كبيرهم الذي علمهم السحر

اليوم، عندما نكتب عن حصيلة سنة 2024، فإن تعديلات مدونة الأسرة ستكون في الصدارة. فقد صدر بلاغ من الديوان الملكي في الأنفاس الأخيرة للسنة، وحسب وزير الأوقاف ووزير العدل، فإن هناك تقدما في بعض الجوانب المهمة، ومنها النيابة القانونية للمرأة الحاضنة على أبنائها، وعدم احتساب بيت الزوجية في التركة، واحتفاظ المرأة بحضانة أبنائها رغم زواجها، ووضع مزيد من القيود على التعدد وزواج القاصرات. ولكن لم تتم الموافقة على أشياء أخرى كانت منتظرة وعلى رأسها إلغاء التعصيب الذي يجعل الإرث داخل أسرة ليس بها إلا البنات يمتد إلى أفراد العائلة!

رأيي أن المكاسب التي ستتحقق بعد مصادقة البرلمان على النص الجديد غاية في الأهمية، ولن يحس بها إلا من عاش ويلات ما قبلها. وللتمثيل لا الحصر، ستضع الولاية القانونية للمرأة الحاضنة حدّا لابتزاز فظيع كانت تعيشه آلاف الأمهات، بحيث إنهن بعد طلاقهن يبقين رهينة للطليق في أبسط الوثائق، ومنها ضرورة توقيعه على مجرد تنقيل الابن من مدرسة إلى أخرى أو الترخيص بالسفر. ونفس الشيء بالنسبة لامرأة مطلقة تريد الزواج، فإن عليها أن تختار اختياراً لا إنسانيا بين حقها في الارتباط وبين فلذات كبدها.

نور الدين مفتاح [email protected]

 

 

قبل عشرين سنة، كنا من أكثر المتابعين لملف مدونة الأسرة على صفحات «الأيام» بحماس منقطع النظير، وقد دعانا إلى منزله أنا والزميلة مرية مكريم المستشار الملكي الراحل محمد المعتصم، الذي كان مكلفا بهذا الموضوع الحارق، واستفاض في شرح التقدم الذي ستعرفه المملكة في هذا الملف، ويتعلق بتقنين صارم لتعدد الزوجات وزواج القاصرات وعدم حاجة المرأة الراشدة لولي لكتابة عقد الزواج وغير هذا كثير.

 

وحينها أصدرنا غلاف عددنا وهو يتضمن كلمة «الثورة»! لم نكن نحابي ولا نداهن. كانت هذه قناعتنا الدفينة في مملكة مزدوجة في كل شيء، في اللغات والعقليات وفي معيشنا اليومي بحيث إننا حداثيون ومحافظون في آن، علمانيون ومسلمون! ولنا أن نتصور كيف يمكن أن نخرج أكثر الإصلاحات عصرية، خصوصا بالنسبة للمرأة، من جبة الفقيه والمفتي الذي يشكل جزءا أساسيا من التركيبة المؤسساتية المجتمعية للبلاد.

 

اليوم، عندما نكتب عن حصيلة سنة 2024، فإن تعديلات مدونة الأسرة ستكون في الصدارة. فقد صدر بلاغ من الديوان الملكي في الأنفاس الأخيرة للسنة، وحسب وزير الأوقاف ووزير العدل، فإن هناك تقدما في بعض الجوانب المهمة، ومنها النيابة القانونية للمرأة الحاضنة على أبنائها، وعدم احتساب بيت الزوجية في التركة، واحتفاظ المرأة بحضانة أبنائها رغم زواجها، ووضع مزيد من القيود على التعدد وزواج القاصرات. ولكن لم تتم الموافقة على أشياء أخرى كانت منتظرة وعلى رأسها إلغاء التعصيب الذي يجعل الإرث داخل أسرة ليس بها إلا البنات يمتد إلى أفراد العائلة!

 

رأيي أن المكاسب التي ستتحقق بعد مصادقة البرلمان على النص الجديد غاية في الأهمية، ولن يحس بها إلا من عاش ويلات ما قبلها. وللتمثيل لا الحصر، ستضع الولاية القانونية للمرأة الحاضنة حدّا لابتزاز فظيع كانت تعيشه آلاف الأمهات، بحيث إنهن بعد طلاقهن يبقين رهينة للطليق في أبسط الوثائق، ومنها ضرورة توقيعه على مجرد تنقيل الابن من مدرسة إلى أخرى أو الترخيص بالسفر. ونفس الشيء بالنسبة لامرأة مطلقة تريد الزواج، فإن عليها أن تختار اختياراً لا إنسانيا بين حقها في الارتباط وبين فلذات كبدها.

 

أما المسائل العالقة المتعلقة بالإرث بصفة عامة، وضمنها رفض تغيير التعصيب فإنها وإن يُسّرت بإجازة الهبة دون حيازة فعلية، فهناك فقرة في بلاغ الديوان الملكي الذي صدر عقب استقبال الملك محمد السادس لرئيس الحكومة، ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، ووزير العدل، ووزيرة الأسرة، تقول: «… وفي هذا الإطار، دعا الملك أمير المؤمنين المجلس العلمي الأعلى إلى مواصلة التفكير واعتماد الاجتهاد البناء في موضوع الأسرة عبر إحداث إطار مناسب ضمن هيكلته، لتعميق البحث في الإشكالات الفقهية التي تطرحها التطورات المحيطة بالأسرة المغربية، وما تتطلبه من أجوبة تجديدية تساير متطلبات العصر».

