الهجرة الجماعية نحو إسبانيا تسائل الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأسر المغربية

 

لا يزال الصمت والهدوء يخيم على الأجواء الحكومية بعد أيام من هروب مئات الشباب والشابات نحو إسبانيا سباحة عبر المساحة البحرية الفاصلة بين المناطق الشمالية ومليلية، حسب ما تم تداوله من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي في مقاطع فيديو نشرت على نطاق واسع، الأمر الذي دفع العديد من الفعاليات إلى التساؤل عن الأسباب الرئيسية التي كانت وراء هذا “الهروب الجماعي” إلى أحد البلدان الأوروبية الأكثر استقطابا للمهاجرين غير الشرعيين.

 

 

واعتبر أساتذة باحثون في السياسة وخبراء في مجال الهجرة أن موجة الفرار التي شهدتها مناطق الشمال بالمغرب وخاصة مدينة الفنيدق لها عدة دلالات أبرزها “وجود أزمة اقتصادية واجتماعية حقيقية غير معلن عنها من طرف الحكومة”، في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها أغلب الأسر المغربية والمتمثلة في غلاء المواد الغذائية الأساسية والبترولية إضافة إلى الإجهاد المائي.

 

 

ولم تدل الحكومة المغربية بأي تصريح أو توضيح في هذا الموضوع، الذي خلف ردود أفعال متطابقة من طرف حقوقيين وسياسيين وأكاديميين، الذين حذروا من تفاقم الوضع بالمناطق التي تشهد ركودا اقتصاديا والذي قد يندر بحدوث أزمة سياسية غير منتظرة.

 

 

وقال منير اوخليفا، أستاذ باحث في القانون وعضو مؤسس لمركز الدراسات القانونية والقضائية والاجتماعية ومدير مجلة افريواطو للدراسات والأبحاث في قوانين الأعمال والاستثمار، إن “المغرب يشهد موجة من الغضب الشعبي بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية وخير دليل هو رغبة الشباب المغربي المغادرة وبأي طريقة ولو بالمجازفة بحياتهم، مشيرا إلى أن ما شهده المعبر الحدودي المؤدي للثغر المحتل وبطريقة غير قانونية دليل قاطع على تردي الأوضاع الاجتماعية وهو الأمر الذي يسائل الحكومة بعيدا عن لغة الخشب وأرقام الاستثمارات الكبرى وإن كانت مهمة جدا لكن لا ينعكس آثارها على المواطن”.

 

.
وأضاف أوخليفا، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن “المشهد المؤلم والمتمثل أساسا في انتشار البطالة وضعف القدرة الشرائية للمواطن والأسعار الملتهبة لجميع السلع والتي هي أسعار يمكن القول أنها أسعار تلائم فقط الدول التي يصل لديها الحد الأدنى في الأجر 14000 درهم ويصل معدل البطالة فيها ما بين 2 إلى 3 في المئة، أما والحال في المغرب الذي تقدر فيه البطالة ب 13 في المئة والحد الأدنى للأجور يكاد فقط يصل لـ3500 درهم فهنا يمكن القول أننا أمام أزمة اقتصادية واجتماعية حقيقية”.

 

 

وتابع المتحدث عينه أنه “نحن نعرف الإنسان المغربي يحب بلده حتى النخاع، لكن للأسف الفقر والهشاشة تدفع بالإنسان إلى ارتكاب جميع الحماقات والأخطاء من أجل البحث عن وضع أفضل”.

 

 

وأردف الأكاديمي أنه “كما يقال في المثل الشعبي المغربي “القط لا يهرب من دار العرس”، المغرب والحمد لله دولة الأمن والأمان، دولة بموقع استراتيجي مهم، دولة لها من الموارد ما يمكن أن يجعل المواطن المغربي في استقرار دائم، لكن التدابير الحكومية تؤكد بالملموس محدوديتها، ويمكن اعتبارها كسولة في ابتكار الحلول ومجتهدة في جلب الاستثمارات”.

 

 

وزاد: “لا يمكن لنا أن ننكر ما تتحقق على مستوى البنى التحتية، لكن بالمقابل نتأسف للجوانب ذات الطابع الاجتماعي، فالتنمية تفتقر لرؤية واستراتيجية واضحة تنطلق أساس من الاعتناء بالعنصر البشري الذي هو الرأسمال اللامادي لكل دولة، والاعتناء بهذا العنصر ينطلق من منظومة تعليمية عمومية هادفة ومتشبثة بالهوية المغربية، فالمهرجانات الضخمة التكاليف لن تبني عنصرا بشريا قادرا على العطاء بل تنتج فقط عنصر التفاهة”.

 

 

وأوضح أيضا أنه “من جانب آخر، يمكن القول أن مأزق هجرة الشباب تعاني منه بالأساس بلدان جنوب الصحراء وبلدان شمال افريقيا ضحية الاستعمار، وخاصة ضحية نخبها السياسية الفاسدة التي تعتبر عنوانا للفشل في كل شيء، لا تنمية ولا تعليم ولا اقتصاد ولا صحة ولا عدل”.

 

 

“لماذا مثلا لا نسمع أن من بين الشباب المهاجرين لا توجد جنسيات مثل بورندي أو جزر موريس أو حتى جنوب افريقيا؟ لأنها بلدان تسير في طريق النمو وبمنهجية دامجة لمختلف المكونات المجتمعية”، يضيف المتحدث.

 

 

وسجل الأستاذ الجامعي أن هذا “الموضوع حارق ومع الأسف حتى بلادنا لا تزال تعاني من ويلات هذا الإشكال”، مضيفا: “ليست هنالك سياسات دامجة للأجيال الصاعدة وليس هنالك بالنسبة للكادحين الطبقات العريضة الفقيرة أي أفق مقنع للمكوث ومعاناة العيش في مثل هذه البلدان التي في المجمل عبارة عن سجن كبير Une prison à ciel ouvert وأن أول فرصة تظهر لك سراب الهجرة ستنقض عليها”.

 

 

وشدد اوخليفا على أن “من يقول عكس هذا سواء كان من جهة الحكومة أو من الأحزاب والجمعيات سأقول له ببساطة أننا نرفع شعار التحدي والنزول للميدان لإجراء بحث ميداني شامل ومعمق وسنرى ونسمع العجب العجاب، فمما لاشك فيه أن الشباب العاطل لن يتوان في الرد والقول بصوت واحد أن الحل الوحيد المتبقي أمامه هو الهجرة ولو أن الأمر معقد وقد يكلف حياتهم”.

 

 

واستطرد أيضا: “إننا هنا لسنا بصدد الانتقاص من مجهودات الحكومة أو بصدد مزايدات وحسابات سياسية، فمن موقعنا الأكاديمي وأيضا من غيرتنا على بلد حبيب على قلوبنا، لابد من توضيح بعض النقط المهمة والمرتبطة بالاستراتيجية الحكومية في وضع برامج عديدة للإصلاحات، لكن للأسف الشديد ما يطبع هذه البرامج هو العشوائية والابتعاد عن مكامن الخلل”.

 

 

ويرى الأستاذ الباحث في القانون أن “أولى الأولويات هي مكافحة الفساد والريع، ماذا تحقق من هذا الورش الكبير والذي أصر جلالة الملك نصره الله في مجموعة من الخطب على ضرورة مكافحة الفساد انطلاقا من ربط المسؤولية بالحساب وتشديد العقاب، إن قراءتنا لبعض الوقائع المؤلمة حقا تحيل إلى أن أخطبوط الفساد يصعب محاربته وأن أكباش الفداء لا تعتبر مقياسا لنجاح ورش محاربة الفساد والتدبير العشوائي للشأن العام، وخير دليل على قولي واقعة المستشفى الإقليمي بتازة وما تلاها من أحداث وأحكام مقارنة مع الأحكام الصادرة في الوقائع التي تم تكييفها على أنها ضمن جرائم التشهير”.

 

 

وأشار المحلل السياسي إلى أنه “طبعا نثمن ما حققته الحكومة على مستوى البنى التحتية، على مستوى الأوراش الكبرى المرتبطة بالاستثمارات الضخمة والتي زينت وحسنت صورة المغرب بالمقارنة مع دول الجوار، لكن من حقنا أن ننتقد ضعف الحكومة عن تقديم الإصلاحات العميقة وذات الأولوية والتي سيتضح آثارها على جميع المواطنين وبالتالي ضمان إيجاد حلول ناجعة للبطالة ولإشكالية تحسين الدخل الفردي للمواطن المغربي، لأن هذا الأمر سيعطي جرعة أمل للشباب المغربي من أجل الإدماج الاجتماعي”.

 

 

وخلص اوخليفا حديثه قائلا: “لن يتأتى ذلك إلا بوضع سياسة حكومية تعتمد وكما أشرت إليه على سياسة دامجة فعلية لهذا الشباب المتهافت على الهجرة غير النظامية وحتى النظامية فكم من كفاءات علمية هاجرت وضاع المغرب فيها رغم أن الدولة أنفقت ميزانيات ضخمة على تكوينهم، وهذا مؤشر واضح على فشل السياسات الدامجة لجميع الحكومات المتعاقبة”.

 

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق