“سبعون كيلو للبالغ، وثمانية عشر للطفل” هكذا تُوزّع أشلاء القتلى في أكياس عندما لا يُعثر على جثث كاملة في غزة

رجل يحمل كيساً بحثاً ضحايا في موقع لإحدى الغارات الإسرائيلية، في مدينة غزة، 22 يونيو حزيران.
Reuters

"كيف يكون وزن قريبي أكثر من 100 كيلو وتسلمنا فقط 70 كيلو من الأشلاء، أين ذهب الباقي!" هكذا تساءلت (أم العبد) قريبة أحد ضحايا قصف مدرسة التابعين بمدينة غزة التي تسلمت كيساً بدلاً من جثة ابن خالها، الذي يزن أكثر من مائة كيلو جراما قبل القصف الذي استهدف المدرسة في آب أغسطس الماضي.

ففي صبيحة العاشر من آب أغسطس الماضي، هرع الدفاع المدني في مدينة غزة لتلبية نداءات استغاثة النازحين في مدرسة التابعين في حي الدرج شرق المدينة. كانوا يهمّون بأداء صلاة الفجر في المصلى التابع للمدرسة، حين استهدفهم قصف إسرائيلي أودى بحياة حوالي مئة شخص بمن فيهم أطفال ونساء.

وعندما جاء أهالي الضحايا لاستلام جثث أقاربهم، وجودها أشلاء موزعة في أكياس بلاستيكية بأوزان محددة.

الدكتور محمد المغير، مدير الأمن والسلامة في الدفاع المدني يقول لبرنامج غزة اليوم عبر بي بي سي إن عدد المفقودين كان يزيد عن ثلاثين شخصاً، ولم يتم التعرف عليهم لأن "مجموعة من الجثامين تبخرت ولم يتواجد أي أثر لها إلا بعض قطع اللحم صغيرة الحجم، ولذا جُمعت ووضعت في أكياس، خاصة أن كمية الأشلاء كانت كبيرة جداً".

لذلك حدد الدفاع المدني "سبعين كغ" للبالغين، أي ما يعادل تقريباً متوسط وزن الإنسان الطبيعي، أما بالنسبة للأطفال فاحتسب وزن أكبرهم سناً ليعادل" ثمانية عشر كغ"، بناء على إجابات الأهالي حول أوزان أبنائهم.

وأضاف المغير لبرنامج غزة اليوم، أن "هذه الأشلاء توزع بطريقة غير نظامية نتيجة عدم وجود معالم للجثث".

كيف تُجمع الأشلاء في الكيس؟

رجلان أحدهما يرتدي زياً يبدو تابعاً للدفاع المدني الفلسطيني، يعملان على البحث بين الأنقاض الناجمة عن قصف إسرائيلي
BBC
أعلن جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة عن رصده "تبخر 1,760 جثة"

مهمة أبو عبدالله الذي يعمل مُكفناً في المستشفى الأهلي المعمداني في مدينة غزة ليست سهلة أبداً، فيقول إن تجميع الأشلاء في كيس واحد مهمة صعبة خاصة مع الكمية الكبيرة من الأشلاء المتفرقة التي تصلهم.

ويضيف عن تفاصيل يوم قصف مدرسة التابعين "وصلتنا كمية كبيرة من الأشلاء من قصف المدرسة، فعملنا على تقسيمها في أكياس وتكفينها، وكنا نركز على حجم اليد أو القدم لنعرف إن كانت لشخص بالغ أم لطفل، وعندما نجد على سبيل المثال حذاءً أو خاتماً في إصبع، نعرضه على الأهالي على أمل أن يتعرفوا على أقاربهم".

ويشير أبو عبد الله، إلى أنه أصبح يمتلك خبرة في تقسيم الأشلاء على الأكياس بحيث يعمل على جمع جسد واحد قدر الإمكان في كل كيس.

وفي وقت سابق، أعلن جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة عن رصده "تبخر 1,760 جثة". وقال إنهم "لم يجدوا للجثث أي أثر بسبب استخدام الجيش الإسرائيلي أسلحة محرمة دولياً، كما أنهم لم يُسجلوا في السجلات المختصة في وزارة الصحة".

