مصطفى المريني
أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس
من المقرر أن يقدم المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء ستافان دي ميستورا في الرابع عشر من الشهر الجاري، إحاطته نصف السنوية أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي، تتضمن نتائج مشاوراته مع الأطراف المعنية بالنزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، في ظل تزايد الدعم الدولي للمبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء كأساس واقعي وذي مصداقية للحل السياسي المنشود .. وتمهيدا لهذا الموعد الأممي، يسابق دي ميستورا الزمن للقاء الأطراف والفاعلين الدوليين المعنيين، لإنقاذ مهمته من الفشل الذي بات محتما في ظل تصلب موقف الجزائر وجبهة البوليساريو، اللذان يفترض أن يوجه لهما المبعوث الأممي جهوده لإقناعهما بالانخراط في الدينامية الدولية للحل السياسي في الصحراء، طالما أن المغرب يبدي انخراطا تاما في هذه الدينامية.
لكن يبدو أن دي ميستورا، وهو يزور المغرب ضمن جولات الساعة الأخيرة التي دشنها مؤخرا، يفكر في شيء ما، قد يشوش على الزخم الدولي الداعم للموقف المغربي العادل، وإلا عما ذا جاء يبحث دي ميستورا لدى المغرب؟ ! ما دام أن المغرب واضح في موقفه، ومنسجم مع متطلبات الحل السياسي، الواقعي والبراغماتي، الذي تشجع عليه الأمم المتحدة. لذا يفترض أن يركز دي ميستورا جهود الساعة الأخيرة على الطرف المعرقل للتسوية السياسية، والرافض لاستئناف المفاوضات، وفق مقررات مجلس الأمن، ويضعه أمام مسؤوليته الدولية، ويقدم في شأنه الملاحظات اللازمة الى مجلس الأمن، لكشف عناده ومعاكسته للجهود الدولية، في مقابل تعاون المغرب وانفتاحه على الحل السياسي ،والواقعي من خلال مبادرة الحكم الذاتي، التي تستغرق كل متطلبات الحل السياسي الواقعي ،والبراغماتي، والتوافقي ،والمستدام الذي تدعوا له الأمم المتحدة، وهي المتطلبات التي تستجيب لها المبادرة المغربية للحكم الذاتي ، التي ما تفتأ تحصد الاعتراف الدولي، بما فيه اعتراف مجلس الأمن الدولي الذي اعتبرها مبادرة جادة وذات مصداقية، بالإضافة الى اعتراف عشرات الدول بأهميتها لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء، ناهيك عن اعتراف عشرات الدول بالسيادة المغربية على الصحراء دون قيد أو شرط.
وواضح أن هذا الاعتراف الواسع بالمبادرة المغربية، يكرس واقعا دوليا يفترض أن يوجه عمل المبعوث الأممي ويؤطر مهمته، وينعكس بالتالي في إحاطاته وتقاريره أمام مجلس الأمن الدولي، لكن يبدو أن دي ميستورا اختار أن يعطي ظهره لهذا الواقع، ويعيد خلط الأورق بإعادة تدوير مقترحات عفا عليها الزمن وتجاوزتها الأحداث، ولم تعد ذات موضوع كما يقال. وإن إعادة طرحها في هذه الظرفية التي تشهد توافقا دوليا على الحل السياسي الواقعي على أساس المبادرة المغربية للحكم الذاتي، من شأنه أن يشوش على هذا التوافق الدولي، ويعقد عملية التسوية السياسية، بل ويشكك في خلفيات ونوايا المبعوث الأممي الذي يتعين عليه القيام بالمساعي الحميدة وقيادة العملية السياسية نيابة عن الأمين العام للأمم المتحدة، في ضوء توجيهات وقرارات مجلس الأمن.
وعليه، يتعين على المبعوث الأممي، دي ميستورا، إذا كان يرغب حقا في انقاذ ما تبقى من مهمته من الفشل الذي يلاحقه في كل المهمات الأممية التي أنيطت به، أن يلتزم برسالة تعيينه، التي تملي عليه البناء على التقدم المحرز طيلة السنوات الماضية في إطار قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، التي تقضي باستئناف المفاوضات بين الأطراف المعنية بالنزاع الإقليمي حول الصحراء، بما فيها الجزائر-طبعا- باعتبارها طرفا في النزاع، وذلك بمقتضى قرارات مجلس الأمن مع الأخذ في الاعتبار المبادرة المغربية للحكم الذاتي كأساس جاد وواقعي وذي مصداقية بإقرار مجلس الأمن نفسه، الشيء الذي يحث الوسيط الأممي على إدراج مساعيه ضمن هذا الإطار العام، والكف عن إعادة تدوير مقترحات عفا عليها الزمن وتجاوزتها التطورات، من قبيل إحياء خطة التسوية، وعملية الاستفتاء، وتقسيم الصحراء، فهذه المقترحات كلها أصبحت متجاوزة في عرف الأمم المتحدة، وتم التخلي عنها لفائدة الحل السياسي، والواقعي ،والعملي والدائم، وعنوان هذا الحل اليوم هو المبادرة المغربية للحكم الذاتي، وهي محل اشادة من مجلس الأمن الدولي، واعتراف دولي واسع، إذ ثمة أزيد من مئة دولة عبر العالم مساندة للمبادرة المغربية، كإطار للتفاوض بين الأطراف بشأن نظام للحكم الذاتي لجهة الصحراء في اطار سيادة المغرب ووحدته الترابية، بل إن ثمة من الدول من بادرت الى فتح تمثيليات دبلوماسية في جهة الصحراء عربونا لاعترافها بسيادة المغرب عليها، وهو المعطى الذي يتعين على المبعوث الأممي ،أي مبعوث أممي استحضاره بقوة ووضعه في صميم أجندة مساعيه، واعتبار المبادرة المغربية للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الأفق الوحيد الذي يحقق متطلبات الحل السياسي الذي تشجع عليه الأمم المتحدة، ودون هذا الحل خرط القتاد كما يقال !.
وإذا كان الوسيط الأممي لا يملك الشجاعة لكي يقر بهذا الواقع السياسي ، فعلى الأقل يتقفى أثر سلفه بيتر فان فالسوم الذي كان اكثر واقعية حين اعتبر ” أن استقلال الصحراء ليس خيارا واقعيا”، ليفتح المجال أمام المنتظم الدولي لتحمل مسؤوليته ،وإعادة تقييم الوضع في اتجاه انهاء هذا النزاع الإقليمي المفتعل..