الصحراء المغربية في سياق التحول الجيو سياسي: من الاعترافات الدولية إلى إعادة بناء التوازنات الإقليمية

 

نور محمد رضا

أستاذ في كلية الحقوق بفاس وجامعة الأخوين بإفران
رئيس المركز المغربي للدراسات الإفريقية والتنمية المستدامة

 

مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في عام 2024 وتأكيده على دعمه للمبادرة المغربية، تشهد قضية الصحراء المغربية منعطفًا حاسمًا، ولا سيما بعد إعلان فرنسا، إحدى القوى الدائمة العضوية في مجلس الأمن، اعترافها الصريح بسيادة المملكة المغربية على أقاليمها الجنوبية، وهو ما يُشكّل تحولاً نوعياً في مواقف القوى المؤثرة داخل المنتظم الدولي ويسهم في ترسيخ دينامية دولية متنامية تصبّ في تأييد الخطة المغربية وتكريس شرعيته على المستويين القانوني والسياسي.

 

وعليه، فإن هاته التحولات الجيوسياسية العميقة وغير المسبوقة من شأنها أن تُمهّد الطريق أمام تعزيز الاعتراف المتعدد الأطراف بسيادة المغرب الكاملة على صحرائه، وهو ما سوف يؤدي إلى إعادة تموضع تدريجي لمواقف جبهة البوليساريو، في ظل تراجع نفوذ الجزائر وتزايد مؤشرات عزلتها الإقليمية والدولية.

 

 

 

من واشنطن إلى باريس: تقاطع المصالح والتحولات الجيوسياسية في دعم مغربية الصحراء

 

 

في سياق استمرارية توجهات السياسة الخارجية الأمريكية، لم يكتف الرئيس دونالد ترامب بالحفاظ على دعم بلاده للمملكة المغربية، بل عمد إلى تعزيزه بشكل غير مسبوق. فإعلانه الرسمي في ديسمبر 2020 عن الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية شكّل نقطة تحوّل مفصلية في مواقف واشنطن.

 

وتأكيداً لهذا المسار الاستراتيجي، وفي أعقاب لقاء رفيع المستوى جمع بين وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ونظيره المغربي ناصر بوريطة بتاريخ 8 أبريل 2025، جددت الولايات المتحدة تأكيدها على دعم مبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد وواقعي لقضية الصحراء المغربية، مشددة على التزامها “بإعلان 2020” كأساس لمقاربتها المعتمدة.

 

ويعكس هذا الموقف استراتيجية شاملة تهدف، في المقام الأول، إلى دعم الموقف القانوني والشرعي للمملكة المغربية فيما يتعلق بسيادتها الكاملة على أقاليمها الجنوبية، وكذلك مساندة المسار التنموي المستدام الذي تنتهجه الرباط في هذه المناطق، ثم يأتي في السياق الأوسع سعي واشنطن لاحتواء النفوذ الروسي والصيني، مع تركيز خاص على التصدي للنفوذ الإيراني المتزايد في هذه المنطقة الاستراتيجية من القارة الأفريقية. حيث يسعى النظام الإيراني إلى توسيع حضوره في المنطقة عبر تحالفات سياسية، اقتصادية وعسكرية مع دول مثل الجزائر، تونس والسودان، مستخدمًا أدوات مثل الدعم العسكري، بما في ذلك تسليم الأسلحة والطائرات المسيّرة، بالإضافة إلى تعزيز وجوده الثقافي والديني من خلال إنشاء مراكز إسلامية ومؤسسات تعليمية.

 

ويأتي هذا التطور في الحراك الدبلوماسي الدولي امتداداً لمسار استراتيجي دشنته الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر عام 2020 بإرساء معالم رؤية جديدة في التعاطي مع ملف الصحراء المغربية، لتحذو حذوها إسبانيا في عام 2022، متصدرةً طليعة الدول الأوروبية المنخرطة في هذه المقاربة الجديدة. واليوم، تنضم فرنسا إلى ركب هذا المسار المتنامي، معلنةً، من خلال تصريح رسمي أدلى به رئيسها إيمانويل ماكرون في العشرين من مارس لعام 2024، دعمها الصريح والثابت للموقف المغربي بشأن قضية الصحراء.