أما الجيش الإسرائيلي فقال إن "طيرانه استهدف مخربين عملوا من داخل مدرسة استُخدمت كمأوى للمدنيين". بينما قالت حركة حماس إن "السياسة المؤكدة والصارمة والمعمول بها لدى المقاتلين من كل الفصائل هي عدم التواجد بين المدنيين لتجنيبهم الاستهداف الصهيوني."

رحلة البحث عن الأشلاء، وسط أمنيات بالعثور على جثة كاملة

غزيون يقفون في منطقة نزوح تعرضت للقصف
BBC
أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة أن القوات الإسرائيلية قصفت 175 مركزاً للإيواء مأهولاً بعشرات آلاف النازحين

ظل محمد البسيوني يبحث عن والده عدة أيام بعد قصف مدرسة التابعين على أمل العثور على أي جزء من جسده. ويحكي محمد "كنت أتجهز لصلاة الفجر وسبقني أبي للمسجد، وفجأة حدث انفجار ضخم دفعني بقوة من شدته، قمت بصعوبة فوجدت الدم واللحم في كل مكان في المدرسة، فتوقعت أن أبي أصبح من بين الأشلاء".

وبعد عملية بحث صعبة، وجد محمد رأس أبيه تحت سجادة، فدفن الرأس مع أشلاء ربما ليست لأبيه.

في مثل هذه الظروف، يمثل إيجاد الجثة كاملة، فرحة ممزوجة بالألم للأهل الذين فقدوا أحباءهم، ومنهم هذا الوالد - رفض ذكر اسمه - الذي وجد جثمان ابنه كاملاً، يقول" الحمد لله، وجدت ابني جثة كاملة كما تمنى، فقد كان يخشى أن يتحول إلى أشلاء".

وفي وقت سابق، وصفت الأمم المتحدة الهجوم على المدرسة بأنه من بين أكثر "الهجمات دموية" منذ بدء الصراع.

مدرسة التابعين ليست الوحيدة

يسارع الناس وصحفي نحو مكان الانفجار الذي أعقب غارة إسرائيلية استهدفت مدرسة في حي الزيتون، في الصورة تظهر مبانٍ مدمرة، وأكياس من القمامة
Getty Images
يسارع الناس وصحفي نحو مكان الانفجار الذي أعقب غارة إسرائيلية استهدفت مدرسة في حي الزيتون على مشارف مدينة غزة، في الأول من سبتمبر/أيلول 2024

مدرسة التابعين هي واحدة من عشرات المدارس التي تؤوي نازحين وقصفت من قبل طيران الجيش الإسرائيلي، إذ أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة أن القوات الإسرائيلية قصفت 175 مركزاً للإيواء مأهولاً بعشرات آلاف النازحين، ومن بين هذه المراكز 155 مدرسة مأهولة بالنازحين، منها مدارس حكومية ومدارس تابعة لوكالة الغوث الدولية.

ومن ضمن المدراس التي قصفها الجيش الإسرائيلي مؤخراً مدرسة مصطفى حافظ غرب مدينة غزة وأسفرت عن مقتل اثنتي عشرة ضحية وعشرات المصابين، وبعض الضحايا تحولوا إلى أشلاء، بعد أن تسبب القصف في انهيار سقف أحد مباني المدرسة التي كانت تؤوي قرابة 700 نازح غالبيتهم أطفال ونساء. إضافة إلى قصف مدرسة صلاح الدين في مدينة غزة وراح ضحيته 7 أشخاص و 15 جريحاً بينهم 10 أطفال، ومدرسة "دلال المغربي" في حي الشجاعية راح ضحيتها 15 شخصاً وأكثر من 29 مصاباً وفق الدفاع المدني الفلسطيني.

ويتهم الجيش الإسرائيلي، حركة حماس باستخدام هذه المؤسسات كقواعد لشن هجمات أو مراكز قيادة، الأمر الذي تنفيه الحركة بشدة.


شاهد أيضا

التعليقات مغلقة.