الباهي يكتب: الأجندة التشريعية والرقابية للدورة الخريفية للبرلمان
عبد الغني الباهي
باحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية
من المزمع أن يتفضل صاحب الجلالة الملك محمد السادس بترأس حفل افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة بمقر البرلمان، وذلك يومه الجمعة 11 أكتوبر 2024، وبإلقاء الخطاب السامي الموجة إلى مجلسي البرلمان، ومن المتوقع أن يتضمن توجيهات جلالته حول أهم متطلبات المرحلة المقبلة في مختلف القضايا الوطنية والدولية. إضافة إلى توجيهات هامة لجميع مؤسسات الدولة، حيث يعد هذا الخطاب بمثابة برنامج عمل للمرحلة القادمة خاصة بالنسبة للمؤسسة التشريعية. هذه الأخيرة تعد أحد أهم القنوات للتعبير عن هموم المواطنين وآرائهم، وأهميتها الخاصة في تعزيز ثقة المواطن وقدرتها على إيصال صوته وتحقيق مطالبه. ويأتي هذه الافتتاح في ظروف خاصة ومتميزة سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الإقليمي والدولي. وسط أجندة عمل مكثفة ستكون في انتظار مجلسي البرلمان الذي يستعد لمساءلة الحكومة حول أبرز الملفات التي ميزت الساحة الوطنية مؤخرا، على غرار الوضع الاقتصادي وتحضيرات الدخول الاجتماعي ومصير المشاريع التي وعد الجهاز التنفيذي بطرحها.
ومن المتوقع أن تشهد دورة أكتوبر مناقشة أجندة تشريعية مزدحمة، والتي ستسهم في إقرار عدد من التشريعات الهامة التي ينتظرها المواطنون، منها مشاريع قوانين موجودة بالفعل داخل اللجان الدائمة بمجلسي البرلمان والمتبقية من الدورة الربيعية حيث تم الانتهاء من بعضها والبعض الآخر لم يتم الحسم فيه بعد، سواء تلك المقدمة من قبل الحكومة أو البرلمان، إضافة إلى مشاريع قوانين أخرى ستتقدم بها الحكومة إلى مجلسي البرلمان ضمن أجندتها التشريعية.
ومن المرجع أن تكون الأجندة التشريعية مميزة عن سابقتها من حيث حجم المشاريع المطروحة والتساؤلات التي تنتظر إجابة الطاقم الحكومي عليها. خاصة في ظل الإصلاحات التي تحتاجها المرحلة المتبقية من هذا الفصل التشريعي. وتتضمن الأجندة التشريعية التي من مرتقب أن يراعي في إعدادها ترتيب أولوياتها المشروعات التي تأتي تنفيذا للاستحقاقات الدستورية وللتكليفات والتوجيهات الملكية، وتلك التي تشترك في أولوياتها كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية.
أن عدة مستجدات طفت على الساحة مؤخرا خاصة ما تعلق بالجانبين الاجتماعي والاقتصادي، الأمر الذي يحتاج إلى توضيح وتفسير من قبل الحكومة، لاسيما ما يتعلق بالإجراءات المتخذة من قبل الجهاز التنفيذي لضبط السوق والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، وإعادة النظر في إصلاح نظام الدعم الاجتماعي المباشر، وفي هذا الصدد سجلت القدرة الشرائية تراجعا ملحوظا، متأثرة بموجة التضخم الشديدة التي يعرفها العالم ككل، وفشل البرامج الاقتصادية المتعاقبة في ضمان استقلالية نسبية للاقتصاد المغربي عن السوق العالمية المتقلبة والحساسة تجاه الأزمات.
أن الدورة الخريفية المقبلة تتضمن برنامج عمل مكثف سواء من حيث المشاريع المطروحة للنقاش أو تلك التي ينتظر إحالتها من قبل الحكومة. ويأتي منها مشروعات قوانين في المجالات الاقتصادية والاجتماعية أو تلك المتعلقة بالحقوق والحريات اللصيقة بالمواطن مثل قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية إضافة إلى إخراج قانون التنظيمي المتعلق بممارسة الحق في الإضراب، كلها تشريعات تحظى باهتمام كبير من قبل مختلف الأحزاب والقوى السياسية، والذي تمثل حاجة ماسة للدولة في ظل ما اتخذته من خطوات مهمة في ملف حقوق الانسان بما اشتمل عليه من ضمانات متعددة للحقوق والحريات.
– مشروع قانون المسطرة المدنية
فجر تصويت مجلس النواب في قراءته الأولى على مشروع قانون المسطرة المدنية اعتراضات وتحفظات واسعة من أطراف عدة على رأسها جمعيات هيئات المحامين بالمغرب إلى جانب عدة هيئات حقوقية وفعاليات سياسية، غير أن مشروع القانون المذكور ما زالت أمامه مسطرة تشريعية طويلة في مجلس المستشارين بعد أن صوت عليه مجلس النواب خلال قراءة أولى في 23 يوليوز 2024، وتتطلع هيئات المحامين بالمغرب إلى جانب عدة فعاليات وجمعيات حقوقية، من أن يتمكن مجلس المستشارين من تعديله قبل المصادقة النهائية عليه، قبل إرجاعه إلى مجلس النواب في إطار القراءة الثانية للمشروع، ومن المرجح أن تحافظ الغرفة الأولى على الصيغة الأولية لمشروع كما قدمتها وزارة العدل، الأمر الذي من شأنه أن يدفع بعدت جهات إلى إحالة الأمر على أنظار المحكمة الدستورية لحسم الجدل في دستورية أو عدم دستورية بعض مقتضيات المشروع المذكور.
– مشروع قانون المسطرة الجنائية
يأتي على رأس التشريعات التي سيناقشها ويصادق عليها البرلمان خلال الدورة المقبلة مشروع قانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية الجديد الذي صادق عليه المجلس الحكومي، وهو من أهم وأبرز القوانين التي تهم جميع المواطنين لارتباطه بمنظومة التقاضي والعدالة، وقد أثار جدلا فور المصادقة عليه من قبل المجلس الحكومي، حيث عبرت الحكومة عن كونه يشكل خطوة هامة في تحديث النظام القانوني المغربي، ويهدف إلى تحقيق نقلة نوعية في فلسفة الإجراءات الجنائية.
وعليه فإن المشروع الجديد، مهم للغاية ويجب أن يعكس بشكل واضح التحولات التي عرفها المغرب في مجال حقوق الإنسان، وإقرار نظام قضائي عادل وداعم للحقوق والحريات في إطار ما يضمن تحقيق الأمن القضائي، وذلك من خلال التوازن الدقيق بين مصلحة التحقيق والمحاكمة من جهة، وحقوق المواطنين من جهة أخرى.
– مشروع القانون التنظيمي المتعلق بممارسة الحق في الإضراب
سبق للحكومة أن عبرت عن نيتها إخراج ما تبقي من القوانين التنظيمية قبل انتهاء عمر هذه الحكومة، وعلى رأسها مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب، والذي احالته الحكومة السابقة على انظار مكتب مجلس النواب سنة 2016، حيث يمثل القانون التنظيمي المذكور خطوة هامة نحو تعزيز المنظومة التشريعية المغربية وتطوير البنية القانونية للدولة، ويعكس رغبة حقيقية في تحقيق الإصلاح التشريعي المنشود، وهذا ما يجعل البرلمان أمام مسؤولية كبيرة في دراسة هذه القانون بعناية، وإدخال التعديلات اللازمة لضمان تحقيق أهدافه بما يتماشى مع تطلعات جهات متعددة نحو مستقبل أكثر استقرارا وعدالة.
– تشريعات اقتصادية ومالية
من المنتظر أن تشهد الأجندة التشريعية لمجلسي البرلمان مناقشة عدد من التشريعات الاقتصادية والمالية المقدمة من الحكومة، ويأتي على رأسها قانون المالية لسنة 2025، حيث يعتبر القانون المالي في الأنظمة الدستورية المختلفة من بين أهم القوانين في الدولة حيث أن استمرارية الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تبقى مرهونة بصدور قانون المالية، وتتميز عملية مناقشة والتصويت على مشاريع قوانين المالية بطابعها الخاص لما لها من أهمية خاصة في سياق تدبير الزمن التشريعي خلال دورة أكتوبر.
– مراجعة بعض مقتضيات مدونة الأسرة
من المرجح أن يصدر المجلس العلمي الأعلى في الأيام القليلة المقبلة رأيه حول دراسة بعض المقترحات الواردة في تقرير الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، وذلك بعد احتدام الجدل حول نطاق التعديلات المرتقبة. إن مشروع قانون تعديل مدونة الأسرة سيكون أبرز القوانين على طاولة البرلمان -في حالة إحالته خلال دورة أكتوبر- لما يمثله القانون من أهمية كبيرة لاستقرار المجتمع والحفاظ على تماسك الأسرة، خاصة في قضايا الطلاق والنفقة والوصاية وزواج القاصرات والإرث وغيرها من الأمور التي أرقت كثيرا من الأسر لسنوات عديدة.
– أعمال الرقابة على الحكومة
يشكل محور رقابة البرلمان على عمل الحكومة، مسألة غاية في الأهمية في إطار مبدأ الفصل بين السلطات في ممارسة البرلمان لدوره في الرقابة على أداء الحكومة، وهذا الدور الرقابي ليس لاصطياد الأخطاء، ولكن لإلقاء الضوء على أداء الحكومة وتحسين المواطن التي تحتاج إلى تدخل دائم من الحكومة، وهذا الدور يستمر طوال الدورة المقبلة من خلال عمل اللجان الدائمة والمؤقتة والجلسات العامة واستدعاء الوزراء والحكومة في أمور كثيرة يشملها الدور الرقابي للمؤسسة التشريعية.
– الدبلوماسية البرلمانية
إن تعاظم دور الدبلوماسية البرلمانية عالميا، خاصة في ظل ما يشهده العالم حاليا من تحديات ملحة، وهو ما ينطبق على الدبلوماسية البرلمانية المغربية التي قامت عبر تاريخها بجهد مشهود وممتد إلى الآن بقيامها بدور فاعل ورائد في دعم رؤى الدبلوماسية الرسمية إزاء مختلف القضايا الإقليمية والعالمية.
من الملاحظ أن الدورة المقبلة ستشهد رفع من مستوى التعاون والتبادل البرلماني الدولي والدبلوماسية البرلمانية، وتعزيزا للسياسة الخارجية لبلادنا. وستعجل الديبلوماسية البرلمانية ضمن أولوياتها الدفاع عن قضية الوحدة الترابية للمملكة والتعريف بالأوراش الإصلاحية والبنيوية والاجتماعية والاقتصادية الكبرى التي انخرط فيها المغرب. مع مواصلة تقوية التعاون البرلماني الثنائي ومتعدد الأطراف على مستوى مختلف المناطق الجيوسياسية بهدف الدفاع، ضمن منظومة الدبلوماسية الوطنية، عن القضايا الإستراتيجية والحيوية للمملكة المغربية.
ولا شك أن القضية الفلسطينية وما تشهده منطقة الشرق الأوسط حاليا من تصعيد خطير وأعمال عنف وعدوان، ستكون على رأس العمل الدبلوماسي للمؤسسة التشريعية، وتأكيدها على الموقف المغربي الرسمي الثابت والواضح تجاه القضية، ودعمه الكامل للفلسطينيين في نيل حقوقهم العادلة والمشروعة.
بناء على ما تقدم فإن البرلمان بمجلسيه ستكون على عاتقه مسؤولية طرح ونقاش جميع الملفات التي تحتاج الى تشريع يصب في مصلحة الوطن والمواطنين، وذلك على جميع الأصعدة، سواء فيما يتعلق بالجانب الاجتماعي أو الصحي أو الاقتصادي وغيرها. وعليه، فإن دورة أكتوبر من هذه السنة من المتوقع أن تشهد نشاطا تشريعيا ورقابيا غير مسبوق، فالزمن أصبح ضاغطا والأجندة التشريعية ستكون مزدحمة جدا، والموضوعات المعروضة مهمة وحساسة وتحتاج إلى نظر عميق. تفرض على الجميع مسؤولية تاريخية وآداء إستثنائيا تتضافر فيه الجهود ويتكامل فيه عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية.