منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش في أواخر التسعينيات، طرأت على السياسة الاقتصادية تحولات جذرية وعميقة، وذلك بفضل الاستراتيجيات القطاعية التي فكت الحصار على الاقتصاد المغربي، وعززت قدراته ومناعته ضد الصدمات الخارجية، في ظل الأزمات التي شهدها العالم، أبرزها أزمة سنة 2008، إذ نجحت البلاد في تحقيق معدل نمو في حدود 4.5 في المائة ما بين السنة ذاتها و2013.
ولعل هذه الاستراتيجيات النوعية التي جاء بها الملك محمد السادس في عهد حكمه للمملكة المغربية المبنية على الاستهلاك والاستثمار والتنوع، أصبحت في مثابة مصل ضد التقلبات الاقتصادية التي أضفت بثقلها على العالم، والأداء الاقتصادي الجيد الذي جاء نتيجة عدة صناعات حديثة منذ سنة 2014.
ونهج المغرب سياسة الاستراتيجيات والمخططات القطاعية بداية بصناعة السيارات وبناء الموانئ الكبرى والسدود وإنشاء خطوط جديدة للسيار على الصعيد الوطني إضافة إلى تشييد محطات لتحلية مياه البحر لمواجهة تحديات المناخ، والاستثمار في الطاقات المتجددة عن طريق وضع محطات طاقية في الأقاليم الجنوبية، على غرار المبادرات التي لها طابع سوسيو اقتصادي كمبادرة التنمية البشرية.
قال رشيد الساري، رئيس المركز الافريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة، إن “الأكيد أن اليوم نخلد الذكرى الفضية الخامسة والعشرين لتربع الملك محمد السادس على العرش المجيد، ولابد أن نستغل هذه المناسبة بتسجيل الانجازات التي طبعت هذه المرحلة والتي أعطت أكلها في العديد من القطاعات سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية”.
وأضاف الساري، في تصريح لـ”الأيام 24″، أنه “منذ تولي الملك محمد السادس زمام حكم المملكة الشريفة بدأ المغرب يشتغل بناء على استراتيجيات متعددة المدى، ونذكر أبرزها الاستراتيجية الصناعية المغربية 2014 و2019 المتعلقة بصناعة السيارات، حيث تجاوزنا مجموعة من الصعوبات للوصول إلى أهداف تمينة”، مشيرا إلى أن “قيمة الصادرات دليل قاطع على ذلك إذ تجاوزت سقف 141 مليار درهم وفي أفق 2026 ستصل إلى 190 مليار درهم”.
وتابع المتحدث عينه أنه “هناك استراتيجية أخرى تتعلق باستراتيجية الموانئ، إذ أصبحت المملكة المغربية تعتمد على إنشاء موانئ ضخمة مثال ميناء طنجة المتوسط الذي أصبح من بين أفضل الموانئ العالمية، زيادة إلى ميناء الداخلة الأطلسي وكيف يربط بين دول الساحل الإفريقي بجميع دول العالم وخاصة الأوروبية”، مضيفا أنه “هناك ميناء الناظور والغرب المتوسطي الذي يربط بين المغرب والخليج العربي ودول المغرب الكبير والذي سيساهم في توطيد العلاقات مع الدول الآسيوية”.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أنه “كانت هناك مجموعة من الاكراهات التي عاشها المغرب فيما يتعلق بالتغيرات المناخية، حيث تم وضع اليوم استراتيجيات عديدة حيث خصصت لإستراتيجية الماء 2022 -2027 ميزانية 142 مليار درهم تتعلق ببناء السدود والطريق السيار المائي ومعالجة المياه العادمة وتحلية مياه البحر”.
وأردف أيضا أن “المغرب أصبح بلدا واعدا في مجال الطاقات المتجددة وأيضا المجال الرقمي، حيث تعتبر المملكة في عهد الملك محمد السادس مملكة الاستراتيجيات المتقدمة، إذ وجب علينا الإشارة أيضا إلى تطور البنيات التحتية ومن أبرز المشاريع التي تم تدشينها الطريق السيار الذي سيصل في 2030 إلى 3000 كيلو متر، إضافة إلى ربط الأقاليم الجنوبية العزيزة بطريق سيار سريع يربط بين تزنيت والداخلة”.
وزاد: “هناك استثمارات كبيرة في مجال الهيدروجين الأخضر حيث أصبح المغرب من الدول الرائدة والتي تعمل على تطوير المشاريع المرتبطة بهذه الطاقة الجديدة والتي تحظى بأهمية قصوى داخل المنتظم الدولي، وأن المكتب الشريف للفوسفاط يستثمر حوالي 140 مليار درهم لإنتاج الأسمدة والأمونياك الصديق للبيئة”.
وأكد رئيس المركز الافريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة أنه “من الناحية الاجتماعية الملك محمد السادس كانت له نظرة حكيمة خاصة بعد مبادرة التنمية البشرية التي وصلت إلى مرحلتها الثالثة 2019 – 2023 التي خصصت لها حوالي 43 مليار درهم، حيث كانت لها أدوارا مهمة في تنمية العامل البشري وأيضا النهوض بالاقتصاد الاجتماعي القروي”.
وأوضح المتحدث أن “ورش الحماية الاجتماعية أعطى صورة متفردة للمملكة المغربية رغم الكلفة المالية الضخمة التي تصل إلى 51 مليار درهم كل سنة، إذ عمل المغرب على تخفيض من نسبة الهشاشة والفقر وتحقيق العدالة المجالية وتوفير ظروف العيش الكريم”.
“للإشارة فقط لاحظنا أن المغرب كباقي دول العالم مر من أزمات عدة منها اقتصادية واجتماعية لكن تجاوزها بكل عقلانية بفعل الرؤية المتبصرة للملك محمد السادس، وخير دليل جائحة كورونا التي تم التعامل معها بحكمة، علما أن المغرب كان من بين الدول التي وفرت اللقاحات للمواطنين المغاربة”، يضيف المتحدث.
وخلص الساري حديثه قائلا: “لا يجب الإغفال عن نقطة مهمة وهي مدن الكفاءات التي ستساهم في اقلاع العنصر البشري المكون لانجاح المشاريع الصناعية التي تعطي إضافة مهمة للاقتصاد الوطني، وأن الدينامية الحالية التي اختارها المغرب يسير بها نحو الطريق الصحيح”.