الصحراء: شرح الصعوبات لمعرفة البطولات

لقد لعب المغرب بحزم وأناقة في مواجهة باريس ندا للند، ويحق لجلالة الملك أن يحتفي بهذا الإنجاز في خطابه أمام البرلمان، إلا أن الرسالة يجب أن تقرأ جيّدا، خصوصا من طرف الفرنكفونيين. رجاء لا تعودوا وافعلوا ما قلتم خلال الأزمة عن تقهقر اللغة الفرنسية في العالم وضرورة التحول للإنجليزية وتنويع الشركاء، وعدم التهافت على مدارس البعثة الفرنسية وألا تقبل الحكومة قرضا هزيلا بـ 10 مليون درهم من باريس مع منحة توازي نصف هذا المبلغ لـ«دعم تدريس اللغة الفرنسية والتدريس باللغة الفرنسية في الثانويات والإعداديات»، ولا إلى جعل باريس ملاذا لملاييركم وعقاراتكم، واسمعوا جيّدا ما يقال عنا في قنواتهم خصوصا في ما يتعلق بملف الهجرة، ويدينون مغربا كاملا حين يقدِم منحرف من جنسية مغربية على ارتكاب فعل جرمي، ويمنون علينا بهذا الاعتراف بمغربية الصحراء مع أنهم مسؤولون تاريخيا عن هذه المأساة بما في ذلك حدودنا الشرقية، وتواطئهم مع الإسبان في عملية «إيكوفيون» التي كانت مجزرة لجيش التحرير وهو يكاد يقتلع الاحتلال من الصحراء سنة 1958.

نور الدين مفتاح [email protected]

 

 

الذين ولدوا في 1975، سنة المسيرة الخضراء، عمرهم الآن 50 سنة! ومنذ ذلك الحين وهم لا يسمعون إلا خطاب الارتياح الذاتي. والمغاربة عموما غير قلقين بخصوص هذا الملف بسبب نفس الخطاب الذي يتلخص في أننا أنهينا هذا الملف منذ خمسين سنة. ومع كل تطور جديد، يرجع أصحاب الخطاب ليعبروا عن البلاء الحسن الذي أبليناه في قضية قلنا إنها انتهت.

 

هذا الخطاب غطى ويغطي على عمل يومي جبار يقوم به المغرب في مواجهة آلة جهنمية لخصوم الوحدة الترابية. غطى على إنجازات مبهرة، ألم يكن استرجاع إقليم وادي الذهب سنة 1979 معجزة! ولكن كانت قد غطت عليه لمدة أربع سنوات دعاية أننا أنهينا ملف الصحراء، وقس على هذا كل ما كان يقوم به عاهل البلاد والقوات المسلحة الملكية التي سقت بدمائها الزكية رمال الصحراء المغربية، والإبداع في صيرورة ديبلوماسية واجهت الأهوال من جزائر مسلحة بمئات الملايير من الدولارات، فيما المغرب ظل مسلحا بالحق والعزيمة ومهارة تدبير الملف.

 

لقد مررنا من المسيرة الخضراء واقتسام الصحراء إلى توحيد الأقاليم الجنوبية إلى الانتصار في معارك ضارية خاضتها الجزائر بالوكالة عن طريق البوليساريو. ونتذكر الوركزيز وبئر أنزران وأمكالا 1 وأمكالا 2 قبل وقف إطلاق النار سنة 1991 وملحمة بناء الجدار وقبول الاستفتاء الذي كان خطاب الارتياح الذاتي يقول عنه للمغاربة إنه استفتاء تأكيدي، والخروج المرّ من منظمة الوحدة الإفريقية والصراع في الأمم المتحدة ومجلس الأمن وماراطون المفاوضات المباشرة وغير المباشرة مع البوليساريو، ومئات الرحلات المكوكية للمبعوثين الخاصين للأمين العام للأمم المتحدة، والمسلسل المنهك لتحديد هوية من سيشارك في الاستفتاء والوصول إلى الباب المسدود، ثم اعتراف الأمم المتحدة باستحالة تطبيق نموذج تيمور الشرقية على الصحراء المغربية، ودعوتها ابتداء من الألفية الثانية إلى الحل المتوافق عليه، ثم تقديم المغرب لمقترح الحكم الذاتي الذي قدمت البوليساريو مقترحا باهتا معاكسا له بعدما فشل جيمس بيكر كآخر كبار المبعوثين الخاصين في مهمته، ثم العودة إلى الاتحاد الإفريقي وتجاوز العائق السيكولوجي للجلوس في منظمة توجد فيها ليس البوليساريو ولكن كيان كاريكاتوري يُدعى الجمهورية العربية الصحراوية، غير معترف به من طرف الأمم المتحدة، ومواجهة انفصاليي الداخل بكلفة باهظة ومواصلة النزال مع قصر المرادية في حلبة ملاكمة حقيقية، إلى أن تم الاعتراف بمغربية الصحراء من طرف الولايات المتحدة الأمريكية على عهد الرئيس دونالد ترامب، ثم فرنسا قبل أسابيع وقبلها إسبانيا، فيما فتحت عشرات الدول قنصليات لها في العيون والداخلة.

 

في كل هذا المسار الشاق، كان خطاب الارتياح وربط التهليل والتطبيل بالوطنية يتجنى على عمل نساء ورجال عظام قاموا بأعمال جبارة في المجال الديبلوماسي، وببطولات على المستوى العسكري ومازالوا وعلى رأسهم ملك البلاد.

 

من هذه الزاوية قرأ العبد الضعيف لله خطاب جلالة الملك أمام البرلمان الجمعة الماضية المخصص كليا للقضية الوطنية، وفي جزء مهم منه للمنجز المعتبر الخاص باعتراف الجمهورية الفرنسية بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

 

نعم، المغرب في صحرائه، ولكن هذا صراع يومي يشتغل فيه رجال دولة ليل نهار، وإذا كان الاتفاق قائما عند جميع المغاربة الوحدويين على مغربية الصحراء، فإن تدبير الملف هو عمل بشري فيه الاجتهاد ويواكب بالتعليق والتصويب والنقد أحيانا للديبلوماسية المغربية في عملها الميداني. وعندما يتحقق النصر في معركة ضمن هذه الحرب الضروس المفتعلة فيجب أن يلمسه المغاربة ويحسوا به، وهذا ما جرى بعد أن رفع جلالة الملك الاعتراف الفرنسي إلى مصاف المنعطفات.

 

 

والواقع أن المغربي يجب أن يلمس هذه الإنجازات دون أن يصل الأمر إلى حد تدخل الملك شخصيا، وذلك بأن تتحدث الديبلوماسية المغربية مع المغاربة، وأن تقول للمواطن بأن مشكل الصحراء مازال قائما ولو أنها مغربية ونفديها بدمائنا، وأن المخيمات مازالت موجودة في تندوف تسلحها الجزائر، وأن المينورسو مازال يجوب شوارع العيون ويراقب في المنطقة العازلة، وأن الملف مازال يمرّ كل سنة في اللجنة الرابعة وتسمى لجنة تصفية الاستعمار وهذا مؤلم، مع أن المغرب هو الذي وضع ملف القضية لدى هذه اللجنة بداية الستينيات، وأن هناك مبعوثاً أمميّاً معينا لحد الآن خاصا بالقضية، وأن مجلس الأمن يصدر قرارا كل سنة، وأن الذين افتعلوا هذه القضية لتكون حصاة في حذاء المغرب مازالوا يشتغلون بنفس القوة، وكأنه لم تمر على القضية نصف قرن بالتمام والكمال.

 

اعترافات الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا ثمينة وضربة قاصمة للجزائر ولكنها لم تخرج القضية لحد الآن من مجلس الأمن، وعلى المحللين الذين يقال لهم: «هل تعرفون العلم؟» فيقولون: «إننا نعرف أن نزيد فيه» أن يكفوا عن تأويل الخطب السيادية حول القضية الوطنية وكأننا حسمنا الأمر، لأن هذا تبخيس للجنود الذين يقاتلون على جميع الجبهات لصد المناورات والتصدي للدسائس والمؤامرات التي تحاك يوميا ضد وحدتنا الترابية.

 

 

وأما بخصوص الأزمة الطويلة مع فرنسا التي انتهت بانتصار ديبلوماسي لا غبار عليه، فإن الدولة لم يسبق أن تحدثت عن هذه الأزمة، ولكن بعض النخب الفرنكفونية -ولا أعني المفرنسة ولكن المؤدلجة- هي التي أقامت الدنيا ولم تقعدها ودعت إلى نهاية هذه العلاقات التاريخية التي قلنا عنها دائما إنها لا ولن تقبل الاستغناء من أي طرف.

 

وقد كتبت في أبريل الماضي: «خلال هذه الأزمة المغربية الفرنسية، لم نكن من حزب المزايدين الذين يصبون الزيت على النار، ولكن قلنا دائما إن فرنسا شريك استثنائي، بل تكاد تكون قدَراً نظرا للمشترك بيننا تاريخيا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا». وقبل هذا كتبت: «ها نحن نرى كيف أن بعض النخب الفرنكفونية أقامت الدنيا ولم تقعدها عندما خضنا في أخطر أزمة مع فرنسا، وسمعناهم يهددون ويتبرمون، والواقع أننا نكتشف أن الكثيرين منهم لا يمارسون إلا التقية، ولا ينتظرون إلا انفراج الأمور للعودة إلى الحضن الفرنكفوني»!

 

لقد لعب المغرب بحزم وأناقة في مواجهة باريس ندا للند، ويحق لجلالة الملك أن يحتفي بهذا الإنجاز في خطابه أمام البرلمان، إلا أن الرسالة يجب أن تقرأ جيّدا، خصوصا من طرف الفرنكفونيين. رجاء لا تعودوا وافعلوا ما قلتم خلال الأزمة عن تقهقر اللغة الفرنسية في العالم وضرورة التحول للإنجليزية وتنويع الشركاء، وعدم التهافت على مدارس البعثة الفرنسية وألا تقبل الحكومة قرضا هزيلا بـ 10 مليون درهم من باريس مع منحة توازي نصف هذا المبلغ لـ«دعم تدريس اللغة الفرنسية والتدريس باللغة الفرنسية في الثانويات والإعداديات»، ولا إلى جعل باريس ملاذا لملاييركم وعقاراتكم، واسمعوا جيّدا ما يقال عنا في قنواتهم خصوصا في ما يتعلق بملف الهجرة، ويدينون مغربا كاملا حين يقدِم منحرف من جنسية مغربية على ارتكاب فعل جرمي، ويمنون علينا بهذا الاعتراف بمغربية الصحراء مع أنهم مسؤولون تاريخيا عن هذه المأساة بما في ذلك حدودنا الشرقية، وتواطئهم مع الإسبان في عملية «إيكوفيون» التي كانت مجزرة لجيش التحرير وهو يكاد يقتلع الاحتلال من الصحراء سنة 1958.

 

إن الصحراء مغربية، ولكن لتظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فلابد من التعبئة الدائمة وتنظيف التدبير المحلي في الأقاليم الجنوبية الذي يكاد يصبح «إمارة» لعائلة واحدة وقول الحقيقة للمغاربة لأن شرح الصعوبات والتحديات هو الذي سيعرّف الناس عند تخطيها أو تذليلها على المنجزات والبطولات. وتحية زكية لكل الجنود المدافعين عن القضية الوطنية.

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق