بين الغش وغياب الرقابة.. أزمة المستهلك المغربي في مواجهة ارتفاع الأسعار

 

في ظل ارتفاع الأسعار وغياب الرقابة الفعّالة، يلجأ بعض مزودي المنتجات الغذائية إلى ممارسات غير قانونية، مثل الغش وترويج لحوم غير صالحة للاستهلاك، بما في ذلك لحوم الحمير والبغال والكلاب، حسب ما يتم تداوله عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.

 

رغم تدخل الدولة لدعم اللحوم الحمراء وزيت الزيتون، وقبلها خروف عيد الأضحى، إلا أن الأسعار تظل مرتفعة بشكل مستمر، مما يوحي وكأن هذا الدعم موجّه لصالح التجار بدلًا من المستهلكين. يبدو أن الحكومة تتعامل مع المواطن كزبون يخضع لمنطق السوق، وليس كمستهلك له حقوق ومكتسبات يجب حمايتها.

 

ما وقع من تجاوزات يعكس واقعًا يعاني منه المستهلك المغربي بشكل متزايد، حيث يبدو أن السياسات المتبعة لدعم المنتجات الأساسية لا تصل بشكل فعّال إلى المستهلك العادي، بل يستفيد منها التجار والوسطاء بشكل أكبر.

يمكن تحليل الوضع من عدة زوايا:

 

1. غياب الرقابة الفعّالة:

ضعف المراقبة على جودة المنتجات وأسعارها يفتح المجال لممارسات غير مشروعة، مثل الغش في المنتجات الغذائية أو تقديم لحوم غير صالحة للاستهلاك، مما يعرض صحة المواطنين للخطر.

 

2. الدعم غير المباشر:

الدعم الحكومي غالبًا ما يُوجّه إلى المنتجين أو المستوردين على أمل أن تنخفض الأسعار في السوق، لكن بسبب عدم وجود آليات صارمة لضمان انتقال هذا الدعم إلى المستهلك، تستمر الأسعار في الارتفاع، ويستفيد منه الوسطاء بدل المواطن المستهلك.

 

 

3. اعتبار المستهلك “زبونًا”:

عندما تُدار السياسات الحكومية بعقلية تجارية، فإنها تنظر إلى المستهلك كمصدر للإيرادات وليس كشخص له حقوق في الحصول على سلع أساسية بأسعار معقولة وجودة مقبولة. هذا يعكس غيابًا لسياسات حماية المستهلك التي تُفرض في دول أخرى.

 

 

4. الإجراءات الغائبة أو غير الكافية:

الحكومات التي تفتقر إلى خطط استراتيجية لضبط السوق والحد من الاحتكار غالبًا ما تتعامل بردود فعل محدودة، مثل الدعم المؤقت، بدلاً من معالجة الجذور العميقة للمشكلة.

 

الحلول الممكنة:

تعزيز الرقابة الصارمة: عبر فرض عقوبات صارمة على التجار الذين يمارسون الغش أو الاحتكار، وضمان أن المنتجات المطروحة في السوق مطابقة للمعايير الصحية.

 

إصلاح آليات الدعم: تحويل الدعم ليكون مباشرًا للمستهلك (مثل القسائم أو الدعم النقدي) بدلًا من الوسطاء، لضمان استفادة الفئات المستهدفة.

 

تعزيز حماية المستهلك: إنشاء مؤسسات فعالة تعمل على مراقبة السوق ومساءلة المخالفين.

 

تشجيع الإنتاج المحلي: دعم الفلاحين والمنتجين المحليين لتقليل الاعتماد على الاستيراد وخفض التكاليف.

 

من جهة أخرى يعتبر الجمع بين تغيير السياسات العمومية ودور المجتمع المدني هو الحل الأمثل للتصدي لهذه الإشكالية المركبة. يمكن أن يتم ذلك عبر الخطوات التالية:

 

1. على مستوى الحكومة والسياسات:

 

وضع قوانين صارمة: فرض تشريعات واضحة تعاقب الغش والاحتكار والجرائم المتعلقة بالمنتجات الغذائية.

 

تعزيز الشفافية: إنشاء منصات رقمية تتيح للمستهلكين متابعة أسعار المنتجات المدعومة بشكل يومي ومعرفة مصدرها.

 

إصلاح الدعم: تحويله إلى دعم مباشر أو بطاقة تموينية تُخصص للعائلات المستحقة.

 

دعم المنتجين المحليين: تخفيض تكاليف الإنتاج الزراعي والحيواني من خلال الإعفاءات الضريبية أو الدعم التقني.

 

2. على مستوى المجتمع المدني:

 

التوعية: إطلاق حملات توعية عبر الجمعيات ووسائل الإعلام لتحذير المستهلكين من مخاطر الغش الغذائي وكيفية كشفه.

 

المراقبة الشعبية: تشجيع المواطنين على التبليغ عن المخالفات من خلال منصات سهلة الاستخدام، مع ضمان الحماية القانونية للمبلغين.

 

تعزيز التعاونيات: دعم التعاونيات الزراعية والغذائية التي تبيع المنتجات مباشرة للمستهلك دون وسطاء.

 

مبادرات اجتماعية: تنظيم أسواق تضامنية أو حملات توزع المنتجات الأساسية بأسعار معقولة.

 

التكامل بين الحكومة وجمعيات حماية المستهلك:

جمعيات المستهلكين يمكنها لعب دور “العين المراقبة” لضمان تنفيذ السياسات الحكومية بشكل عادل. كما يمكن للحكومة دعم مبادرات جمعيات المستهلكين من خلال توفير الموارد الأساسية وتسهيل الإجراءات القانونية والإدارية لتدبير شكايات المستهلكين.

 

خلاصة:

ارتفاع الأسعار في المغرب رغم دعم الدولة لبعض المنتجات يكشف عن غياب آليات فعّالة لضمان استفادة المستهلك، وسط ممارسات غير مشروعة وغياب الرقابة، مما يعكس تعامل الحكومة مع المواطن كزبون بدلًا من مستهلك صاحب حقوق.

 

 

بقلم: الدكتور حسن الشطيبي رئيس جمعية حماية المستهلك

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق