لماذا تتأخر إيران في الدفاع عن حزب الله؟
خلال الأسبوع الماضي، تعرض حزب الله في لبنان لسلسة غير مسبوقة من الهجمات، يعتقد البعض أنها دفعت الجماعة إلى أكبر أزمة على مدار العقود الأربعة الماضية.
وبدأت الهجمات ضد الحزب بتفجير أجهزة الاتصال التي يستخدمها عناصره في جميع أنحاء لبنان، ثم تلتها غارات جوية إسرائيلية استهدفت كبار قادته، وشهد لبنان بسبب ذلك فترة اعتبرت الأكثر دموية منذ حرب 2006 مع إسرائيل.
ويُعتبر حزب الله، أكبر جماعة مسلحة ضمن "محور المقاومة" - وهو تحالف من الجماعات المسلحة الإقليمية المعارضة لإسرائيل ويتمتع بدعم كامل من إيران منذ إنشائه.
- ما هو "محور المقاومة" وما علاقته بالنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط؟
- أيهما تمتلك قوة نيرانية أكبر إيران أم إسرائيل؟
توقع الكثيرون بعد الهجمات الإسرائيلية غير المسبوقة، والتي عطلت بنية قيادة حزب الله إلى حد واضح، ووضعت ما يطلق عليه "أقوى جيش غير حكومي في العالم" في منعطف حرج، أن تؤدي إلى رد فعل أكثر حزماً وحسماً من إيران، إلاّ أن هذا الرد لم يأتي بعد.
لم تُظهر إيران أي بادرة على رد عملي أو انتقامي، على الرغم من أنها تصرح بأن حزب الله هو "خطها الأحمر"، وحتى بعد أن أعلن زعيم حزب الله حسن نصر الله مؤخراً أن إسرائيل "تجاوزت كل الخطوط الحمراء".
حتى أن الخطاب الإيراني المعتاد بالانتقام والمليء بالتهديدات ضد إسرائيل كان مقيّداً بشكل لافت.
ماذا يقول المسؤولون الإيرانيون؟
هناك أدلة واضحة على موقف إيران في تصريحات الرئيس مسعود بزشكيان الأخيرة على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وبحسب موقع بلومبيرغ وتسجيل صوتي لاجتماع مع صحفيين أمريكيين، أشار بزشكيان إلى أن إيران ستُفكر في التخلي عن أسلحتها "إذا تخلت إسرائيل عن أسلحتها"، ما اعتبر تصريحاً غير اعتيادي.
ويتناقض هذا بشكل كبير مع موقف إيران قبل أقل من شهرين، حين تمّ اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، إذ تعهدت إيران حينها بردّ قاسٍ ضد إسرائيل.
كان التحول نحو لهجة أكثر تصالحية في نيويورك جلياً للغاية، لدرجة أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي شعر بأنه مضطر إلى نفي التقارير التي تفيد بأن طهران "مستعدة لخفض التصعيد" مع إسرائيل.
ودافع وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف - والذي يشغل الآن منصب نائب الرئيس - عن تصريحات بزشكيان على وسائل التواصل الاجتماعي، وأشار إلى أن الرئيس أدان "الجرائم الإسرائيلية"، وصوّر إيران على أنها "بطلة السلام" الداعية لنزع السلاح النووي في المنطقة، متهماً إسرائيل بترويج "رواية خطيرة وكاذبة" حول نوايا إيران، ومؤكداً أن إيران - على عكس مزاعم إسرائيل - لا تسعى إلى الحرب.
وقال الرئيس الإيراني في تصريحاته للصحفيين الأميركيين أيضاً: "نحن لا نريد الحرب"، متهماً إسرائيل بنصب الفخاخ لجر إيران إلى صراع "لن يكون فيه فائز" على حد قوله.
هل فاجأت إيران العالم، أم أنها كانت تعيد حساباتها؟
المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، الذي لطالما تبنى آراء قاسية تجاه إسرائيل والولايات المتحدة، أشار إلى لبنان بشكل موجز في خطابه العام الأخير بعد ثلاثة أيام فقط من استهداف أجهزة الاتصالات التابعة لحزب الله.
وحث المرشد على "الوحدة الإسلامية" باعتبارها "الخطوة الأولى" في مواجهة إسرائيل، مجدداً دعوته المعتادة للتضامن بين الدول الإسلامية وقطع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع إسرائيل.
وانعكس هذا التحول أيضاً على خطاب وسائل الإعلام المؤيدة للحكومة الإيرانية، ودعت إلى الانتقام الإيراني من إسرائيل بشكل تقليدي، فيما ركزت بعض الأصوات والقنوات المتشددة بشكل أكبر على شعارات مثل الوحدة الإسلامية ضد إسرائيل، على الرغم من عدم جدوى مثل هذه الدعوات على مدى عقود من الزمن.
وفي حين لا تزال العديد من هذه القنوات الإعلامية تستخدم عناوين وصوراً عدوانية تستعرض صواريخ كبيرة، فإن اللهجة الانتقامية في الأشهر الأخيرة - وخاصة بعد موجة الضربات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل واغتيال هنية في طهران - غابت بشكل ملحوظ.
على سبيل المثال، نشرت صحيفة كيهان المتشددة مؤخراً مقالاً افتتاحياً يحمل عنواناً معادياً لإسرائيل: "بدأ العد التنازلي!"، ولكن نص المقال، تضمن اعترافاً ضمنياً بتفوق إسرائيل التكنولوجي والاستخباراتي، ونسب ذلك إلى الدعم الغربي، بينما أشار إلى حزب الله على أنه الجهة التي تتلقى الدعم فقط من إيران والجماعات المسلحة العراقية واليمنية والفلسطينية.
ربما تشير هذه اللهجة من صحيفة كيهان إلى أن العمليات المعقدة مثل استهداف أجهزة الاتصالات التابعة لحزب الله لم تفاجئ حزب الله فحسب، بل ربما تسببت في وقفة جدية داخل القيادة الإيرانية قد تُفسَّر على أنها تراجع عن التوعّد بالانتقام، لكن البعض يقول إنها قد تُشير إلى وقفة مدروسة مقرونة بالتخطيط لضربة مفاجئة محتملة. وفي حين يبدو أن مثل هذا التحرك غير مرجح في الوقت الحاضر، يبقى الشرق الأوسط - ومنذ فترة طويلة - منطقة للتطورات غير المتوقعة.
التعليقات مغلقة.