أكد كمال الهشومي، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق أكدال، أن مؤسسة وسيط المملكة لم تعد مجرد جهاز لتلقي التظلمات، بل أصبحت فاعلا مؤسساتيا يعيد بناء العلاقة بين المواطن والإدارة على أساس ما وصفه بـ”السيادة الاجتماعية” و”الحكامة الإنصافية”.
وقال الهشومي خلال ندوة علمية بعنوان “وسيط المملكة أفقا للمعرفة”، نظمت ضمن فعاليات الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب، إن المؤسسة تجاوزت وظيفتها التقليدية، وأضحت تؤدي دورا مركزيا في تفسير القانون بما يحقق الإنصاف ويعيد الاعتبار للشرعية الإدارية العادلة.
ودعا الخبير في الحكامة والمؤسسات الوسيطة إلى تحويل الوساطة من وظيفة تقنية إلى سياسة عمومية مهيكلة، تساهم في ترسيخ ثقافة سياسية جديدة تقوم على الحوار والتفاعل، بدلا من النزاع والقطيعة، مشددًا على ضرورة اعتماد منطق الاجتهاد المؤسسي، وتطوير تقارير تحليلية، وخلق شراكات بحثية دائمة مع الجامعات.
واعتبر أن بناء نموذج مغربي للوساطة المواطِنة يتطلب تكاملا وظيفيا ثلاثيا، يجمع بين التشخيص الذي تقوم به مؤسسة الوسيط، والتكوين الذي تضطلع به الجامعة، والتفعيل الميداني الذي ينجزه المجتمع المدني، مبرزا أن الوساطة يجب أن تُمارس على المستويات المؤسساتية والأكاديمية والمجتمعية.
وأشار الهشومي إلى أن الوساطة تندرج ضمن ما يُعرف بحقوق الجيل الرابع، والتي تشمل الحق في تفسير القرار الإداري، والحق في التواصل القبلي مع المؤسسة، والحق في الإنصاف خارج القضاء، والحق في الإصغاء داخل المرفق العمومي، والحق في الحلول البديلة والمبكرة للنزاعات.
وفي ما يخص دور الجامعة، شدد المتحدث على أهمية إدماج فكر الوساطة في التكوينات الجامعية، من خلال وحدات دراسية وماسترات متخصصة، وتوفير فرص للتكوين الميداني داخل مؤسسة الوسيط، بما يعزز وعي الطلبة ومهاراتهم في مجال الوساطة المؤسساتية.
كما أبرز أن المجتمع المدني يمثل شريكا أساسيا في ممارسة وساطة اجتماعية قاعدية، تشتغل داخل الأحياء والمدارس والمؤسسات، عبر التوعية، ورصد الاختلالات، ومرافقة المواطنين في التعبير عن مطالبهم.
وسجل الهشومي أهمية الاستفادة من التجارب الدولية في مجال الأومبودسمان، مستعرضا النماذج السويدية والفرنسية والكندية والإسبانية والجنوب إفريقية، وداعيا إلى تطوير تصور مغربي أصيل للوساطة يستلهم عناصر القوة من تلك التجارب دون السقوط في التقليد.
وختم الهشومي بالتأكيد على ضرورة ترسيخ مؤسسة الوسيط كفاعل اقتراحي في السياسات العمومية، معتبرا أن هذا التحول من شأنه أن يعزز ثقة المواطن في الإدارة، ويؤسس لعقد اجتماعي جديد قوامه التفاعل والإنصاف.