فور صدور لائحة الوزراء الجدد الذين جرى تعيينهم من طرف الملك محمد السادس، يوم الأربعاء 23 أكتوبر،2024، تفاجأ متتبعو الشأن السياسي من مفارقة لافتة للانتباه، وتهم علاقة القرب التي تجمع مجموعة من الأسماء سواء برئيس الحكومة، عزيز أخنوش شخصيا، أو بإحدى شركاته، ليطرح المشهد السياسي المستحدث تساؤلات، ترتكز حول الايقاع الذي ستدار به الحكومة بنسختها الجديدة.
واعتبر جمال العسري، الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد، أن الوزراء بعيدون كل البعد عن مشاكل الوزارات التي وكلت إليهم، فقطاع التعليم مثلا، والذي تعتبره الدولة قضية ثانية بعد قضية الصحراء المغربية، تم تعيين وزير على رأسه لا علاقة له بمشاكل التعليم، بل إن الأخير يفقه فقط في الأمور التجارية لشركاته الخاصة بصنع الحلويات، مما يدل على أن الدولة لا تزال تعتبر القطاع قضية تجارية خدماتية، مما يدعو إلى طرح تساؤل تسليع الدولة لخدمات التعليم.
وتساءل العسري في تصريح لـ”الأيام24″، عن قرار إبعاد خالد أيت الطالب، وزير الصحة السابق من قيادة الوزارة، الذي جاء بمشروع التغطية الصحية، ليتم تعيين خلف له يشتغل بإحدى شركات رئيس الحكومة، “مما يجعلنا كحزب اشتراكي موحد نتساءل، أ لهذه الدرجة أصبح تسليع الخدمات أمرا عاديا يحدث بأهم القطاعات؟”.
واستغرب الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد من الفرصة الكبيرة التي منحت لحزب التجمع الوطني للأحرار في تعيين الوجوه الجديدة، بالنظر إلى مدى قربهم من رئيس الحكومة، سواء من شخصه أو من شركاته، متسائلا: هل أصبحت الحكومة تدار بمنهجية إدارة الشركات التجارية”، ومشيرا إلى أننا اليوم، لم نعد نتحدث عن رئيس حكومة، بل رئيس شركات كبرى، وتصور إدارة الشركة يختلف كل الاختلاف عن تصور إدارة الحكومة، التي تلزم كفاءات وأطرا.
وتساءل العسري حول إبقاء عبد اللطيف وهبي، وزيرا للعدل، في وقت كان من المفترض أن يترك الوزارة، خصوصا أنه القطاع شهد أزمات عدة في عهده، مستغربا في الآن ذاته من توقيت التعديل، خصوصا أنه تم عشية طرح أخنوش لميزانية حكومته، ليجد الوزراء الجدد أنفسهم يدفعون عن ميزانية لم يضعوها او يطلعوا عليها في الاصل، مما يدل على اننا لا نتوفر على حكومة ذات سيادة، وتتخمل المسؤولية بالشكل المطلوب، والوضع الحالي يوضح أننا الأمر يتعلق بموظفين وليس وزراء.
وبتأسف، خلص العسري ضمن تصريحه إلى أنه يفترض أن يكون للوزراء توجه سياسي واضح، وخطة ممنهجة لتسيير قطاعات ليست بالهينة، لافتا إلى أن “الوضع يستوجب تغييرا للدستور من أجل الوصول إلى الديمقراطية الحقيقية المرجوة”.
بدوره، قال جمال براجع، الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي، في حديثه لـ”الأيام24″، إن “الاستوزار لا يتعلق بالقرابة أو القرب، بل يعتمد على اختيار النخب الموالية للسلطة. والأهم هو اختيار أشخاص يلتزمون بثوابت الدولة وخدمة مشاريعها وأجنداتها، وفقا لما ينص عليه الدستور، حيث يتم تعيين الوزراء من قبل الملك باقتراح من رئيس الحكومة، وللملك صلاحية إقالتهم متى شاء”.
وأوضح براجع أن التعديل الحكومي الحالي يهدف إلى معالجة بعض الإشكالات في القطاعات التي تشهد تحديات، مثل التعليم والصحة، والتي تواجه نضالات مستمرة من العاملين والطلبة، مما أثر جزئيا على تنفيذ بعض المخططات المتعلقة بخدمات الصحة والتعليم.
وأشار إلى أن هذه الإصلاحات تأتي استجابة لتوصيات المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وأضاف أن التعديل الحكومي يهدف إلى تحسين الأوضاع في القطاعات التي تحتاج إلى إصلاحات، ولكنه لا يعالج جذور المشاكل المتعلقة بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية القائمة.
وأكد براجع أن الأزمة التي يعيشها المغرب لن تُحل بتغييرات شكلية في الوزراء، بل تتطلب تغييرا في النهج العام للسياسات، مشيرا إلى أن ارتفاع المديونية التي تجاوزت 80% من الناتج الداخلي الإجمالي يعكس عمق الأزمة.
وخلص براجع إلى أن الحل يكمن في تعزيز الديمقراطية وتمكين الشعب من ممارسة السلطة بحرية لتحقيق مصالحه في التحرر والتقدم الاجتماعي والاقتصادي.
من جهة أخرى، قال محمد جدري، مدير مرصد العمل الحكومي، إن التعديل الحكومي كان منتظرا، فعدة قطاعات شهدت في الآونة الأخيرة احتقانا كبيرا في مختلف المستويات، سواء تعلق الأمر بقطاع التربية الوطنية، أو التعليم العالي، القطاع الصحي، لتضطر الفئات المتضررة للخروج إلى الشارع للاحتجاج، استلزم معها تغيير الوزراء لضخ دماء جديدة في الجسم الحكومي.
وأضاف جدري ضمن تصريحه لـ”الأيام24″، أن التعديل الحكومي تميز بتخصصات متنوعة، ويخص الأمر تعيين كتاب الدولة في قطاعات عدة، كالصناعة التقليدية، والتجارة الخارجية، والتشغيل، والادماج الاجتماعي وغيرها، مؤكدا على ضرورة قيام الوزراء المعينين بمهامهم على أكمل وجه، لترقى إلى تطلعات الملك محمد السادس الذي وضع ثقته في كفاءاتهم.
وأضاف المتحدث نفسه أن الوزراء الجدد تنتظرهم قضايا حارقة، تتطلب التفاني في العمل، وبذل جهود كبرى لتدبير ملفات من قبيل التشغيل، والحماية الاجتماعية، وانعاش الاقتصاد، وقانون الاضراب، واصلاح أنظمة التقاعد، وغيرها، متمنيا أن يكون التعديل الحكومي لصالح المغاربة.