من بين أكثر القطاعات تعقيدا وحساسية، التي يصطدم بها أي وزير جديد يعين على رأس وزارة الصحة في الحكومات المغربية المتعاقبة، الصيدلة؛ بالنظر إلى ما تواجهه من تحديات هيكلية متراكمة منذ عقود، تؤثر بشكل عميق على استقراره وقدرته على تلبية حاجيات المواطنين.
وفي كل مرة يواجَه فيها الوزراء المتعاقبون على هذا القطاع، بتفاصيل الأزمة التي يتخبط فيها سوق الأدوية بالمغرب، في ظل الارتفاع الصاروخي لأسعار الأدوية بالمغرب، (سواء صناعة محلية أو مستوردة) والاحتكار والريع والجشع وغياب الشفافية في مراقبة أرباح الشركات؛ يختزلون مفتاح الخروج من هذه الوضعية المعقدة في تشجيع الصناعة المحلية، لضمان السيادة الدوائية بالمملكة وتسهيل حصول المواطنين على ما يحتاجون من منتجات، لكن هذا الطموح يصطدم على الواقع بإكراهات تجعل من إمكانية تحققه صعب المنال، إن لم يكن مستحيلا. حسب استنتاجات توصلت إليها “الأيام 24” وهي تستسقي آراء مهنيين وفاعلين في الميدان.
تقليص هامش الربح
بالنسبة إلى رئيس المجلس الوطني للاتحاد الوطني لصيادلة المغرب، الدكتور خالد الزوين، “لا يمكن الحديث عن صناعة دوائية بالمغرب، فالأمر يمكن تسميته بـ”صناعة تركيبية أو تعليبية” فقط، لأن المواد الأولية كلها مستوردة من الخارج، خاصة من الهند، وهو ما يفسر انقطاع الأدوية بالمغرب بين الفينة والأخرى”.
وقال الزوين، في تصريح لـ”الأيام 24″، إن “المغرب لا يتوفر على استقلال ذاتي في الصناعة الدوائية، بل إن دواء رخيصا مثل “levothyrox 25” لا يتعدى ثمنه 6,35 درهم يستورد”، مضيفا: “أتحدى أي جهة كانت أن تثبت لنا أن مادة بسيطة مثل “الأسبيرين” تصنع في المغرب”.
وأوضح الزوين أن المقصود بتشجيع الصناعة الدوائية المحلية، هي التركيب المحلي للأدوية الجنيسة ذات التكلفة المادية المنخفضة، أما بخصوص الأدوية باهضة الثمن، من قبيل تلك التي توصف لمرضى السرطانات والتي تصل أسعارها إلى 25 ألف درهم، فكلها تدخل إلى المغرب عن طريق الاستيراد، ولذلك، يضيف المتحدث: “بدأت شركات الأدوية الوطنية تستثمر في هذا الاتجاه، أي استيراد المواد الأولية وتركيبها بالمغرب”.
واستنادا إلى دراسة كان قد أعدّها إبان عهد وزير الصحة الحسين الوردي في حكومة عبد الإله ابن كيران، كشف الزوين أن مصنعي الأدوية، سواء كانوا وطنيين أو أجانب، يراكمون أرباح فاحشة تتراوح بين 2000 و8000 في المائة من المادة الأولية، مؤكدا أنهم لا يقبلون أي هامش ربح خارج هذه النسبة.
وحول مسؤولية الحكومة في ضبط هذا المجال والتوقف عن الخضوع لضغوطات لوبيات الأدوية، سجل رئيس المجلس الوطني للاتحاد الوطني لصيادلة المغرب أنه أمامها إجراء بسيط “لو بالفعل كان همها هو تخفيض الأدوية لتكون في متناول جميع المواطنين، فعليها أن تفرض على “بارونات المصنعين” خفض هامش الربح، على الأقل إلى مستويات معقولة، مع الاستثمار في المعامل الثقيلة لتوفير المواد الأولية بالمغرب بدل جلبها من الخارج”.
شهية الشركات المفتوحة على المغرب
في السياق ذاته، رصد تقرير يحمل عنوان “هل قطاع الصناعات الدوائية بالمغرب مستعد لمواجهة تحديات الصيادة الصحية للمملكة؟” كان قد صدر عن مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، مظاهر ما وصفه بـ”نمو قوي ونقلة” لقطاع الصناعة الدوائية بالمغرب، مشيرا إلى أن المملكة عرفت منذ بداية الألفية الجديدة إلى غاية اليوم إنشاء 20 منشأة صناعية متخصصة في إنتاج الأدوية والمستلزمات المتعلقة بحفظ الصحة، ليصبح مجموعها 50 مؤسسة صيدلانية صناعية.
وحسب معطيات تضمنها التقرير، فإن حوالي 40 في المائة من المؤسسات الصناعية الدوائية الخمسين، تابعة لشركات متعددات الجنسيات، أو شركات أجنبية تتصدرها فرنسا وأمريكا والهند، فيما قامت حوالي 10 دول أجنبية بالاستثمار في مجال الصناعة الدوائية بالمغرب، بما فيها فرنسا التي تتصدر القائمة بست شركات، متبوعة بكل من سويسرا والولايات المتحدة الأمريكية بـ3 شركات لكل واحدة منها، ثم ألمانيا بواقع شركتين، بينما حضور استثمارات دول الإمارات العربية المتحدة والهند والأردن والبرتغال في هذا المجال، لا يتعدى شركة واحدة لكل واحدة منها.
وكما سبق وأكد ذلك خالد الزويتن، فقد حقق رقم معاملات الشركات المشتغلة في هذا المجال، ارتفاعا في رقم مبيعاتها بحوالي 15,3 في المائة سنة 2021 مقارنة مع سنة 2020، في حين ارتفع رقم المعاملات سنة 2022 بحوالي 7,9 في المائة مقارنة بسنة 2021، قبل أن تحطم أرقاما قياسية سنة 2023 بارتفاع وصل إلى 50 في المائة.