تسلَّم طارق بن سالم، رسميا، أول أمس الثلاثاء، مهامه على رأس الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي خلفا لمواطنه الطيب بكوش، الذي انتهت ولايته قبل عام، حاول على امتداد سنواتها الثمانية، الدفع بمبادرات لانتشال هذا التكتل المغاربي من أزماته، لكن محاولاته باءت كلها بالفشل، خاصة بعد تصاعد خلافه مع الجزائر، إثر تعيين المغربية أمينة سلمان ممثلة دائمة للاتحاد لدى الاتحاد الإفريقي عام 2023، ومطالبته الجار المغاربي بسداد ما بذمته لدى المنظمة التي تتخذ من العاصمة الرباط مقرا لها.
ويعوَّل على التونسي بن سالم لتحريك المياه الراكدة وإخراج المنظمة المغاربية من مرحلة الموت السريري التي دخلتها منذ عقود، خاصة أن الرجل يعتبر ابن الدار، فقد سبق أن ترأس قسما بإدارة اتحاد المغرب العربي وكان مكلفا داخله بملف العلاقات مع المغرب وموريتانيا بين عامي 1991و1992، كما أنه خبر دهاليز الدبلوماسية ويجر وراءه مسارا طويلا من العمل تقلد خلاله عدة مناصب، أبرزها سفير تونس لدى روسيا منذ عام 2019، وسفير تونس لدى مالي وبوركينافاسو والنيجر في الفترة الممتدة بين عامي 2011 و2015.
مهمة صعبة
وعن الانتظارات المعلقة على الأمين العام الجديد لاتحاد المغرب العربي، قال عبد الحفيظ ولعلو نائب رئيس المعهد المغربي للدراسات الدولية، إن طارق بن سالم “سيكون أمام وضعية صعبة من أجل رص الصف وتغيير الوضع القائم والمتأزم منذ سنوات داخل البيت المغاربي، بالنظر إلى مجموعة من العراقيل التي تقف وراءها الجزائر، بفعل تعنتها ومناوراتها ضد الوحدة الترابية للمملكة المغربية”.
وسجل ولعلو في تصريح لـ”الأيام 24″ أن “الطيب بكوش كان قاب قوسين أو أدنى من أن ينجح في مهامه نظرا لما يتمتع به من خبرة دبلوماسية وحنكة سياسية، لكن المشاكل التي صادفته لم تشجعه على المضي قدما في مسؤولياته، ودفعته في أكثر من مناسبة إلى إعلان رغبته في الرحيل عن الأمانة العامة لأنه كان مكتوف الأيدي، خاصة في ظل استمرار إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر”.
ولفت الباحث في العلاقات الدولية إلى الكلفة الاقتصادية الباهضة نتيجة تعطيل عمل الاتحاد المغاربي، وأكد أن “الجميع ينتظر بعث هذا المغرب العربي، والمغاربيون كلهم يترقبون إعادة إحيائه ليلعب دوره على مستوى تعزيز التعاون الاقصادي والتجاري والثقافي بين أضلاعه الخمسة في المنطقة المتوسطية”، متابعا: “وبالدرجة نفسها، نأمل أن تراجع الجزائر مواقفها العدائية من المغرب، وكذلك تونس التي مع الأسف انساقت وراءها عندما استقبل رئيسها قيس سعيد زعيم “البوليساريو” على هامش اجتماع القمة اليابانية الإفريقية”.
وبخصوص الذي ينبغي على بن سالم القيام به لإصلاح ذات البين بين الأشقاء المغاربيين وبالتالي النجاح في ما أخفق فيه سلفه البكوش، قال ولعلو إنه مطالب في المقام الأول بالمبادرة إلى رأب الصدع بين المغرب والجزائر، علاوة على اقتراح مراجعة ميثاق المغرب العربي الذي تم توقيعه في مراكش عام 1989، بما يضمن التنصيص بحزم على احترام الوحدة الترابية لأطرافه، موضحا أن “العالم تغير اليوم وإفريقيا باتت من بين أولويات المغرب وياقي الدول المغاربية، كما أن الجميع يرغب في بناء شراكات مع دول عظمى كالصين والهند والولايات المتحدة الأمريكية، زد على ذلك التحديات الكبرى المفروضة في علاقة هذه الدول المغاربية بالبلدان الأوروبية”.
آمال عريضة
الخبير في الشؤون المغاربية الداه يعقوب، علق على هذا الموضوع قائلا إن “آمال عريضة معلقة على الأمين العام الجديد لاتحاد المغرب العربي في تفعيل الاتحاد الكبير الجامد، وذلك من خلال زيارة من عواصم البلدان الخمسة ومحاولة تفعيل هذا الاتحاد بإحياء شراكات اقتصادية، وإقرار تفاهمات سياسية وجيو سياسية”.
وأبرز يعقوب في تصريح لـ”الأيام 24″ أن “المنطقة المغاربية تهددها مخاطر كبيرة، على رأسها الإرهاب وخطر الجماعات المتطرفة، إلى جانب الوضع المضطرب جدا في ليبيا والمد والجزر بين فاغنر والولايات المتحدة الأمركية وتلاشي النفوذ الفرنسي في دول الجوار المغاربي”، وهي عوامل كلها تستدعي الاتحاد بدل الفرقة بحسبه.
وأشار المحلل السياسي الموريتاني المقيم في واشنطن إلى أنه ينبغي على الأمين العام الجديد التفكير في عقد لقاءات وتقديم مبادرات جديدة لخلق ديناميكية على هذا المستوى في اتجاه تحضير التكتل المغاربي ليكون متواجدا بقوة في هذا الوقت الراهن الموسوم بتقلبات عالمية مستمرة”.
وذكر الداه يعقوب أن “المغرب أصبح قبلة اقتصادية كبيرة للولايات المتحدة الأمريكية وعددا من دول العالم الرائدة، وهو الأمر الذي يحتاج فعليا إلى إقامة شراكات مغاربية وتوطيد العمل داخل دهاليز الاتحاد المغاربي من أجل حراك تنموي واقتصادي وسياسي موحد أمام جميع التحديات”.