الصغيري يكتب: إنه البؤس.. خطاب الكراهية وشخصنة الصراع
نعيش زمن الرداءة وللرداءة أهلها، زمن كثر فيه التضليل الكلامي القائم على النزعة الاتهامية، زمن ارتفع فيه نسق خطاب الكراهية والتّحريض والضرب تحت الحزام، زمن تمت فيه فبركة نقاشات وهمية تقوم على دغدغة المشاعر، وتأليب الرأي العام بالترويج لعدد من المغالطات والأكاذيب والإشاعات والتهويل، يساهم في تغذيتها خرجات نجوم “الشعبوية” التي لم تعد تصنع الحدث ولم تعد لها جاذبية. زمن كثرت فيه الثرثرة والتطبيل بالكلام، بهدف استرداد مجد سياسي مفقود بُني على الأوهام.
زمن عرف ردة سياسية مع بروز نجوم “الشعبوية” التي عملت على شيطنة الأشخاص وشخصنة الصراع السياسي عوض مأسسته. مما أفرز خطاباً سياسياً منحطاً وكشف عن فاعل سياسي مضلل وعن ممارسة سياسية ماكرة تنضح بالكراهية. زمن تم فيه افتعال صراع وهمي تم اختزاله في افتعال معاكسة وهمية بين المتصدر والمتذيل للمشهد الحزبي المغربي. سعياً من المُتذيل في استرجاع مجده المفقود، خصوصاً بعد سقطاته المتتالية.
زمن يراهن فيه البعض على ما يقع في سوريا من أجل استرداد المجد المفقود، على أساس أن هناك “ربيع عربي آخر”، وأن “الربيع العربي يزهر مجدداً في سوريا”. قياس خاطئ. إنه الوهم. إنه العبث.
زمن تمت فيه اغتال الثقة بين الفاعل السياسي والمواطن، زمن يتم فيه محاولة هدم المؤسسات وشيطنتها. إنه العبث السياسي الذي قد يؤدي إلى هدم الثقة في المؤسسات وفي دور الفاعل السياسي.
والمقلق أكثر هو أن منظومتنا السياسية والأخلاقية بدأت تتعرض للانهيار، وذلك بانهيار الركن المؤسساتي على يد الفاعل السياسي. أمام هذا النوع من الممارسات، وأمام هذه الطينة من الفاعلين السياسيين، من السهل جداً اغتيال الفعل السياسي، وتعطيل الزمن السياسي، وتجريد الفعل السياسي من أي محتوى فكري أو ايديولوجي. نظراً لما أصابه من بؤس وانحطاط، وصل إلى هذه الدرجة من الانحدار ومن الابتذال. إننا أمام انحدار غير مسبوق، يوحي بتجرد الفاعل السياسي من مبادئه وقيمه وأخلاقه ليتحول إلى إنسان حاقد، محاولا بشتى الطرق تحويل الفعل السياسي إلى حقد سياسي، وجاعلا من هذا الحقد المؤطر الرئيسي للعملية السياسية، وهو الدافع المحفز لكل الأفعال؛ مستعملا كل الحسابات التكتيكية والمناورات من أجل “تدمير وجود خصمه السياسي”.
إن اختزال دور الفاعل السياسي المعارض في إعادة إنتاج ثقافة الهدم، والإنكار، والتنكر، والرفض من أجل الرفض، والعرقلة. وتحويل المعارضة الى آلية لهدم المؤسسات، يسيء للفاعل السياسي ويغتال الفعل السياسي. اذ لم يسبق للسياسة أن ابتعدت عن الأخلاق بالدرجة التي عليها الآن، أصبحنا نعيش تنامي إباحة كل الطرق والوسائل لتدمير الخصم بكل الطرق المتاحة. من أجل تحقيق أهداف سياسية ومصالح ذاتية.
حاصل الكلام، أصبحنا بحاجة ماسة لتحرير السياسة من خطاب الكراهية، ومن خطاب تحويل الشأن الموضوعي إلى الشخصي. والعمل على ابعاد الخلاف السياسي من ثيمات الشخصنة، ونهج الموضوعية كبديلً.
يحي الصغيري
أستاذ علم اجتماع السياسي