سكنفل يفكك لـ”الأيام 24″ مفهوم “الدولة الدينية”

قال لحسن سكنفل بن ابراهيم، رئيس المجلس العلمي لعمالة الصخيرات تمارة، إن “مفھوم الدولة الدینیة مفھوم كنسي یحیل على مفھوم الحق الإلھي، والذي كان سببا في حدوث الثورات في المجتمعات المسیحیة بأوروبا ، وأدى إلى ظھور الدولة الحدیثة، في حین أن مفھوم الدولة في الإسلام ھو مفھوم شرعي بموجبه یقوم أھل الحل والعقد (وھم في زماننا ھذا أعضاء الأسرة الملكیة الشریفة والعلماء والوزراء وممثلو الأمة في البرلمان وزعماء الأحزاب السیاسیة…) بمبایعة ولي الأمر على أساس القیام بتدبیر شؤون الأمة الدنیویة في إطار المصلحة العامة التي تنضبط بأحكام الشریعة حتى قیل حیثما وجدت المصلحة فثم شرع الله”.

 

 

وتابع سكنفل، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن “أبو حامد الغزالي في إحیائه قال: “والملك والدین توأمان فالدین أصل والسلطان حارس، وما لا أصل لھ فمھدوم وما لا حارس لھ فضائع” على ھذا الأساس فنظام الحكم في الإسلام مدني بشري ولیس لاھوتیا”.

 

 

وأضاف : “شاركت في ندوة حول العلمانیة والإسلام تكلم فیھا أحد الأساتذة من ذوي التوج العلماني، وقد تحدث ھذا الأستاذ الفاضل عن العلمانیة فعرفھا بأنھا قبول الآخر والتعایش معھ وعدم إجباره على تغییر معتقده، وفصل في ذلك من خلال أمثلة من واقعنا الاجتماعي، وقد فاجئني ھذا التعریف لأنني أعرف من خلال دراساتي الفلسفیة والقانونیة أن العلمانیة في صورتھا المتطرفة تعني إلغاء الدین كما ذھبت إلى ذلك الاشتراكیة العلمیة من خلال كتابات منظریھا ومن أبرزھم كارل ماركس القائل بأن الدین أفیون الشعوب، أما العلمانیة المنفتحة فتعني فصل الدین عن الدولة بحیث یصبح الدین شأنا فردیا لا علاقة للدولة به”.

 

 

وأوضح رئيس المجلس العلمي لعمالة الصخيرات تمارة إنه “حین جاء دوري للحدیث عن موقف الإسلام من العلمانیة أبدیت دھشتي من التعریف الذي تقدم به الأستاذ المتدخل قبلي، ثم بینت أن ما جاء في مداخلته ھو عین ما یدعوا إلیه الإسلام من حیث عدم الإكراه في الدین والأصل في ذلك قول الله تعالى: “لا إكراه في الدین” البقرة ،256. وقوله عز وجل: “أفأنت تكره الناس حتى یكونوا مؤمنین” یونس– الآیة 99 وقوله تعالى : ” وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنین” یوسف الآية 103″.

 

 

وزاد: “الأصل أیضا في ذلك ما جاء في وثیقة المدینة التي تضمنت معاھدة بین النبي صلى الله علیھ وسلم باعتباره رئیسا لأول دولة إسلامیة مع یھود المدینة الذین اختار أغلبھم البقاء على دینھم. تضمنت ھذه الوثیقة بنودا تحدد العلاقة بین المؤمنین والیھود، ومن أھم ھذه البنود:”وأن یھود بني عوف أمة مع المؤمنین للیھود دینھم وللمسلمین دینھم”. وھذا یعني أن الیھود كما المؤمنین لھم حقوق وعلیھم واجبات بموجب “المواطنة” التي تضمن ھذه الحقوق وتلزم بالواجبات”.

 

 

وأشار أيضا إلى أن “الخلیفة عمر بن الخطاب، وھو أول من تسمى بأمیر المؤمنین، التزم بھذه الوثیقة وتعامل مع من تبقى من الیھود بالمدینة على ھذا الأساس حیث أمر للشیخ الیھودي الذي وجده یتسول بالسوق بعد أن عجز عن العمل بأعطیة من بیت المال تكفیھ مذلة السؤال. وأیضا، فقد اقتبس أمیر المؤمنین عمر رضي الله عنه من الفرس وھو یبني أسس الدولة بعد أن اتسعت رقعتھا نظام الدواوین الذي تطور بعد ذلك مع تطور الدولة إلى مؤسسات أقامتھا لتدبیر شؤونھا سیاسیا واقتصادیا واجتماعیا وعسكريا”.

 

 

 

وأكد سكنفل أن “المملكة المغربیة ھي دولة إمارة المؤمنین التي قامت منذ ما یزید عن 12 قرنا، وھي دولة إسلامیة قائمة على المؤسسات التي بنتھا الدساتیر منذ استقلال المغرب سنة ،1956 ھذه الدساتیر التي عرفت تطورا سایر التطورات الاجتماعیة والاقتصادیة والسیاسیة وآخرھا دستور 2011 الذي أكد في تصدیره أن المملكة المغربیة دولة إسلامیة ذات سیادة كاملة، كما أكد في فصلھ الثالث على أن الإسلام دین الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حریة ممارسة شؤونه الدینیة”.

 

 

“ملكنا حفظه الله كأسلافه المنعمين هو أمير المؤمنين الحامي لحمى الملة والدين رئيس المجلس العلمي الأعلى الذي يعمل في ظله وتحت رعايته علماء الأمة لترسيخ قيم الدين الإسلامي السمح بعيدا عن المناكفات السياسية والصراعات الإيديولوجية بنشر الوعي الديني الصحيح المؤسس على تقوى الله ورعاية الحقوق بالقيام بالواجبات المنوطة بكل واحد من المواطنين والمواطنات في علاقتهم بالله وفي علاقتهم بأنفسهم وفي علاقتهم بالناس وفي علاقتهم بالمحيط البيئي بعيدا عن الفساد والإفساد وسعيا إلى تحقيق الاستقامة لدى كل فرد من أفرادهم وصولا إلى تحقيق صلاح المجتمع، وهذه هي غاية المبلغين لدين الله من علماء الأمة الربانيين الذين يستحضرون قول الله تعالى: ” إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب” هود – الآية 88″، يضيف المتحدث.

 

 

وحسب المتحدث عينه فإن “السجال المجتمعي الدائر حول هذا الموضوع هو ظاهرة صحية تبين توجهات فئات مجتمعية أساسها حرية التفكير وحرية إبداء الرأي بعيدا عن الاتهامات المجانية التي تصادر حق الآخر في التعبير، فما يقوله الآخر المخالف من واجبي أن أستمع إليه دون مقاطعة وإن كنت أعتقد أنه على خطأ، ومن حقي عليه أن يستمع إلي دون مقاطعة مع اعتقاده بأنني على خطأ، فرأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب”.

 

 

واستدرك: “كل هذا السجال يبقى في إطار احترام الدستور الذي ينص على أن المغرب دولة إسلامية وأن دين الدولة هو الإسلام وأن ملك البلاد هو أمير المؤمنين الحامي لحمى الملة والدين والراعي لحقوق المواطنات والمواطنين على اختلاف معتقداتهم وتوجهاتهم التي يجب احترامها وهذا هو السياق الذي يقوم عليه المغرب باعتباره دولة ديموقراطية دستورية اجتماعية”.

 

 

 

واستطرد: “أنقل هنا مقتطفا من شكوى الأستاذ أحمد التوفيق التي بثها في مقال له نشر على مواقع التواصل الاجتماعي: “إن كل القيم العقلانية المتعلقة بالاجتهاد في حرية هي التي عليها العمل في سياقنا، سياق حرية الدين التي هي أصل في الإسلام، وإنما النعمة عندنا أن إمارة المؤمنين تحمي تلك القيم المجتمعية من جهة الدولة وتحمي الدين بتيسير العبادات كمطلب أساسي لأغلبية الناس وهو ما يتوافق مع جوهر تلك القيم العقلانية إلى أقصى حدود الاجتهاد… إن السياق المغربي بخلفياته التاريخية ومؤهلاته الحاضرة مبشر بإمكان بناء نموذج يحل عددا من المشاكل الفكرية للأمة وهي متعثرة في أوحال التخبط في العلاقة بين الدين والسياسة ولكن الأمر يتوقف على توحيد الله بدل إطلاق العنان للأنانية وهي الشرك الخفي، والحالة أن الله الذي أجرى ويجري أحوال الناس قد أرشدنا إلى فتح البصائر على هذا المشترك الإنساني في سنن الصلاح والفساد”.

 

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق