في ظل استمرار الجدل حول حظر الحجاب في المسابقات الرياضية في فرنسا، تطالب لاعبات كرة السلة المسلمات بحقهن في المنافسة بحرية مع الحفاظ على ارتداء الحجاب، كما أطلقن دوريا خاصا بهن لممارسة هذه الرياضة دون قيود، في خطوة تمثل تحديا للحظر الذي يسلب منهن أحلامهن.
ويُفرض في فرنسا حظر على ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، كما يُطبق جزئيا في مجالات التعليم وبعض الرياضات، فيما يجري حاليا النظر في توسيع نطاق هذا الحظر ليشمل جميع الفعاليات الرياضية.
وكان مجلس الشيوخ الفرنسي صوّت في 18 فبراير الجاري لصالح مشروع قانون يقضي بحظر الحجاب في المسابقات الرياضية، ما أثار ردود فعل قوية من قبل مؤسسات رياضية ومنظمات حقوقية. ولا يزال المشروع بحاجة إلى موافقة الجمعية الوطنية الفرنسية حتى يصبح ساري المفعول.
وفي ظل الحظر القائم في مسابقات كرة السلة، قامت اللاعبة الفرنسية المحجبة “سليماتا سيلا” بتأسيس دوري “بول. هير” (Ball.Her)، عام 2023، ليكون مساحة تمكن النساء المحجبات وغير المحجبات من ممارسة رياضة كرة السلة دون قيود.
وبالتعاون مع دوري “بول. هير”، جرى في 23 فبراير الجاري، تنظيم فعالية لكرة السلة في بلدة “رومينفيل”، إحدى ضواحي العاصمة الفرنسية باريس، حيث أتيحت الفرصة للاعبات محجبات للتعبير عن موقفهن من مشروع القانون المثير للجدل.
لاعبة كرة السلة الفرنسية البالغة من العمر 20 عاما فاتو أيدارا، تحدثت عن معاناتها بعد أن اضطرت إلى ترك اللعب الاحترافي في أحد النوادي بسبب الحظر المفروض على الحجاب في المسابقات.
وقالت أيدارا: “أُجبرت على ترك اللعب لأن ارتداء الحجاب كان ممنوعا في المباريات. كان الخيار الوحيد المتاح لنا هو خلع الحجاب أو التوقف عن اللعب، فاخترت الاستمرار في ارتداء الحجاب والتوقف عن ممارسة كرة السلة رسميا”.
وأوضحت أيدارا أن دوري “بول.هير” أتاح لها ولغيرها من اللاعبات فرصة ممارسة كرة السلة بشكل منتظم مرة واحدة شهريا، مشيرة إلى أن هذا الدوري يمثل مساحة آمنة يمكنهن من خلالها الاستمرار في ممارسة رياضتهن المفضلة.
دوحول مشروع القانون الذي يسعى إلى توسيع حظر الحجاب ليشمل جميع الفعاليات الرياضية، قالت أيدارا: “بدلا من دعمنا، نجد أن هناك محاولات لمنعنا من ممارسة الرياضة التي نحبها. رغم كل الجهود التي بذلناها للحفاظ على حقنا في اللعب، لا يزالون يريدون إقصاءنا”.
وانتقدت الذرائع المستخدمة لتبرير الحظر، قائلة: “يقولون إن الحجاب قد يعيق التنفس أو يشكل خطرا أثناء اللعب، لكن هذا ليس صحيحا أبدا. الحجاب الرياضي صُمم خصيصا لهذه الأغراض”.
وأكدت أيدارا أنها لا تفهم سبب إصرار فرنسا على هذا الحظر، قائلة: “أرغب في العودة إلى اللعب في المسابقات لأن كرة السلة هي شغفي. لا أريد مغادرة بلدي لمجرد أنني أريد ممارسة الرياضة. لا أفهم لماذا تكون فرنسا هي الدولة الوحيدة التي تفرض هذا الحظر، في حين أن جميع الدول الأخرى تسمح به. لماذا يجب علينا خلع الحجاب فقط لنتمكن من اللعب؟ هذا غير منطقي. يجب عليهم إعادة النظر في هذا القانون والسماح لنا باللعب”.