 

ولا ريب أن الراصد المتمعن في مسارات هذا الملف الإستراتيجي يستشف بجلاء أن التجديد المتواتر للدعم الأمريكي ليس وليد لحظة عابرة، بل هو تجسيد لرؤية إستراتيجية متكاملة الأركان للمشهد الجيوسياسي الإقليمي بدقائقه وتفاصيله. وفي ظل هذه التحولات الدبلوماسية المتسارعة والتموضعات الدولية المستجدة، أضحى الدور المنوط ببعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء “الغربية” (مينورسو) يتخذ طابعاً رمزياً محضاً أكثر من كونه ذا أثر عملي ملموس، لا سيما في ضوء التراجع البيّن في قدرتها على التأثير الجوهري في مسارات الملف وتطوراته.

 

وقد تجلى هذا التقييم بوضوح فيما خلُصت إليه مؤسسة “هيريتيج”، ذلك المركز البحثي ذي الثقل والتأثير في أوساط المحافظين الأمريكيين، إذ أفصحت في تقرير دقيق ومفصل صدر في أواخر ديسمبر 2024 عن موقف نقدي صريح، واصفةً البعثة الأممية بأنها “استنزاف مالي يفتقر إلى النجاعة والفعالية”، داعيةً في الوقت ذاته إلى انخراط مباشر ومحوري من جانب الإدارة الأمريكية في تدبير هذا الملف وتبني زمام المبادرة فيه، بغية إرساء دعائم الاستقرار واحتواء التمدد الإيراني المتنامي عبر أذرعه المتعددة في المنطقة.

 

ويبرز في هذا السياق الدور المحوري للدعم الإيراني المتواصل لجبهة البوليساريو عبر قنوات متعددة، وفي مقدمتها حزب الله اللبناني، وذلك في إطار إستراتيجية إيرانية شاملة تستهدف زعزعة التوازنات الإقليمية في شمال إفريقيا وتوسيع نطاق النفوذ الإيراني في الفضاء الممتد غرب الصحراء الكبرى، وهو ما تراه واشنطن تهديداً صريحاً ومباشراً لمصالحها الأمنية والجيوسياسية الإستراتيجية على المدى المنظور والبعيد.

 

ومن هذا المنظور الشامل، تتجلى الاعترافات الدولية المتتالية بسيادة المملكة المغربية على أقاليمها الجنوبية، وعلى رأسها الموقف الأمريكي الراسخ، كخطوة محورية وحاسمة ضمن مقاربة متكاملة ومتعددة الأبعاد تستهدف في جوهرها تجفيف منابع الإرهاب ومصادر الدعم الخارجي للبوليساريو، وتطويق الأدوار التخريبية التي تضطلع بها قوى معادية، يتصدرها النظامان الإيراني والجزائري، من خلال استغلال هذا النزاع الإقليمي كورقة ضغط جيوسياسي وأداة لتحقيق مكاسب إستراتيجية على حساب أمن واستقرار المنطقة برمتها.

 

 

من التآكل السياسي إلى العزلة الدبلوماسية: قراءة في أفول المحور الانفصالي بين الجزائر والبوليساريو

 

 

في خضم التحولات المتسارعة التي يشهدها المشهد الإقليمي، أخذت الشرعية السياسية لجبهة البوليساريو تتآكل بصورة تدريجية وملموسة، فيما يتلاشى حضورها الدبلوماسي والإعلامي على الساحة الدولية. وعلى الرغم من استمرار الدعم الجزائري المقدم لهذا الكيان الانفصالي، فإن هذا الإسناد فقد الكثير من وزنه وتأثيره على الصعيد الدولي، لا سيما في ظل تصاعد الضغوط الغربية المنهجية على النظام الجزائري للتخلي عن مواقفه الداعمة للأطروحة الانفصالية.

 

ومما يجدر التنويه إليه أن هذه الضغوط تجاوزت المسارات الدبلوماسية لتشمل تحولات جوهرية في منظومة العلاقات الأمنية الإقليمية. فقد وجهت دول محورية في العمق الإفريقي، وعلى رأسها النيجر ومالي، اتهامات صريحة للنظام الجزائري بدعم وإيواء جماعات مسلحة متمردة، وعرقلة مسار السلام، والتدخل في الشؤون الداخلية.

