المادة 70 في قانون الجماعات الترابية: سيف ديموقليس المسلط على رؤساء المجالس

 

 

 

 

خولت المادة 70 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية، والتي “تتيح لثلثي أعضاء المجلس تقديم ملتمس لرئيس الجماعة لمطالبته بالاستقالة”، فرصة لتقييم عمل المجالس المنتخبة، ومقياس لمعرفة درجة التوترات والصراعات التي يكتنفها كل مجلس على حدة، وفق تصورات بعض المراقبين، فيما يعتبر آخرين أن “هذا النص القانوني يعد وسيلة قانونية لتصفية بعض الحسابات السياسية بين التنظيمات الحزبية”.

 

 

وبعد مرور 3 سنوات على تشكيل المجالس المنتخبة بناء على التحالفات الحزبية التي تمخضت عن الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2021، بدأت تظهر ثقب الخلافات داخل الجماعات أو المقاطعات، مع ارتفاع واضح في منسوب الضغوطات العملية على الرؤساء من جانب الأعضاء، وهو ما يفسر وجود تفككات في غالب الأحيان في صفوف تحالفات الأغلبية.

 

 

وأصبح أعضاء المجالس المحلية على الصعيد الوطني يستخدمون الفصل 70 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية، كآلية فتاكة ضد رؤسائهم، في حالة إذا توفر النصاب القانوني المنصوص عليه وفق القانون، ووسيلة لتهديدهم بالعزل في حالة إذا رفضوا ذلك، وهو ما يساهم في ضياع الزمن التنموي للمدن المغربية وللدوائر الداخلية.

 

 

وتنص المادة 70 على أنه “بعد انصرام أجل ثلاث سنوات من مدة انتداب المجلس يجوز لثلثي الأعضاء المزاولين مهامهم تقديم ملتمس مطالبة الرئيس بتقديم استقالته، ولا يمكن تقديم هذا الملتمس إلا مرة واحدة خلال مدة انتداب المجلس. يدرج هذا الملتمس وجوبا في جدول أعمال الدورة العادية الأولى من السنة الرابعة التي يعقدها المجلس”.

 

 

وفي حالة رفض رئيس الجماعة تقديم استقالته، أجازت نفس المادة للمجلس في نفس الجلسة أن يطلب بواسطة مقرر يوافق عليه بأغلبية ثلاثة أربعا الأعضاء المزاولين مهامهم، من عامل العمالة أو الإقليم إحالة الأمر على المحكمة الإدارية المختصة لطلب عزل الرئيس.

 

 

 

ويرى يونس التايب، الخبير في الحكامة الترابية وسياسات الإدماج، أنه “لفهم الموضوع بشكل جيد هناك أمران أساسيان يتعين استحضارهما: الأمر الأول، مرتبط بسياق انتخابات سنة 2021 وديناميكية التحالف الحزبي الذي تمخض عنه نتائجها، سواء على مستوى انتخابات مجلس النواب أو انتخابات مجالس الجهات أو الجماعات الترابية، حيث ظهرت أغلبية سياسية تضم الأحزاب الثلاثة الأولى وطنيا (التجمع الوطني للأحرار؛ الأصالة والمعاصرة؛ الاستقلال)، قررت بناء تحالف سياسي واحد في جميع المستويات الانتدابية: أغلبية في البرلمان بغرفتيه، وأغلبية حكومية؛ وأغلبيات في مجالس الجهات والجماعات الترابية، لتشكيل المكاتب المسيرة (الرئيس ونوابه)، بشكل غير مسبوق في تاريخ الانتخابات بالمغرب منذ الاستقلال”.

 

 

وأضاف التايب، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن “الغرض من هذا التوجه الذي اختارته الأحزاب الثلاثة الأولى، هو تغليب منطق التجانس السياسي على باقي الاعتبارات التي كانت تتحكم، سابقا، في تشكيل أغلبيات في المجالس الترابية، حيث كان يختلط الاعتبار السياسي الحزبي بالاعتبار القبلي أو العائلي، و حيث القرب أو الوجاهة الاجتماعية لها دور بارز في تشكيل أغلبيات لتدبير الجماعات، دون حاجة إلى الانسجام مع الاختيارات السياسية للأحزاب وقياداتها الوطنية”.

 

 

وتابع المتحدث عينه أنه “لكن من الضروري، الآن، تقييم التجربة ورصد المعيقات التي واجهتها ميدانيا، واستيعاب أهمية كل ما يلزم القيام به لتجاوز واقع تاريخي قوي، تتشكل فيه أغلبيات لرئاسة الجماعات وتدبيرها، بناء على معطيات اجتماعية محلية، تحضر فيها بقوة مكانة الأعيان أو الزعامات السياسية المحلية أو الجهوية، حيث يستطيع فريق من المنتخبين الاشتغال مع بعض، وإبقاء تحالفهم صامدا على مستوى الجماعات، رغم الاختلافات في التقدير السياسي وفي وجهات النظر وفي الاختيارات التنموية”.

 

 

وأشار الخبير في الحكامة الترابية وسياسات الإدماج إلى أن “تغليب المنطق السياسي مهم جدا، لكن يتعين دعمه حتى لا يضيع الوقت في مرحلة توتر يطبعها التعايش مع حالات يسود قد يكون فيها التجافي بين فرقاء ينتمون سياسيا لنفس الأغلبية الحكومية، لكنهم، على الصعيد المحلي والجهوي، إما تاريخيا جزء من أغلبيات حزبية مختلفة عن تلك التي انطلقت من المستوى الوطني ونزلت إلى الجهات والأقاليم والجماعات، أو أنهم متخاصمين إنسانيا واجتماعيا، و يتعين التقريب بينهم لتجاوز اختلافات كانت تجعل البعض يصطف هنا أو هناك، لاعتبارات محلية أو خاصة ليست كلها سياسية بالضرورة”.

 

 

وأردف أيضا أن “الأمر الثاني، الذي أعتقد أنه يتحكم بقوة في الواقع الحالي الذي نتحدث عنه، هو ذلك المرتبط بتمثل بعض المنتخبين لأدوارهم و فهمهم للمنهجية الواجب اتباعها لتدبير التنمية المحلية، وتوزيع إمكانيات الجماعات الترابية، وترتيب الأولويات التنموية”.

 

 

“ويمكننا هنا الحديث مطولا، وطرح عدد من التساؤلات حول حقيقة رغبة بعض المنتخبين في اعتماد التخطيط الاستراتيجي بالشكل المؤطر بالقوانين التنظيمية ذات الصلة، وحول مدى انخراط بعض المنتخبين في تشجيع المقاربات التنموية التي تدعو إليها النصوص التنظيمة للمجالس الترابية : المقاربة التشاركية؛ مقاربة النوع؛ إدماج الأشخاص ذويي الاحتياجات الخاصة؛ تشجيع الالتقائية مع البرامج القطاعية وبرامج الجماعات الترابية الأخرى؛ تشجيع مساهمة جمعيات المجتمع المدني”.

 

 

وأوضح أيضا أنه “لاشك أن عدم فهم بعض المنتخبين أن زمن التدبير الجماعي العشوائي، الذي كان يستند لرغبة هذا المنتخب في تحقيق مكاسب صغيرة لفائدة دواره أو دائرته الانتخابية الصغرى (مسلك طرقي، بئر، إنارة، قسم …) بمعزل عن الرؤية التنموية الشمولية التي تتيح استفادة كل الساكنة، على أساس اعتبارات موضوعية وترتيب جيد للأولويات، بغض النظر عن حسابات الانتماءات الحزبية و السياسية، هو مشكل حقيقي يتعين معالجته”.

 

 

وزاد: “هنا يمكن الإلحاح على دور الأحزاب، لأنها هي التي تمنح التزكيات وهي من عليها مسؤولية تأطير المرشحين وتكوين المنتخبين و مواكبتهم لتفادي أية ممارسات سياسوية تسيء للعمل التنموي على مستوى الجماعات الترابية”.

 

 

وخلص التايب حديثه قائلا: “بشكل عام، أعتقد أن النصوص التي تتيح للمنتخبين المطالبة بإقالة رئيس الجماعة، هي مكسب قانوني يتعين المحافظة عليه لأنه يتيح استمرار الديمقراطية حية و هو، أيضا، وسيلة للرقابة الذاتية في حالات تجاوز رؤساء الجماعات الترابية لمهامهم وللاتفاقات السياسية التي انخرطوا فيها، محليا أو حزبيا، وعلى أساسها تم انتخابهم. فقط، يتعين رفض أي توظيف سياسوي لهذه المقتضيات، أو إخراجها عن سياقها العادي”.

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق