تضع موريتانيا رجلا في الرباط وأخرى في الجزائر، عبر نهج سياسة مسك العصا من الوسط في ظل تجاذباتٍ أقوى، بحكم لعنة الجغرافيا التي جعلتها بجوار العملاقين المتصارعين في المنطقة المغاربية، حيث استطاعت نواكشط ضبط تحركها الدبلوماسي في اتجاه المغرب والجزائر. بدليل غيابها “غير المبرر” شهر دجنبر الماضي، عن أشغال الاجتماع التنسيقي الأول، في مراكش، للمبادرة المغربية حول تسهيل ولوج دول الساحل إلى الواجهة الأطلسية. وما تلاه من قرار مضاعفة الرسوم الجمركية على الخضر والفواكه القادمة من المغرب، ما فسر وقتها بأنها “حرباً اقتصادية” على الرباط.
تكهنات بانبعاث أزمة جديدة قد تضرب مفاصل العلاقات المغربية الموريتانية، تزامنت مع الحركية النشيطة في الجبهة الأخرى بين نواكشط والجزائر عبر بتبادل الزيارات رفيعة المستوى تخلّلها تدشين مشاريع استراتيجية على الحدود بين البلدين؛ معبر حدودي ومنطقة للتجارة الحرّة، وطريق برّي (تندوف – الزويرات)، وافتتاح أول فرع لبنك حكومي.
تكهّنات بدّدتها موريتانيا، بعد تحفظ الرئيس ولد الغزواني؛ رغم وجوده في الجزائر، عن المشاركة، مطلع شهرهذا الشهر، في الاجتماع الثلاثي؛ الجزائري التونسي الليبي، لـ”تنسيق أطر الشراكة والتعاون” ما اعتبر رسالة واضحة المغزى مفادها أن سعي الدبلوماسية الموريتانية إلى علاقات ثنائية جيدة مع الجزائر لا يعني بالضرورة الانتماء إلى حلف أو محور.
ومما يؤكد، وفق محللين التزام نواكشوط بسياسة النأي بالنفس عن أي تنافسٍ محتدم بين الجيران زيارة ممثل الدبلوماسية الموريتانية الرباط، أواخر يناير الماضي، في أعقاب عودته من الجزائر، حيث أعلن العزم على حلّ الخلافات العالقة لما فيه مصلحة الطرفين.
أمواج الدبلوماسية العاتية المصحوبة بأزمات وتوترات متصاعدة في المنطقة. تحاول معها بلاد شنقيط مراجعة سياستها، فسعت الدبلوماسية الموريتانية إلى القطيعة مع حقبة الانكفاء الذاتي لصالح الاضطلاع بأدوار محورية، وبأسلوبٍ ناعمٍ قوامه المشاركة والفعل والتأثير، في نطاقٍ جغرافيٍّ ممتدٍّ على جبهات متعدّدة (المغاربية والساحل والصحراء) بات يستأثر باهتمام القوى الكبرى والصاعدة على حد سواء.