدائم لوزراء التعليم التابع لمجلس أوروبا حزمة من الإجراءات الجديدة لتنفيذ إعلان “Reyjkjavik” انطلاقا من استراتيجية مجلس أوروبا للتعليم 2024-2030.
وفي هذا الإطار، يمكن تقديم بعض الاقتراحات لتحسين بناء السياسات العمومية الموجهة إلى الشباب، وذلك من خلال إشراك الشبيبات الحزبية وجمعيات المجتمع المدني – (المهتمة بقضايا الشباب) – في عمليات التشاور الرسمية الممهدة لصياغة السياسات العمومية المتعلقة بالشباب، ذلك أن الذكاء الاصطناعي سيسهم في توفير مساحات رسمية لمشاركة الشباب من مداخل رقمية، كما يقترح في هذا السياق إنشاء مديرية أو وكالة متخصصة في متابعة تقنيات الذكاء الاصطناعي والسياسات العمومية الموجهة للشباب، وبالتالي فإن الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يعزز ضمان الولوج والشمول الرقمي للسياسات العمومية الموجهة إلى الشباب.
رابعا: الذكاء الاصطناعي وريادة الشباب في مجال الأعمال
لا شك أنه بالرغم من التطورات السريعة التي تعرفها التكنولوجيا الجديدة، فإنها ما زالت في مهدها وفي طور تشكلها، ويصعب الجزم بكونها مسؤولة عن الأزمات الحالية أو سببا في إحداث هذه الأزمة، غير أن مستقبل العالم سيتعرض لتحولات كبيرة وغير مسبوقة بفعل التكنولوجيا الجديدة، سواء المتعلقة بالسياسة أو الاقتصاد أو العلاقات الاجتماعية، كما ستسهم هذه الأخيرة في اختفاء العديد من الوظائف التقليدية أو فقدان الكثير من الوظائف التي سيعوضها الذكاء الاصطناعي، خاصة الوظائف المعرفية وظهور وظائف جديدة وغير مستقرة، ومن المرجح أن تنخفض كتلة الأجور بسبب المنافسة الشرسة بين الذكاء الاصطناعي والأفراد، وستصبح كثير من الفئات عديمة الفائدة، ليس بسبب فقدان وظائفها أو ضعف قدراتها، وإنما بسبب عدم قدرتها على تحمل مواكبة ومسايرة تعلم المهارات التي تعرف تطورا سريعا بشكل مستمر، ومن ثم، من المرجح أن يعيش العالم سلسلة من الاضطرابات وموجة من تقلبات الوظائف في العقود القادمة.
أضحت فئات عريضة من المجتمع تعيش حالة انتقال سريعة ومفاجئة، جراء التطورات المذهلة المتعلقة بالتكنولوجيا الرقمية الجديدة التي تفرز مفاهيم غامضة مثل “البلوك تشين” والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وهي مصطلحات تجعل الأفراد يواجهون أحيانا صدمة الغرابة، حيث يتسرب الشك أحيانا إلى نفوسهم موحيا لهم، بأن هذا المجتمع الجديد مختلف عن المجتمع الذي ترعرعوا فيه.
وهكذا، فإن الذكاء الاصطناعي يوفر ” للمقاولات الشبابية” فرصا لتعزيز حضورها في حالة توفر بعض الشروط الضرورية للمنافسة، لذلك، فإن الذكاء الاصطناعي يؤثر بشكل كبير في تطوير قطاع الأعمال ويسهم في تطويره وتعزيز تنافسيته، كما يمكنه أن يقدم توصيات حول بيانات السوق وتوقع الاتجاهات الاقتصادية، وتظهر أهميته أيضا في تحليل بيانات العرض والطلب وتوجيه السوق وكذلك قدرته على التنبؤ مما يساعد الشركات والإدارات على معرفة مسار الإنتاج وإيقاع التخزين.
خامسا: الذكاء الاصطناعي: المواطنة الشبابية الرقمية في مواجهة التطرف الرقمي
لا شك أن الذكاء الاصطناعي سيغير من نمط الحياة اليومية للشباب في ظل انتشار واتساع فضاءات الرقمنة واختراقها لسلوك وممارسات الشباب، وهو ما يفرض اثارة اهتمام الشباب بالذكاء الاصطناعي خاصة فيما يتعلق بتطبيقات snapchat أو instagram أو google أو غيرها، وضرورة ربطها بأربعة عناصر أساسية:
ـ البيانات والمعطيات: يعتمد الذكاء الاصطناعي على رزمة من البيانات الي يجمعها وينشئها بخصوص مستخدميه، ذلك أن هذه البيانات تعد من بين أهم الموارد والمنابع التي يعتمد عليها، حيث يقوم الذكاء الاصطناعي بتقديم تنبؤات واقتراحات استنادا على ميولات وتفضيلات المستخدم بهدف التأثير على سلوكه وخياراته، وبعد متابعة أحد هذه التوقعات والتأكد من صدقيتها، تشتغل هذه المعلومات بدورها على تغدية صندوق البيانات وإثرائها، مما يتيح للذكاء الاصطناعي باقتراح توصيات جديدة، وبالتالي يتعين تتبع البيانات باعتبارها حجر الزاوية في برامج تعليم الذكاء الاصطناعي.
ـ فهم التحيز: هذا العنصر له ارتباط بالبيانات، وفي حالة ضعفها أو عدم اكتمالها أو نقصانها، فإن ذلك يؤثر على عمل الذكاء الاصطناعي، ومثال ذلك، شركة أمازون التي استخدمت الذكاء الاصطناعي لتشغيل فريق من الموظفين بالاستناد على السيرة الذاتية للمرشحين، غير أن تصميم الذكاء الاصطناعي كان من قبل المهندسين البيض الذين قاموا ببناء نظامهم من خلال تحيزاتهم الخاصة، ومن ثمة فإن اختلال هذه البيانات قاد إلى ممارسات تمييزية.
ـ التعلم الآلي: يتم تعليم النظام الآلي من خلال برمجته، ولهذا فإن الذكاء الاصطناعي يعتمد على التعلم الآلي، مما يفتح له الباب بمراقبة أعماله السابقة والتعلم منها، ومن ثمة يمكن استخدام هذه القدرة كدريعة للتخويف أو لإثارة الهلع بخصوص الذكاء الاصطناعي، لذلك يتعين فهم هذه العمليات بهدف تشجيع الشباب وتحفيزهم على الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي.
ـ الفهم النقدي: لا ينبغي اختزال تعليم الذكاء الاصطناعي في فهم كيفية عمله، وإنما يجب تمكين الطلبة من فهم نقدي للذكاء الاصطناعي وكيفية تنفيذ التقنيات وتأثيرها على حياتهم، مما يفرض الانتباه إلى طبيعة البيانات التي تحول الفرد من حالة المستهلك إلى حالة المنتج للذكاء الاصطناعي، وبالتالي تبرز أهمية المقاربة النقدية في الحفاظ على الاستقلالية.
إن استخدام الذكاء الاصطناعي يعيق الأخلاقيات وقيم العمل مع الشباب، حيث توصلت نتائج تحقيق (NewsGuard) أن الشباب والمراهقين يتعرضون باستمرار لمحتوى منتقى يتضمن العديد من الخوارزميات التي تنتج ادعاءات كاذبة ومضللة أو محتوى جنسي، مما يؤثر سلبيا على قيم الشباب، بالإضافة إلى ذلك، هناك تأثيرات سلبية ترتبط بانتهاك الخصوصية، وهذا ما يتطلب تنمية قدرات الشباب على مواجهة الأنترنت والتوعية بمخاطر وعيوب تقنيات الذكاء الاصطناعي.
أحيانا توظف بيانات الشباب من قبل الذكاء الاصطناعي لأهداف تجارية وربحية، كما يشوه المحتوى المسنود بخوارزميات الذكاء رؤية الشباب للواقع من خلال ترويج معلومات مضللة أو متطرفة، الشيء الذي يسهم في تنامي نزوعات التطرف والعزلة الاجتماعية وقاد إلى تراجع العلاقات الهادفة.
وعلى هذا النحو، هناك جانب مظلم لوسائل التواصل الاجتماعي يتجلى في تطويعها لخدمة التوجهات الشعبوية التي تستغل تراجع منسوب ثقة الشباب في المؤسسات، وأسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في اتساع نطاق التواصل اليومي بين القادة الشعبويين والمجتمع بالترويج لفكرة القرب والتمثيل المباشر، ذلك أن هذا التواصل المباشر يبدو ظاهريا إيجابيا غير أنه يجر في عمقه العديد من المخاطر التي تشكل تهديدا للديمقراطية الليبرالية، لكونه يلغي مؤسسات الوساطة ويضعف قنوات التمثيل المبنية على التعددية والحرية والتقاطبات والتدافعات، وكذلك التسويات والتوافقات، ويعوضها بوحدة التوجه الداعم للقائد الشعبوي.
ومن ثم، يمكن التصدي للجانب المظلم الذي تتسبب فيه التكنولوجيا الجديدة، وما يرتبط بها من منصات رقمية متعددة، لا سيما وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يُقترح تقوية القدرات النقدية للشباب في تلقي المحتويات الإلكترونية العنصرية أو المضللة والتحقق منها وكذا التربية على المواطنة الرقمية .
خاتمة
رهان مساهمة الذكاء الاصطناعي في مساعدة الأجيال الجديدة وتطوير مسارهم وتأمين مستقبلهم يصطدم مع بعض التحديات المقلقة التي تقترن بالذكاء الاصطناعي، من بينها مخاطر انتهاك الخصوصية وحماية المعطيات والحقوق الأساسية، وخطر فشل نمط عمل الذكاء الاصطناعي أو إمكانية حدوث أخطاء في نتائجه وصعوبة اكتشافها وما يترتب عن ذلك من مسؤوليات.
لا يمكن ملامسة تأثيرات الذكاء الاصطناعي وجوانبه الإيجابية دون استحضار إشكالية “الفجوات الرقمية” خاصة في الدول التي تعاني من اختلالات بنيوية على مستوى العدالة الاجتماعية، فالفجوات الرقمية تؤدي إلى أشكال جديدة من التفاوت الاجتماعي، وفي المقابل من ذلك، فإن الفئات التي لها القدرة على استخدام الذكاء الاصطناعي والوصول إلى المعلومات تكون أقل عرضة للاستبعاد الاجتماعي أو التعليمي.
هناك سجال ونقاش مستمر حول مخاطر الذكاء الاصطناعي وقدرته على التمرد واحداث أضرار بالإنسانية وصعوبة التحكم في مخاطره وانعكاساته السلبية، خاصة وأن هذا الأخير أثبت أن قدراته وذكائه قادر على تجاوز ذكاء الانسان، حيث يمكن التذكير بالواقعة الشهير والمؤلمة التي قادت إلى خسارة بطل الشطرنج (جاري كاسباروف) أمام برنامج الذكاء الاصطناعي لثماني عشرة مرة في لعبة مركبة ومعقدة ومطبوعة بالحدس الممزوج بالذكاء وردود الفعل، لكن المثير للانتباه أن نظام الذكاء الاصطناعي لم يعتمد على القواعد والخطوات المرسومة من قبل مهندسي البرامج بل عن طرق التعلم والاستفادة من المباريات السابقة، وبالتالي فإن هذا الإنجاز غير المسبوق لأنظمة الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يحول هذا التطور غير المسبوق إلى مغامرة يصعب معرفة نتائجها ومآلاتها في المستقبل.
وترتيبا على ما تقدم، فإن الاهتمام والوعي والتفكير في توظيف أنماط وأنظمة الذكاء الاصطناعي على الشباب، يتطلب استحضار التربية على أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، خاصة في مجال البحث العلمي، ومواصلة تعزيز النقاش بهدف رفع الوعي حول تأثيرات الذكاء الاصطناعي على الشباب في أفق الاستفادة جوانبه المضيئة لتعزيز مشاركة فعالة ومواطنة للشباب.