لماذا تصرخ الجزائر في باريس ومدريد وتهمس في واشنطن؟

 

في العادة، لا تحتاج الجزائر الرسمية إلى كثير من الاستفزاز كي تخرج وزارة خارجيتها إلى العلن، تطلق البيانات، تندد، تشجب، وتعلن عن “مراجعة العلاقات” أو سحب السفراء، أو حتى تجميد الاتفاقيات، خصوصا إذا تعلق الأمر بدولة عبّرت -ولو تلميحا- عن دعمها لمغربية الصحراء.

 

لكن، حين يتعلق الأمر بالولايات المتحدة الأمريكية، فإن ما كان يسمى “النيف” يتبخر، وتتحول “المواقف المبدئية” إلى أوراق صامتة، تتطاير مع أول هبوب لرياح المصالح.

 

أمريكا، بكل وضوح، ومن قلب واشنطن، تؤكد مرة أخرى أنه لا حل لنزاع الصحراء خارج إطار السيادة المغربية، وتُشهر دعمها العلني لمقترح الحكم الذاتي كحل واقعي وعملي ووحيد، إذ لم تترك الإدارة الأمريكية مجالا للشك، لا في التوقيت ولا في العبارة. فتصريح وزير الخارجية ماركو روبيو صدر، بينما اكتفت الجزائر بـ”التعبير عن الأسف”،  إذ لم تجرؤ لا على استدعاء سفير، ولا مراجعة للعلاقات، ولا شجب أو استنكار… ولا حتى بيان غاضب باللغة الفرنسية وزعه نظام العسكر على وكالات الأنباء.

 

فما سبب هذا الصمت يا ترى؟ هل تغيّر شيء في عقيدة السياسة الخارجية الجزائرية على حين غرة منا؟ أم أن المعيار عندهم هو اسم العاصمة التي يصدر منها الموقف؟

 

جميعنا نتذكر أنه حينما دعمت مدريد المقترح المغربي، استُدعي السفير، وقطعت الاتصالات، وبدأت حملة شعواء ضد سانشيز وحكومته. وحين أعلنت باريس موقفها تجاه مغربية الصحراء، دخلت العلاقات في نفق مسدود لا يزال مظلما حتى اليوم. أما حين سحبت دولة من الجزر البعيدة اعترافها بجمهورية “البوليساريو”، رأينا عبارات التخوين، وبيانات الوعيد، وتحركات دبلوماسية مكثفة لـ”تصحيح الموقف”.

 

اليوم، واشنطن تفعل ما لم تجرؤ عليه دول الجوار، فهل ستجرؤ الجزائر على الرد بالمثل؟

 

الجواب، ببساطة، لا.

 

فالجزائر تعرف جيدا أن أمريكا ليست هي فرنسا ولا إسبانيا، وأن غضب واشنطن ليس كغضب باريس، وأن سحب السفير من أمريكا ليست نزهة دبلوماسية، بل مقامرة غير محسوبة العواقب.

 

ولهذا جاء بيان الخارجية الجزائرية باهتا، وخاليا من روح “النفَس الثوري”، ولا يشبه في شيء البيانات النارية التي دأبت الوزارة على إصدارها في ملفات أقل حجما. حيث عبر البيان عن “الأسف”، فقط. لم يندد، لم يشجب، ولم يطالب بالتراجع عن الموقف.

إن منطق المصالح غلب منطق المبادئ، و”النيف” الجزائري كما يبدو، له عواصم صغيرة يُفعّل فيها، وأخرى كبيرة يُعطل داخلها.

 

قد يقول قائل إن الجزائر تمارس “البراغماتية”، وإن مصلحة البلاد تقتضي الصمت أمام العملاق الأمريكي. جميل. لكن السؤال هنا: هل تكون المبادئ قابلة للتفاوض حسب حجم الدولة المقابلة؟ وهل الدفاع عن ما تصفه الجزائر بـ”حق الشعوب في تقرير المصير” ليس مبدأ مقدسا كما كانت تروج؟

 

لنتفق على أن السياسة الخارجية لعبة مصالح، لكن المصداقية، حتى في البراغماتية، تتطلب حدا أدنى من التناسق. أما أن تهاجم إسبانيا على موقف متحفظ، وتصمت أمام واشنطن على موقف واضح، فذلك ما يصعب تبريره… حتى بلغة الخشب.

مقالات مرتبطة :
تعليقات الزوار
  1. ابراهيم

    أحيي السيد حمدوشي على هذا المقال واختيار العنوان
    النيف الجزائري يريد أن يكون أسدا على فرنسا وحمامة تكتفي بالتأسف أمام واشنطن
    فعلا لقد أصيب بالبرد

  2. عبدو

    لقد تم تمريغ النيف في التراب فماذا باستطاعة العسكر أن يفعلوا ما عليهم إلا الإقرار بألأمرالواقع. فحبل الكذب طال لنصف قرن ..الرجوع لله وكفى!!!

  3. عبدالعالي

    نعم إنها تهمس مرتعدة ومطأطأة الرأس وتحرص على إلجام أبواقها، سواء منهم الذين يعلنون عن أنفسهم بكونهم أبواق نظام العسكر، أو بعض المتخفين في رداء معارضة مشبوهة أو صحافة حرة في فرنسا على الخصوص، وسواء منهم رعايا الكابرانات من الجزائريين أو رعاياهم من الأتباع الذين يعرف جميع المغاربة أن أغلاهم رخيص….

  4. محمد الشرقاوي

    أشكر صاحب المقال لقد استوفيت اسبانيا وفرنسا اقامت الدنيا واقعدتها اما الولايات المتحدة الأمريكية فقد بلعت الجزائر لسانها وذهبت المبادئ مع الخوف من الغضب الأمريكي لان اللعب مع الكبار شيئ اخر لا يسمح لقصر المرادية ان يغامر .

  5. بدر الدين

    أخلاق المنافقين ، هكذا كانت ردود بشار الأشد ، أسد على المعارضة الشعبية و خروف أمام إسرائيل….فلا نامت أعين الجبناء.

اترك تعليق