هكذا غيرت الجزائر موقفها من التطبيع مع إسرائيل؟

"مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"
لطالما ردد كثير من الجزائريين على المستويين الشعبي والسياسي هذا الشعار الذي كان قد أطلقه الرئيس الراحل هواري بومدين (1965-1978)، تعبيرا عن دعم البلاد الراسخ للقضية الفلسطينية. وقد استقبلت البلاد فصائل فلسطينية على أراضيها، على رأسها حركة فتح، واحتضنت عددا من المؤتمرات الفلسطينية كان أبرزها ذاك الذي اختتم بإعلان منظمة التحرير "استقلال دولة فلسطين" عام 1988. كما ساعدت الجزائر الفلسطينيين اقتصاديا من خلال تقديم منح مالية لهم واستضافت حوار الفصائل الفلسطينية عام 2022.المعروف أن الجزائر لم تشترك فيما يعرف بالاتفاقات الإبراهيمية التي وقعتها إسرائيل والإمارات والبحرين في عام 2020، وانتقد الرئيس تبون ما وصفه "بالهرولة" نحو التطبيع، قائلا إنه لن يشارك فيها ولا يباركها، وأكد على أن "القضية الفلسطينية تبقى عندنا قضية مقدسة".
ردود فعل متباينة
أعرب بعضهم عن استغرابهم وقلقهم من تصريح الرئيس تبون، في حين قال آخرون إنه لم يأت بجديد لأن الجزائر تتبنى كغيرها من الدول العربية مبادرة السلام التي أطلقها العاهل السعودي الراحل، الملك عبد الله بن عبد العزيز، عام 2002 والتي تهدف إلى إنشاء دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان المحتلة مقابل تطبيع الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل.توقف كثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عند ذكر الرئيس تبون كلمة "إسرائيل" التي عادة ما كان يشير إليها هو وغالبية الساسة والإعلاميين الجزائريين بمصطلح "الكيان المحتل" وهو ما تكرر على صفحة الرئاسة الجزائرية على فيسبوك عند استعراضها لأهم ما جاء في المقابلة التي أجراها الرئيس مع لوبينيون.لكن الدكتور رضوان بوهيدل أستاذ العلاقات الدولية الجزائري يقول في تصريحات لـ بي بي سي عربي إن "كلمة إسرائيل جاءت في السؤال الذي طرحه الصحفي، ومن المستحيل أن يطرح صحفي فرنسي سؤالا يقول فيه الكيان الصهيوني أو الكيان المحتل. ورئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أجاب على أساس ما سيكون في المستقبل، وليس حاليا، فلا يمكن أن نقول على المستقبل الكيان الصهيوني إذا قامت دولة فلسطينية، فنحن لا نعترف بكيان مهما كان، ولكن قد نعترف بإسرائيل إذا قامت دولة فلسطينية كاملة الحقوق بموجب الأمم المتحدة على حدود 1967"، مضيفا أن الجزائر موقفها ثابت ولن يتغير، و"ستبقى إلى جانب الشعب الفلسطيني حتى قيام دولته على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف".ويلفت بوهيدل إلى أن الرئيس تبون "استخدم كلمة إسرائيل ردا على تصريحات الصحفي ولم يقل دولة إسرائيل، وهذه نقطة أعتقد أنه يجب الإشارة إليها"، مضيفا أن صفحة الرئاسة "نشرت ما نشرته لوبينيون للترويج للموضوع قبل نشره بالكامل".وأصدرت حركة مجتمع السلم، وهي أكبر الأحزاب الإٍسلامية في الجزائر بيانا أعربت فيه عن "رفضها التام لكل مشاريع التسوية والتطبيع"، وذكّرت الرئيس تبون بأنه سبق له وصفها "بالهرولة المرفوضة".وكتب رئيس الحركة السابق عبد الرزاق مقري على حسابه على فيسبوك: "عندما نسمع ترامب ومستشاريه يتحدثون عن توسيع الكيان ثم إعطاء الفلسطينيين دولة صغيرة بعد تهجير جزء كبير من الفلسطينيين، يصبح حديث الحكام العرب عن التطبيع في حالة قيام دولة فلسطينية أمرا مخيفا ومستقبلا محيرا".تلى ذلك إصدار حزب العمال اليساري المعارض بيانا قال فيه إن الحزب لا يمكنه "تصور أي تغيير في الموقف الرسمي الجزائري حيال قضيتنا المركزية وبالتالي الكيان المفبرك". وذكر البيان أن حل الدولتين "تأكد أنه خدعة وسراب"، واعتبر أن كل تطبيع "هو تواطؤ إجرامي" ، كما شدد على على أن مسؤولية الجزائر تكمن في " تجريم محاولات التهجير وإسناد الضفة الغربية والقدس".- ماكرون يقول إن الجزائر "تسيء لنفسها"، والجيش الجزائري يرد، ما القصة؟
- الجزائر تستنكر "اعتراف فرنسا بخطة الحكم الذاتي في الصحراء الغربية" ولا تعليق من باريس والرباط
"عقدة في المنشار" أم تحول في الموقف؟
ارتأى بعض المعلقين أن تصريح تبون لا يعني أي تغيير في الموقف الجزائري، لأنه "وضع العقدة في المنشار" بحديثه عن شرط تعجيزي على حد تعبيرهم، هو إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة لأن إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتانياهو لن يقبلا به أبدا.يقول الدكتور بوهيدل "تصريحات الرئيس تبون ليست تراجعا ولا تغيرا في موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية، بل هي عكس ذلك تماماً...الرئيس تبون يعي جيدا أن الإسرائيليين الذين رفضوا قيام دولة فلسطينية طيلة 75 سنة كاملة لن يسمح بذلك ببساطة. أعتقد أن التصريح ما هو إلا إحراج للمجتمع الدولي، لمن يهرولون نحو التطبيع بدون مقابل حقيقي لصالح القضية الفلسطينية...أعتقد أنه كلام موجه إلى المجتمع الدولي وليس الشعب الجزائري لأن الجزائريين يعلمون موقف بلادهم تجاه هذه القضية".لكن هناك من أعرب عن رفضه لفكرة التطبيع في المطلق، وحذر من أن هذه ربما تكون "البداية"، مستشهدين على منصات التواصل الاجتماعي بتصريحات سابقة لزعماء دول عربية طبعت علاقاتها بإسرائيل كانوا قد أعربوا فيها عن تمسكهم بقيام دولة فلسطينية "عاصمتها القدس الشرقية".يقول البروفيسور جوناثان هيل مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة كينغز كوليدج لندن لـ بي بي سي عربي إنه لمس تغيرا في موقف الرئيس الجزائري.يضيف هيل:"هذا التحول في اللهجة والحديث عن الاستعداد للاعتراف بإسرائيل (بشرط إقامة دولة فلسطينية) يدلل على حدوث تغيير. كانت هناك مناسبات في الماضي لم يتسق فيها موقف الحكومة مع موقف الشعب (على سبيل المثال تأييد التحالف الذي تزعمته الولايات المتحدة ضد صدام حسين في حرب الخليج الثانية)، ولكن ليس فيما يتعلق بإسرائيل".
التعليقات مغلقة.