 

هذه الاتهامات أدت إلى توتر غير مسبوق في العلاقات بين الأطراف المعنية، مما فاقم تعقيد المشهد الإقليمي وشكّل تهديداً للأمن في شمال إفريقيا. وهكذا، وجدت الجزائر نفسها في مأزق استراتيجي أمام تصاعد الدعوات الدولية لمراجعة سياساتها والإسهام الفعلي في ترسيخ الاستقرار الإقليمي بدلاً من زعزعته.

 

في هذا السياق المتوتر، تتجه بوصلة المنتظم الدولي نحو المقاربات الأكثر واقعية ونجاعة في التعاطي مع الملفات الإقليمية المعقدة، وهو ما يفسر تصاعد التأييد الدولي للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، باعتبارها طرحاً عملياً يُعيد ضبط التوازن في المنطقة. ولعل اعتماد مجلس الأمن الدولي للقرار رقم 2756 في الحادي والثلاثين من أكتوبر لعام 2024 جاء ليجسد بوضوح الاتجاه الدولي الراسخ نحو تكريس المبادرة المغربية للحكم الذاتي كإطار وحيد وواقعي لتسوية هذا النزاع المزمن، حيث وُصفت مجدداً بأنها “جديةٌ وذات مصداقية.

 

وفي سياق متصل، أكد المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، السيد ستيفان دي ميستورا، في تقريره المفصل المرفوع إلى مجلس الأمن الدولي بتاريخ الرابع عشر من أبريل لعام 2025، أن التصريحات الرسمية الصادرة عن كل من الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الفرنسية تعكس تحولاً نوعياً وجوهرياً في مقاربة القوى الدولية الكبرى لقضية الصحراء المغربية، مشدداً على أن مبادرة الحكم الذاتي التي طرحتها المملكة المغربية سنة 2007 تمثل الإطار الوحيد الواقعي والجاد القابل للتطبيق على أرض الواقع. كما أشار في تقريره إلى أن حالة الجمود التي تكتنف المسار السياسي لا ترتبط بالموقف المغربي الذي يقدم حلاً عملياً يحظى بتأييد دولي متنامٍ، بل تعود في جوهرها إلى التعنت المستمر لجبهة البوليساريو، والقوى الإقليمية التي تقف وراءها، ورفضها القاطع لأي تسوية لا تنطلق من منطق الانفصال، وهو المنطق الذي تجاوزه المجتمع الدولي وأضحى خارج سياق المقاربات الواقعية لتسوية النزاعات الإقليمية.

 

وفي ضوء هذه التطورات المتسارعة التي يشهدها المشهد الإقليمي، وفي ظل تراجع مصداقية الأطروحات الانفصالية وتآكل الدعم الدولي لها، تبرز تحولات جيوستراتيجية عميقة تعيد رسم خارطة التوازنات في المنطقة، وتبلور واقعًا جديدًا يستوجب قراءة متأنية لأبعاده ومآلاته المستقبلية.

 

 

المغرب في قلب التحولات الجيوسياسية: معالم بنية إقليمية جديدة في شمال إفريقيا والساحل

 

 

يعكس تشكّل محور استراتيجي متنامٍ بين الرباط وواشنطن، تدعمه امتدادات أوروبية متسارعة، تحولًا بنيويًا في الجغرافيا السياسية لشمال إفريقيا ومنطقة الساحل، حيث لم يعد المغرب يُنظر إليه كطرف في نزاع إقليمي، بل كفاعل مركزي في هندسة الاستقرار وتعزيز الأمن الجماعي في الفضاءين المتوسطي والأفريقي بأبعادهما المتعددة.

 

لقد رسّخ المغرب موقعه كقوة إقليمية صاعدة ومسؤولة، من خلال استثماراته المتزايدة في أقاليمه الجنوبية، وشراكاته الاقتصادية المتعددة، والتزامه الفاعل في مكافحة الشبكات الإرهابية والاتجار غير المشروع. كما يُترجم انخراطه الدينامي في مشاريع التنمية، والتحول الطاقي، والاندماج القاري إلى موقع تفاوضي متقدم داخل المنتظم الدولي، وهو ما يمنحه أدوات تأثير مركّبة، تتجاوز المنطق الكلاسيكي للسيادة، نحو ما يُعرف بسياسات “القوة الذكية”.

 

وفي صلب هذا المشهد الجيوستراتيجي الجديد، يبرز مشروع الميناء الأطلسي بالداخلة، المقرر إنشاؤه سنة 2029 كرمز لطموح سيادي واقتصادي عابر للحدود. إنه ليس مجرد بنية لوجستية تربط غرب إفريقيا بأوروبا وأمريكا الشمالية، بل محور تحوّل استراتيجي يُعيد صياغة خرائط المبادلات جنوب-جنوب وشمال-جنوب في سياق نظام عالمي متعدد الأقطاب وفي حقبة ما بعد الجائحة، حيث أضحى الأمن الطاقي والرقمي والمائي محددات مركزية في هندسة العلاقات الدولية.

 

وإلى جانب موقعه الأطلسي الحيوي، يشتغل المغرب على تطوير أدوات تأثير مستقبلية، من خلال الاستثمار في تقنيات التحول الرقمي، والذكاء الاصطناعي، وسلاسل القيمة في الطاقات المتجددة، خاصة الهيدروجين الأخضر. ووفقًا لتقارير استشرافية صادرة عن مراكز تفكير دولية، فإن المغرب مؤهل، في أفق 2030، لقيادة التحول البيئي والطاقي في المنطقة، مما يمنحه مكانة تفاوضية متقدمة ضمن المعادلات الجيوطاقية لأوروبا وإفريقيا.

 

في هذا السياق، ومع تزايد محدودية دور دبلوماسية الأمم المتحدة، وتعزيز التحالفات الثنائية والمتعددة الأطراف، تبرز المبادرة المغربية للحكم الذاتي كخيار واقعي ومتوازن. خاصة وأنها لا تفرض منطق الغلبة ولا تنزلق في متاهات التفاوض العقيم العبثي، بل تقدم مخرجًا يصون كرامة جميع الأطراف لنزاع استمر لعقود، استناداً إلى مقاربة تستجيب للوقائع الميدانية والتحولات الإقليمية والدولية.

 

وبفضل شرعيته التاريخية، واستقراره المؤسسي، ونموذجه التنموي المتجدد، تحول المغرب إلى فاعل وازن يتمتع بالمصداقية السياسية والقدرة الاستراتيجية اللازمة لقيادة مسار تسوية سياسية واقعية، تتجاوز الجمود الإيديولوجي الذي طبع المقاربات السابقة.

 

من هذا المنظور، يمكن اعتبار عام 2025 محطة مفصلية في مسار النزاع، تُعبّر عن لحظة تحول جيوسياسي حاسم. فتزايد التقارب الدولي مع الرباط، إلى جانب التحولات الاقتصادية والتنموية في الأقاليم الجنوبية، لا يشكل فقط أرضية لإنهاء النزاع، بل يُؤسس أيضًا لنموذج استقرار وازدهار إقليمي يمكن أن يمتد إلى مجمل فضاء المغرب العربي. وحتى وإن بقي للأمم المتحدة دور رسمي تؤديه ضمن الإطار المؤسسي، فإن ديناميكيات التأثير الحقيقية باتت تتحرك في دوائر القرار العالمية – من واشنطن وباريس إلى برلين ومدريد – حيث يتم رسم ملامح النظام الدولي الجديد على أساس توازنات طاقية، رقمية، وأمنية جديدة. وتشير السيناريوهات الجيوسياسية المستقبلية إلى أن الأقاليم الجنوبية – بموقعها الاستراتيجي وبنيتها التحتية المتطورة – مرشحة للتحول إلى مركز إقليمي حيوي، يعيد تشكيل خريطة النفوذ التقليدية، ويحوّل بؤرة التوتر التاريخية إلى مساحة للتنمية العابرة للحدود.

 

وفي سياق تعزيز نفوذها الإقليمي، تنتهج المملكة المغربية استراتيجية متطورة لإعادة هيكلة شبكات التأثير في القارة الإفريقية. فبدلاً من المقاربة التقليدية القائمة على “النفوذ مقابل الموارد”، يبرز نموذج مغربي جديد يرتكز على الشراكة المتكافئة، حيث تُعلى قيم التنمية المستدامة وبناء القدرات الذاتية للدول الشريكة. ويتجلى هذا التموضع الاستراتيجي في توسع المغرب شرقًا، حيث يتموقع كمحور رئيسي يربط المحيط الأطلسي بالبحر الأحمر. ويشكل ميناء الداخلة الاستراتيجي العمود الفقري لهذه الرؤية، معززًا دور المملكة كحلقة وصل حيوية بين إفريقيا الغربية والشرقية.

 

اما على الصعيد الدولي، فتبرز الدبلوماسية المغربية “البراغماتية” و “المتعددة الأبعاد” كنموذج للمرونة الاستراتيجية، والتي توفق في التوازن الدقيق بين الشراكات الغربية التقليدية والعلاقات الناشئة مع القوى الصاعدة – كالصين والهند وتركيا. وفي عالم يشهد تحولات جيوسياسية عميقة، يؤكد المغرب حضوره كشريك عالمي متعدد الأبعاد، يتمتع باستقلالية استراتيجية متقدمة.

 

هذه المرونة الدبلوماسية المتعددة الأبعاد لا تقف عند حدود التوازنات السياسية، بل تمتد لتشكل رافعة استراتيجية شاملة. فالاستقلالية الاستراتيجية المغربية تتجلى بوضوح في قدرته على التحول من الدبلوماسية الناعمة إلى البعد الأمني والعسكري، لتترجم رؤية متكاملة للأمن والتنمية، من خلال إعادة هيكلة المنظومة الدفاعية المغربية، التي شهدت نقلة نوعية تمثلت في تنويع مصادر التسليح، واقتناء نظم دفاع جوي متقدمة، وتأسيس بنية تصنيع عسكري محلية. وبالتوازي مع ذلك، عزز المغرب من شراكاته الاستخباراتية مع القوى الكبرى، ليرسّخ موقعه كشريك استراتيجي في جهود مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، خاصة في منطقة الساحل والصحراء. ويأتي ذلك من خلال التنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة في إطار التمارين المشتركة مثل ‘الأسد الإفريقي’، إلى جانب شبكة تعاون فعالة مع أجهزة أوروبية في مجال الأمن الحدودي ومكافحة الشبكات العابرة للحدود. كما انفتح المغرب على مجالات متقدمة في الأمن السيبراني والاستخبارات التقنية، ما عزز من مكانته كفاعل أمني محوري في إفريقيا الشمالية وغرب المتوسط. ويُتوقع أن يلعب دورًا محوريًا في صياغة “عقيدة أمنية قارية” جديدة تتجاوز الحلول الظرفية، معالجًا جذور الهشاشة الأمنية في القارة.

 

 

خاتمة

 

في ضوء هذه التحولات المتسارعة، لم تعد الصحراء المغربية مجرد إقليم موضع نزاع سيادي، بل تحوّلت إلى فضاء جيوسياسي مفتوح على رهانات استراتيجية متعددة، تجمع بين الأمن، التنمية، والدبلوماسية متعددة الأبعاد. لقد تجاوزت القضية طابعها الإقليمي الضيق لتُصبح مدخلًا لإعادة فهم موازين النفوذ في شمال إفريقيا والساحل، ومؤشرًا على صعود نموذج مغربي قادر على التأثير في ديناميات النظام الدولي الجديد.

 

غير أن ما يثير الانتباه في هذا السياق هو أن ترسيخ مغربية الصحراء لا يعيد فقط تشكيل خرائط السيادة، بل يطرح أيضًا إشكاليات أكثر عمقًا تتعلّق بإعادة تعريف أدوار الدولة الإفريقية في ظل التعددية القطبية وتراجع نماذج الهيمنة الكلاسيكية. فالمغرب، من خلال مقاربته التنموية والأمنية المتكاملة، يقدم تجربة قد تُعاد قراءتها كنموذج لتدبير الفضاءات المتنازع عليها بطريقة تحوّل منطق النزاع إلى منطق البناء.

 

ومن هنا، يبرز تساؤل جوهري يتجاوز منطق التسوية السياسية نحو أفق مفاهيمي أرحب: هل نحن أمام ولادة نموذج جيوسياسي جديد، حيث تتحول المناطق الحدودية من بؤر توتر إلى مختبرات للتكامل والابتكار؟

 

فالصحراء المغربية تبدو اليوم أكثر من مجرد قضية تاريخية، بل مشروع استشرافي يُختبر من خلاله مستقبل التعاون الإفريقي، وإمكانية تجاوز حدود الدولة-القومية نحو فضاء متداخل المصالح، ومشترك الرهانات، ومتجدد الأدوار.

مقالات مرتبطة :
تعليقات الزوار
  1. بن شقرون سلمى

    مقال رائع

اترك تعليق