 

إذن، هذا لا يعني إلا أن ما نحن إزاءه اليوم هو تعديل جزئي للمدونة، وأن تطويرها ورش مفتوح، وأن الاجتهاد في مسائل لم تنضج اليوم بخصوص الأسرة بين الدين ومتطلبات العصر أصبحت أمراً ممأسسا، وبالتالي سنقفل سنة على تعديل معتبر دون أن نقفل هذا الملف الحساس والمؤثر حقوقيا على نواة المجتمع وهي الأسرة.
نقفل سنة 2024 أيضا على حكومة ستعيش في 2025 آخر سنة كاملة في عمرها، ويكفي أن نطل على هذه السنة الآيلة للطي كي نعرف مع أي نخب سياسية عشنا.

 

فقد بدأت 2024 بملف القرن حيث سقطت شخصيتان من العيار الثقيل في ملف اتجار دولي في المخدرات، وهما رئيس جهة الشرق السابق عبد النبي بعيوي ورئيس مجلس عمالة الدار البيضاء البرلماني رئيس فريق الوداد السابق سعيد الناصري وكلاهما كانا في حزب «البام» المشارك في الحكومة. إنهما وجهان فقط من وجوه نخب حزبية جديدة اتخذت السياسة مطية للنهب والاغتناء والتجبر، وهناك إلى حد الآن ما يناهز الثلاثين برلمانيا إما في السجن أو ينتظرون، وهناك مئات رؤساء الجماعات الترابية مسجونين أو متابعين قضائيا.

 

وأما ما انتهت به هذه السنة فهو ملف ضخم يتعلق بتضارب المصالح، بحيث حاز السيد رئيس الحكومة صفقة كبرى قيمتها أكثر من 650 مليار سنتيم لتحلية مياه البحر بالدار البيضاء، ومرر في قانون المالية مقتضى يخفض الضريبة على الشركات التي تستثمر أكثر من 100 مليار سنتيم، من 35٪ إلى 20٪. وهذا مشروع مربح من البداية، لأن الزبون للمنتوج موجود وهو الدولة التي سيبيعها رئيس حكومتها الماء بعقد تصل مدته إلى 30 سنة!

 

الأخطر من هذا أن السيد عزيز أخنوش جاء إلى البرلمان، في سابقة عالمية، ليدافع عن استثمار خاص بشركته «أكوا» دون أن يرف له جفن، وكيف سيرف هذا الجفن وهو أول مستفيد من الاتفاق غير القانوني على أسعار المحروقات الذي عاقبه بشكل محتشم مجلس المنافسة، وما يزال سعر هذه المحروقات هو الأغلى في العالم العربي إلى الآن، بحيث يفوق ثمن اللتر الواحد منه بالمحطات المغربية ضعفي ثمنه في بلاد تعيش حربا أهلية كالسودان! إنه كبيرهم الذي علمهم السحر، وها هي السياسة في البلاد تفقد ما تبقى لها من مصداقية، والحكومة تخلط بين تدبير الشأن العام وتدبير الشأن الخاص، والمواطنون يعيشون الفاقة والخصاص، بحيث تجاوزت البطالة الخط التاريخي لـ 20٪ ولا شيء يدل على أن 2025 ستكون سنة سقوط الحكومة!

 

الحمد لله أن المسائل السيادية تبقى خارج يد مثل هذه الحكومة. وككل سنة تبقى قضية الوحدة الترابية أولوية الأولويات، وكانت سنة 2024 معتبرة خصوصا بعد الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء، لينضاف إلى اعترافات وازنة من واشنطن ومدريد. وستكون سنة 2025 لا محالة مهمة بالنسبة لقضية الصحراء بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بحيث من المنتظر أن تفتتح القنصلية الأمريكية بالداخلة، وأن تفعل الاستثمارات الموعودة هناك خصوصا مع بداية الأشغال في الميناء الأطلسي الضخم في المنطقة.

 

كما ينتظر أن يعرف الملف اعترافات أخرى من بريطانيا والبرتغال وألمانيا، ونتمنى أن يتوج كل هذا يوما ما بمؤتمر دولي تحضره القوى العظمى لإخراج هذه القضية من الأمم المتحدة وطيها نهائيا بتطبيق الحكم الذاتي وإن ظلت الجزائر على تعنتها.

 

لقد كنا في خطوط التماس مع الجزائر منذ قطع العلاقات سنة 2021، وهذه السنة لم تخل بدورها من استفزازات، حيث احتضنت الجزائر ما أسمته «يوم الريف» حالمة بانفصال في شمال المملكة، كما رعت اعتداءات على السمارة والجدار، وهو ما يجعل حالنا مع الجار ينطبق عليه الحديث المأثور مع تحويره: «اجنح مع الجزائر للسلم كأنك ستعيشه أبدا واستعد معها للحرب كأنها ستقع غدا»!

 

اللهم احفظ لنا الاستقرار والسلم، واذهب بريح حكومة المصالح هاته، ويسر لشعبنا الطيب سبل العيش الكريم.
وكل عام وأنتم بألف خير.

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق