مجزرة صبرا وشاتيلا: الصدمة الجماعية المحفورة في ذاكرة الفلسطينيين واللبنانيين

الطريق إلى المجزرة
أحداث كثيرة ومتسارعة سبقت وقوع المجزرة. وكان لبنان يشهد منذ عام 1975 حرباً أهلية، بمشاركة الفصائل الفلسطينية التي شكل وجودها المسلح أحد أهم أسباب الانقسام السياسي اللبناني. وكانت إسرائيل قد اجتاحت للمرة الأولى جنوب لبنان عام 1978، وأقامت شريطاً حدودياً في محاولة منها لمنع تسلّل المقاتلين من لبنان. لكن بداية صيف عام 1982، حملت تصعيداً أمنياً وعسكرياً، بدأ مع قرار الجيش الإسرائيلي تنفيذ عملية اجتياح واسعة النطاق، انطلاقاً من جنوب لبنان نحو العاصمة بيروت.
- في 6 يونيو 1982 بدأت إسرائيل عملية اجتياح للبنان، قالت إنها تهدف إلى طرد فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والقضاء على إمكانيات تنفيذها عمليات عسكرية ضدّ إسرائيل.
- حقّق الجيش الإسرائيلي تقدماً عسكرياً سريعاً ووصل بعد نحو خمسة أيام إلى مشارف العاصمة بيروت، حيث فرض حصاراً على سكانها، في ظلّ قصف عنيف استمر أكثر من 80 يوماً.
- في 20 غشت، أعلنت الأطراف المعنية عن توصل المبعوث الأمريكي فيليب حبيب إلى اتفاق، يقضي بوقف إطلاق النار وخروج مقاتلي وقيادات الفصائل الفلسطينية من لبنان.
- 23 غشت انتخب بشير الجميل قائد ميليشيا "القوات اللبنانية" المتحالفة مع إسرائيل، رئيساً للجمهورية.
- 14 شتنبر اغتيل بشير الجميل في انفجار عبوة ناسفة، قبل أيام قليلة على توليه رسمياً مهام الرئاسة.
- 15 شتنبر اجتاحت قوات الجيش الإسرائيلي العاصمة بيروت، وأحاطت بمخيمات اللاجئين.
- 16 شتنبر مساء دخلت مجموعات من ميليشيات لبنانية مناوئة للفلسطينيين إلى مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين تحت وهج القنابل المضيئة.
- 18 شتنبر توقفت أعمال القتل وبدأ المراسلون بدخول المخيم، وخرجت أنباء وصور المجزرة المروعة إلى العلن.

المجزرة بالأرقام
اختلفت الأرقام والمصادر التي وثّقت عدد القتلى في المخيمين المتجاورين.وشكّلت السلطات الإسرائيلية لجنة تحقيق برئاسة رئيس المحكمة العسكرية يتسحاق كاهان، للتحقيق في ملابسات ما حدث، بعد خروج مظاهرات ضخمة في تل أبيب ومطالبة رئيس الوزراء مناحيم بيغن بالاستقالة من منصبه.وقدّرت لجنة "كاهان" في تقريرها أن عدد القتلى هو 300 شخص.بينما نشرت الباحثة والكاتبة بيان نويهض الحوت، زوجة القيادي الفلسطيني في منظمة التحرير الراحل شفيق الحوت، كتاب "صبرا وشاتيلا" بعد 20 عاماً على وقوع المجزرة.وسعت بيان نويهض في كتابها إلى توثيق شهادات وأحداث المجزرة بالأرقام والأسماء والتفاصيل.الحرب الأهلية في لبنان...مواقف لا تنسىوذكرت أن عدد القتلى الذي استطاعت توثيق أسمائهم، بلغ 906 ضحايا، بالإضافة إلى 408 أشخاص في عداد المفقودين والمخطوفين.وذكرت وكالة أسوشييتد برس العام الماضي أن عدد القتلى المؤكد هو 328 شخصاً، وأن 991 شخصاً اعتبروا في عداد المفقودين.وذكرت مصادر أخرى منها "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" أنّ عدد القتلى وصل إلى أكثر من 3 آلاف ضحية.وكان من الصعب إجراء إحصاء دقيق لعدد القتلى، بسبب استخدام الجرافات لدفن عدد كبير من الجثث.اقتحام المخيمات: ردة فعل أم خطة مسبقة؟
جرى تصوير المجزرة على أنها ردّ فعل ثأري من مقاتلي "القوات اللبنانية" – الجناح العسكري لحزب الكتائب البناني - على اغتيال رئيس الجمهورية المنتخب بشير الجميّل. بعد يومين على الاغتيال، أوقف جهاز الأمن في "القوات اللبنانية" اللبناني حبيب الشرتوني، عضو "الحزب السوري القومي الاجتماعي"، واعترف لاحقاً بتنفيذ اغتيال بشير الجميّل. تسلّمت السلطات اللبنانية الشرتوني في أبريل 1983 لمحاكمته. واستطاع الفرار عام 1990، بعد اقتحام الجيش السوري مقرّ وزارة الدفاع اللبنانية حيث كان محتجزاً. عام 2018، تناقلت وسائل إعلام وثيقة قيل إنها الملحق السري لتقرير لجنة كاهان، والذي بقي طي الكتمان إلى أن نشره باحث أمريكي في جامعة كولومبيا، يدعى سيث أنزيسكا. وجاء في الوثيقة أن مسألة التعامل مع وجود مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بعد مغادرة المقاتلين، أثيرت في أكثر من اجتماع بين مسؤولين لبنانيين وإسرائيليين، بين يوليوز وشتنبر 1982. وذكرت أنّ آخر نقاش جرى في 12 شتنبر، قبل يومين على اغتيال الجميّل. وقال خلاله آرييل شارون لبشير الجميّل "يجب تهيئة الظروف التي ستؤدي إلى مغادرة الفلسطينيين"، وفق ما ذكرت الوثيقة. ونقلت الوثيقة عن رئيس الموساد السادس ناحوم أدموني قوله إن الجميّل كان يتحدث دائماً عن "ميزان الديمغرافيا اللبنانية". أما تقرير لجنة كاهان الذي صدر بعد إتمام التحقيقات، فذكر أن "قرار دخول الكتائبيين إلى مخيمات اللاجئين اتخذ صباح يوم الأربعاء 15 شتنبر". وأضاف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يُبلّغ بالقرار في حينه، بل عرف مع بقية الوزراء من خلال تقرير قدّمه رئيس الأركان في جلسة للحكومة عُقدت في اليوم التالي، بعد أن كان الكتائبيون قد دخلوا فعلاً. وعرض أمام الحكومة تقريراً يفيد بأن نحو ألفي مقاتل فلسطيني، ما زالوا داخل المخيمات. كما جاء في تقرير اللجنة أن مناحيم بيغن لم يتسلّم أي تقرير حول "أفعال الكتائبيين في المخيمات"، بل عرف بما جرى من خلال هيئة الإذاعة البريطانية في بثّ يوم 18 سبتمبر/أيلول.من يتحمل المسؤولية؟
حمّل تقرير لجنة كاهان الرسمي، المسؤولية الكاملة المباشرة عن ارتكاب أعمال القتل، لمقاتلي الميليشيات اللبنانية. وقالت اللجنة إنها لم تعثر على أي دليل حول تورّط الجيش الإسرائيلي في القتال داخل المخيمات. وحدّدت مسؤولية ضباط الجيش والموساد ولا سيما وزير الدفاع الإسرائيلي آرييل شارون، الذي استقال من منصبه بعد صدور التقرير. وأشارت تقارير إعلامية إلى ضلوع مجموعات من "جيش لبنان الجنوبي"، المتعاونة مع إسرائيل بقيادة الرائد اللبناني سعد حدّاد. كما برز اسم قائد جهاز أمن "القوات اللبنانية" آنذاك إيلي حبيقة، في الإشراف على المجموعات التي دخلت إلى المخيمات. لاحقاً أبرم حبيقة اتفاقاً عام 1985 مع النظام السوري وحلفائه من الأحزاب اللبنانية، وأُقصي عن قيادة "القوات اللبنانية"، بعد معارك أدّت إلى طرده ومقاتليه من القسم الشرقي لبيروت. اغتيل حبيقة في بيروت بواسطة سيارة مفخخة في يناير 2002، وكان قد أبدى استعداده للشهادة في محكمة في بلجيكا، أرادت النظر في محاكمة شارون على خلفية مجازر صبرا وشاتيلا. كتاب "كرة الثلج – أسرار التدخل الإسرائيلي في لبنان" للمراسل الصحافي الإسرائيلي شيمون شيفر الذي صدر عام 1985، يذكر محضر اجتماع بين قادة عسكريين إسرائيليين ومسؤولين في الكتائب في 19 شتنبر 1982، أي بعد أقلّ من يومين على انتهاء المجزرة. خلال الاجتماع طلب رئيس الأركان رفاييل إيتان من الكتائبيين توضيح ما حصل على أنه اشتباك مع مقاتلين من منظمة التحرير وأنّ "الأمر خرج عن السيطرة". وبحسب ما ورد في كتاب شيفر، ردّ المسؤول الكتائبي جوزف أبو خليل بالقول: "في الحقيقة ما تريدونه هو أن نأخذ الموضوع على عاتقنا وفي الوضع السياسي الحالي هذا غير ممكن". واقترح أبو خليل أن توجِّه السلطات الإسرائيلية وسائل إعلامها بأن لا تتهّم الكتائب. وردّ إيتان بأن الجميع يعلم أن الكتائب مسؤولة عما حدث. وقال "وسائل إعلامنا حرة ويمكنها أن تقول ما تشاء". وعند سؤاله "إذن كيف ستوضحون ما حدث؟"، قال المسؤول الكتائبي "سنواصل النفي". مضمون هذه الشهادة يتطابق مع تقرير لمحلل الشؤون الأمنية الإسرائيلي رونين برغمان، نُشر في صحيفة "يديعوت أحرونوت" في يونيو 2020.رواية المجزرة على لسان الجلّاد


شهادات وثقتها بي بي سي عن صبرا وشاتيلا
عرضت بي بي سي في أكثر من مناسبة شهادات ناجين وشهود على ما جرى في مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت عام 1982. نعرض في ما يلي بعضاً منها مع الإشارة إلى أن بعض التفاصيل قد تكون مزعجة:



التعليقات مغلقة.