هل أخطأت المحكمة الدستورية بتعويض المقعد البرلماني عن دائرة فاس الجنوبية بدل الدعوة لانتخابات جزئية؟

 

محمد بلخشاف

باحث في سلك الماستر- تخصص القانون العام والعلوم السياسية

 

 

يتساءل كثيرون حول مآل مقعد السيد رشيد الفايق البرلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار عن دائرة فاس الجنوبية، بعدما صدر في حقه حكم قضائي بالإدانة بـ 8 سنوات سجنا نافذا، ولماذا لم تنظم انتخابات جزئية بخصوصه؟ ولماذا ذهبت المحكمة الدستورية إلى مسطرة التعويض عوض التصريح بانتخابات جزئية؟؟ وهل هناك سند قانوني للتصريح بشغور مقعد السيد عبد السلام البقالي عن الحزب نفسه، الذي عوض زميله رشيد الفايق؟

 

للإجابة عن هذه الأسئلة، سنحاول الغوص في بعض المقتضيات القانونية المنظمة لمسطرة إعلان الشغور، وقرارات المحكمة الدستورية وتناولها بالتفصيل والتحليل.

 

أصدرت المحكمة الدستورية بتاريخ 30 يناير 2024 القرار رقم 273/23، والذي جاء فيه:

 

بعد اطلاعها على الرسالة المسجلة بأمانتها العامة في 26 ديسمبر 2023، التي يطلب فيها السيد رئيس مجلس النواب من المحكمة الدستورية تجريد النائب السيد رشيد الفايق من عضوية مجلس النواب، بناء على قرار مكتب المجلس المثبت لغيابه لمدة سنة تشريعية كاملة دون عذر مقبول، وذلك تطبيقا لمقتضيات المادة 12 المكررة من القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، كما وقع تغييره وتتميمه؛

حيث إن المادة 12 المكررة من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب المشار إليه أعلاه، تنص في فقرتيها الثالثة والأخيرة على أنه: “يجرد كل نائب تغيب سنة تشريعية كاملة عن حضور أشغال مجلس النواب دون عذر مقبول. تصرح المحكمة الدستورية بشغور المقعد الذي يشغله المعني بالأمر بناء على إحالة من رئيس مجلس النواب وفق أحكام الفصل 61 من الدستور.”؛

 

تصرح بتجريد السيد رشيد الفايق المنتخب عن الدائرة الانتخابية المحلية “فاس الجنوبية” (عمالة فاس) من عضويته بمجلس النواب، وبشغور المقعد الذي كان يشغله مع دعوة المترشح الذي يرد اسمه مباشرة في لائحة الترشيح المعنية لشغل هذا المقعد وفق مقتضيات المادة 90 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب؛

 

فلماذا اختار رئيس مجلس النواب إحالة النائب المعنى على المحكمة الدستورية بناء على المادة 12 مكرر من القانون التنظيمي لمجلس النواب رقم 27.11 عوض المادة 91 من نفس القانون التنظيمي؟؟

 

تجدر الاشارة أولا إلى أن النائب المعني بالتجريد من صفته، صدر في حقه حكم قضائي في يونيو الماضي قضت فيه غرفة الجنايات الإستئنافية المكلفة بالبت في الجرائم المالية بمحكمة الاستئناف بفاس بمراجعة الحكم الابتدائي الصادر في حقه، وذلك برفع العقوبة من 6 سنوات إلى 8 سنوات سجنا نافذا.

وعلى الرغم من هذا المعطى الذي أمامنا والذي بموجبه يكون السيد رشيد الفايق فاقدا للأهلية الانتخابية بعد صدور هذا الحكم في حقه، وبالتالي يجب أن يجرد من صفته والدعوة لإنتخابات جزئية لملأ المقعد الشاغر حسب مقتضيات المادة 91 من القانون التنظيمي لمجلس النواب رقم 27.11.

وهو الأمر الذي لم يسلكه رئيس مجلس النواب حيث ورد في قرار المحكمة الدستورية أن الرسالة المسجلة بأمانتها العامة في 26 ديسمبر 2023، طلب فيها السيد رئيس مجلس النواب من المحكمة الدستورية تجريد النائب السيد رشيد الفايق من عضوية مجلس النواب، بناء على قرار مكتب المجلس المثبت لغيابه لمدة سنة تشريعية كاملة دون عذر مقبول، وذلك تطبيقا لمقتضيات المادة 12 المكررة من القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، وبالتالي كان القرار هو دعوة المترشح الذي يرد اسمه مباشرة في لائحة الترشيح المعنية لشغل هذا المقعد وفق مقتضيات المادة 90 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب.

 

ألا يعلم رئيس مجلس النواب المنتمي لنفس الحزب الذي ينتمي إليه البرلماني الفاقد للأهلية الانتخابية بموجب المادة 91 من القانون التنظيمي 27.11 بأن زميله في الحزب صدر في حقه حكم قضائي بالسجن النافذ لمدة 8 سنوات؟ ألا يعلم لماذا تغيب أكثر من سنة عن أشغال البرلمان؟

إن تحريك الإحالة للمحكمة الدستورية بناء على المادة 12، يجعلنا نتسائل: هل كانت غاية رئيس مجلس النواب من خلال ذلك محافظة حزبه على المقعد البرلماني، وبالتالي عوض أن يحيله على أساس فقدانه للأهلية الانتخابية، بحث عن مخرج للأزمة واستعمل المادة 12 التي تبقى المقعد لنفس الحزب؟

وحتى لو أن المعني بالأمر استأنف الحكم الصادر في حقه أمام محكمة النقض وهذا من حقه، فإننا في النهاية أمام حكم قضائي نهائي، صادر عن غرفة الجنايات الإستئنافية المكلفة بالبت في الجرائم المالية بمحكمة الاستئناف بفاس قضى بمراجعة الحكم الابتدائي الصادر في حقه، وذلك برفع العقوبة من 6 سنوات إلى 8 سنوات سجنا نافذا.

 

من الناحية الأخلاقية، كان لزاما على رئيس مجلس النواب بصفته جهة إحالة في هذه القضية أن يبني طلبه بتجريد العضوية على المادة 91 وليس 12.

أما فيما يخص الشخص الذي يرد إسمه مباشرة في لائحة الترشيح المعنية، والذي دعته المحكمة الدستورية لشغل هذا المقعد وهو السيد عبد السلام البقالي عمدة مدينة، فإنه بدوره يكون في وضعية تنافي مع العضوية في مجلس النواب حسب المادة 14 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب 27.11.

 

ألم تنتبه المحكمة الدستورية إلى هذا الأمر لما أوردت في قرارها الشخص الذي يليه ولم تشر إلى أنه هو بدوره يوجد في حالة تنافي، وبالتالي تستحيل إمكانية شغله للمقعد وعليه تدعوا مباشرة الشخص الذي يليه من نفس اللائحة المعنية؟

 

ألم يكن على المحكمة الدستورية التحقق من توفر الشروط في الشخص الذي سيشغل المقعد لتدعوه مباشرة، لأنها تعلم جيدا بأن قراراتها غير قابلة للطعن وملزمة للجميع حسب الفقرة الأخيرة من الفصل 134 من الدستور، وهذا يعني أن قرارها المتمثل في دعوة السيد عبد السلام البقالي لشغل المقعد الشاغر قرار ملزم للجميع وغير قابل للطعن؟

 

 

وبعد هذا القرار السالف الذكر، أصدرت المحكمة الدستورية بتاريخ 28 مارس 2024 القرار رقم 235/24 والمتعلق بتجريد عضوية السيد عبد السلام البقالي من عضوية مجلس النواب بناء على اطلاعها على الرسالة المسجلة بأمانتها العامة في 21 مارس 2024، المحالة إليها من لدن السيد رئيس مجلس النواب، والتي يحيط فيها المحكمة الدستورية علما بأن السيد عبد السلام البقالي عضو مجلس النواب، قدم استقالته من عضوية هذا المجلس؛
وصرحت بشغور المقعد الذي كان يشغله السيد عبد السلام البقالي، المنتخب عضوا بمجلس النواب، وبدعوة المترشح الذي يرد اسمه مباشرة في لائحة الترشيح المعنية بعد آخر منتخب في نفس اللائحة لشغل المقعد الشاغر، طبقا لأحكام المادة 90 من القانون التنظيمي لمجلس النواب؛

 

 

هل فعلا المادة 90 التي استندت عليها المحكمة الدستورية في قرارها هذا تتضمن حالة الإستقالة؟

 

إن قرار المحكمة الدستورية لا يتأسس على أي مرتكز قانوني في نطاق الضوابط المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 90 من ذات القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، الأمر الذي يجعل القرار من ناحية منطوقه ينبني من الناحية الواقعية على فراغ، لأن الفقرة الأولى من المادة 90 تقرر بوضوح أن اللجوء إلى دعوة المترشح الذي يرد اسمه مباشرة في لائحة الترشيح المعنية بعد آخر منتخب في نفس اللائحة من أجل شغل المقعد الشاعر، يتم في حالة تحقق حالة من الحالات الحصرية التالية:

 

1 – إذا ألغيت جزئيا نتائج اقتراع من قبل المحكمة الدستورية وأبطل انتخاب نائب أو عدة نواب.

 

2 – حالة الوفاة.

3 – إعلان إقالة نائب لأي سبب من الأسباب.

4 – حالة تجريد نائب من عضويته بسبب التخلي عن انتمائه للحزب السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو عن الفريق أو عن المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها.

5 – التجريد لأي سبب آخر غير فقدان الأهلية الانتخابية.

6 – حالة شغور مقعد بسبب تعيين النائب المعني بصفة عضو في الحكومة.

إذن، من الواضح بخصوص هذه الحالات الحصرية الموجبة لتطبيق مسطرة التعويض، هو أن حالة الاستقالة لا تعتبر من مشمولات الفقرة الأولى من المادة 90، ولعدم ورود حالة الاستقالة ضمن مشمولات المادة 90، فإن هذا الإغفال يجعل القرار رقم 235/24غير مرتكز على أي سند قانوني.

 

وسنحاول أن نسرد مضامين المادة 91 من القانون التنظيمي 27.11 كذلك لكي نتأكد هل تنص على حالة الاستقالة أم لا؟

المادة 91 تنص على التالي:

 

“تباشر انتخابات جزئية في الحالات التالية:

1 – إذا لم يتأت إجراء العمليات الانتخابية أو إنهاؤها إما لعدم وجود ترشيحات أو امتناع جميع الناخبين عن التصويت أو لأي سبب آخر.
2 – إذا لم تحصل أية لائحة، على الأقل، على نسبة الأصوات المطلوبة للمشاركة في عملية توزيع المقاعد في الدائرة الانتخابية المعنية.
3 – إذا ألغيت نتائج الاقتراع كليا.
4 – إذا أمرت المحكمة الدستورية بتنظيم انتخابات جديدة على إثر إبطال انتخاب نائب أو عدة نواب.
5 – إذا قررت المحكمة الدستورية تجريد عضو من عضويته بسبب فقدانه للأهلية الانتخابية.
6 – إذا تعذر تطبيق أحكام المادة 90 أعلاه”.

 

بعد هذا العرض لمحتويات المادة 91، يتبين أن مقتضياتها لا علاقة لها بمسطرة التعويض، لكون المادة تقتصر فقط على تعداد الحالات الحصرية التي يترتب عن تحقق واحدة منها، وجوب إجراء انتخابات جزئية، وشتان بين مسطرة التعويض المنصوص عليها في المادة 90 ووجوب إجراءات انتخابات جزئية على النحو المحدد في المادة 91.

 

وتأسيسا على كل ما سبق، يتبين بأن حالة الاستقالة لا تندرج في إطار المادة 90 المتعلقة بالحالات الخاصة التي ينجر عن تفعيلها تطبيق مسطرة التعويض؛ كما أنها لا تنضوي في نطاق المادة 91 المتعلقة بالحالات التي يتولد عن تطبيقها وجوب إجراء انتخابات جزئية.

 

وبما أن المسألة المعروضة على المحكمة الدستورية لا يوجد بشأنها نص تشريعي، فإنه كما هو معلوم لا يجوز مطلقا تكملة النقص الحاصل في النص القانوني، لأن الواجب في مثل هذه الوضعية هو التقرير بعدم صلاحية البت في النازلة، على أساس أنه لا يوجد في الدستور ولا في القوانين التنظيمية، ما يرخص للمحكمة الدستورية الحلول محل المشرع من أجل تكملة النقص الحاصل في التشريع.

 

وتجذر الاشارة إلى أن المحكمة الدستورية ذهبت في نفس الإتجاه في القرار رقم 218/23 المتعلق بإستقالة السيد الصغير بابور الذي ينتمي للدائرة الإنتخابة سطات، حيث إستندت فيه على المادة 90 من أجل الإعلان عن شغور المقعد مع دعوة الشخص الذي يرد إسمه مباشرة في اللائحة المعنية، وهذا ما يستحيل استحالة تامة اذا ما بحثنا في مقتضيات المادة 90 المستند عليها في التصريح بشغور المقعد وتعويضه.

 

ختاما، يجب على المحكمة الدستورية أن تنتبه إلى هذا الفراغ القانوني وإلى هذا اللبس الحاصل، وأن تصرح في مثل هذه الحالات بعدم إمكانية البت لعدم وجود سند قانوني يخول لها النظر في حالة الاستقالة.

مقالات مرتبطة :
تعليقات الزوار
  1. فاسي

    القضاء في المغرب غير نزيه و غير مستقل بالفعل و يخضع لضغوطات التحكم و لوبيات الفساد السياسي

  2. طالب باحث مهتم

    أشكر الطالب الباحث على إثارة هذا الموضوع المتعلق بنازلة تعويض المقعد البرلماني عن دائرة فاس من طرف المحكمة الدستورية. ونلفت انتباه الطالب والمهتمين إلى أن الموضوع قد تناوله الأستاذ الفقيه مصطفى قلوش في إحدى مقالاته النعنونة “أعضاء المجلس الدستوري وإشكالية استقالة السيد ميلود الشعبي” بتاريخ 6 مارس 2015 بجريدة هسبريس. حيث أنه أول من وضع القاعدة التي تقول أنه في غياب نص تشريعي يشير إلى حالة الإستقالة كما هو الشأن للمواد 90 و91 من القانون التنظيمي لمجلس النواب، يتعين على المحكمة الدستورية التقرير بعدم صلاحية البث في النازلة، على أساس أنه لا يوجد في الدستور ولا في القوانين التنظيمية ما يرخص لها الحلول محل المشرع من أجل تكملة النقص الحاصل في التشرع. ويجب على المحكمة الدستورية أن تنتبه إلى هذا الفراغ القانوني وإلى هذا اللبس. الحاصل.
    وبناءا على ما سبق ذكره يتعين على صاحب المقال الإشارة إلى صاحب أول من أشار إلى هذا التأصيل الفقهي الأستاذ الفاضل مصطفى قلوش، وذلك توخيا للحفاظ على الأمانة العلمية.

  3. طالب باحث مهتم

    أشكر الطالب الباحث على إثارة هذا الموضوع المتعلق بنازلة تعويض المقعد البرلماني عن دائرة فاس من طرف المحكمة الدستورية. ونلفت انتباه الطالب والمهتمين إلى أن الموضوع قد تناوله الأستاذ الفقيه مصطفى قلوش في إحدى مقالاته المعنونة “أعضاء المجلس الدستوري وإشكالية استقالة السيد ميلود الشعبي” بتاريخ 6 مارس 2015 بجريدة هسبريس. حيث أنه أول من وضع القاعدة التي تقول أنه في غياب نص تشريعي يشير إلى حالة الإستقالة كما هو الشأن للمواد 90 و91 من القانون التنظيمي لمجلس النواب، يتعين على المحكمة الدستورية التقرير بعدم صلاحية البث في النازلة، على أساس أنه لا يوجد في الدستور ولا في القوانين التنظيمية ما يرخص لها الحلول محل المشرع من أجل تكملة النقص الحاصل في التشريع. ويجب على المحكمة الدستورية أن تنتبه إلى هذا الفراغ القانوني وإلى هذا اللبس الحاصل.
    وبناءا على ما سبق ذكره يتعين على صاحب المقال الإشارة إلى صاحب أول من أشار إلى هذا التأصيل الفقهي الأستاذ الفاضل مصطفى قلوش، وذلك توخيا للحفاظ على الأمانة العلمية.

اترك تعليق