وأعربت عن أسفها لاضطرار العديد من زميلاتها إلى الاختيار بين الحجاب والرياضة، مشددة على أن استمرارهن في الدفاع عن حقهن في اللعب قد يسهم في إلغاء هذا الحظر.
واستطردت: “أواصل اللعب كهواية، وأود أن أقول لزميلاتي ألا يستسلمن. هذه مجرد قوانين، وإذا واصلنا النضال، فإن بإمكانهن تغييرها. للرياضة فوائد صحية كبيرة، ولا ينبغي أن يُمنع أحد من القيام بشيء مفيد لجسمه”.
من جانبها، روت اللاعبة الفرنسية المحجبة، “سليماتا سيلا”، (27 عاما)، ومؤسسة دوري (ball.Her)، رحلتها مع كرة السلة التي بدأتها في سن 11 عاما.
وقالت: “مارست الرياضة لمدة 16 عاما. أعتقد أن مشروع القانون المذكور عبثي وغير منطقي. هذا القانون لا يساعد في تعزيز العيش المشترك أو دمج النساء والفتيات في المجتمع، بل على العكس، يؤدي إلى إقصائهن”.
وتحدثت عن مدى ارتباطها العاطفي برياضة كرة السلة، قائلةً: “كرة السلة هي حياتي، كل أصدقائي رياضيون، عائلتي تهتم بهذه الرياضة، ومجتمعي بالكامل يدور حولها. إذا حُرمت من كرة السلة، فلن يتبقى لي شيء”.
وأشارت سيلا إلى أن مشروع القانون هذا سيكون له تأثير سلبي مدمر على الفتيات المسلمات في فرنسا.
وتابعت: “آمل ألا يتم تمرير هذا القانون، لأنه قانون تمييزي بحت. لدينا الحق في اختيار ديننا، ولدينا الحق في اختيار رياضتنا، وهذا لا يؤثر على أي شخص آخر”.
وزادت: “الاختلاف هو مصدر قوتنا. لهذا السبب نحن فرنسيون، ولهذا السبب نحن فخورون بأننا فرنسيون. ولكن في هذه اللحظة، أشعر بالخجل من كوني فرنسية”.
وأوضحت أنها مُنعت منذ عامين من المشاركة في أي مسابقة رسمية لكرة السلة في فرنسا، وأنه لا يمكن للفتيات المسلمات المحجبات التسجيل في الأندية الرياضية أو المنافسة في أي بطولة، مضيفة: “هذا جنون. الرياضة هي حق عالمي للجميع”.
وذكرت سيلا أنها قررت ارتداء الحجاب منذ خمس سنوات، لكنها رفضت أن يكون ذلك سببا في حرمانها من الرياضة.
وقالت: “إذا لم يريدوني في الأندية، فلا بأس. سأؤسس دوريا خاصا بي وسألعب بحرية. لا يمكن لأحد أن يمنعني من ممارسة الرياضة التي أحبها أكثر من أي شيء آخر. هذا غير قابل للنقاش”.
يُذكر أن فرنسا تفرض حظرا على الحجاب في القطاعات العامة، وتم توسيع هذا الحظر عام 2004 ليشمل الطالبات في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية.
كما طُرحت عدة مقترحات لمنع الأمهات المحجبات من مرافقة الطلاب في الرحلات المدرسية، لكنها لم تحظَ بموافقة البرلمان.
وفي ظل التوجهات المتشددة تجاه الحجاب، تسعى السلطات الفرنسية الآن لتوسيع هذا الحظر ليشمل جميع الفعاليات الرياضية، مما يثير موجة واسعة من الانتقادات الحقوقية.
وكالة الأناضول