فنجان 2024
لا شك أن الفتور والاعتياد قد تسربا إلى الجماهير التي نزفت قلوبها دماً أمام المجازر الوحشية بغزة، ولكن الشارع العربي الإسلامي الإنساني قد نفض عنه الغبار، وإذا كانت القيم الكونية الرشيدة صنوا للتنمية، فلا يجب أن نكيل بمكيالين. تبعنا الغرب عندما هاجمت روسيا أوكرانيا، وتحملنا التضخم والزيادات في المواد الأساسية، فكيف نصدقه وقد موّل وبارك حرب إبادة جماعية أُسقط فيها على رقعة لا تتجاوز 360 كلم ما لم يسبق أن سقط من القنابل والمتفجرات على مثلها في التاريخ.
طوينا سنة 2023 دون أن يطوى واحد من أكبر الاعتداءات الوحشية على المدنيين والعزل والأطفال في غزة، من طرف جيش حكومة متغطرسة هي الأكثر تطرفا في تاريخ الكيان الصهيوني. عموما، الثمن باهظ جدّا ويكاد يصل إلى مائة ألف ما بين قتيل وجريح، وجل الغزيات والغزيين هجروا بيوتهم تقريبا، والقطاع عبارة عن ديكور فيلم دمار حربي، إلا أن خسائر إسرائيل لحد الآن أكبر. فلم يسبق أن لحق بها في كل حروبها السابقة من الهزائم والانقسامات والأزمات ما تعيشه اليوم، سواء تعلق الأمر بالجانب العسكري أو الاقتصادي أو المالي أو السياسي.
الجبهات اليوم متعددة، في اليمن والعراق وسوريا وجنوب لبنان. ولكن لا أعتقد أن حربا شاملة يمكن أن تعقب هذا الدمار، فإيران وحدها التي تملك توازن الرعب مع الصهاينة تسير دائما على خيط رفيع يميز ما بين العداء الإيديولوجي والمصالح الاستراتيجية، ولذلك فهي تناوش وتضايق وتساند ولا تحارب، ولم تفعل هذا من قبل، ما يجعل البون شاسعا بين مستوى خطابها الأشد تطرفا اتجاه إسرائيل بتشكيكه في شرعية وجودها وبين الفعل، ولهذا يبقى المعوّل عليه في نهاية المطاف هو أمريكا. والتناقض اليوم صدر إلى البيت الأبيض ما بين الحق في ما يسمونه بالدفاع عن النفس وإن تحول إلى إبادة جماعية، وما بين تصرفات حكومة خرقاء لم تستطع حاميتها واشنطن لجم جماحها، وآخر المحاولات يقوم بها بلينكن هذه الأيام خلال زيارته المكوكية للمنطقة.
إن وقف إطلاق النار آت لا ريب فيه، وعندما يحصل، فإسرائيل تعرف أنه سيكون عنوانا لانتصار فلسطيني بامتياز. فقد عادت القضية الفلسطينية للواجهة، والأكيد أن طوفان الأقصى سيذهب بريح هذه الحكومة الإسرائيلية الإرهابية، وستكون هناك فرصة لتوحيد الصف الفلسطيني وإعادة قطار محادثات السلام إلى سكته، وإلا فإن أمر هذه الحرب سيصبح دوامة لن ينقرض فيها الفلسطينيون ولن ينعم فيها الإسرائيليون بالطمأنينة، والأخطر هو أنها ستظل منطقة مشتعلة قابلة للانفجار في أية لحظة لتكون بؤرة حرب عالمية ثالثة، لا قدر الله.
لا شك أن الفتور والاعتياد قد تسربا إلى الجماهير التي نزفت قلوبها دماً أمام المجازر الوحشية بغزة، ولكن الشارع العربي الإسلامي الإنساني قد نفض عنه الغبار، وإذا كانت القيم الكونية الرشيدة صنوا للتنمية، فلا يجب أن نكيل بمكيالين. تبعنا الغرب عندما هاجمت روسيا أوكرانيا، وتحملنا التضخم والزيادات في المواد الأساسية، فكيف نصدقه وقد موّل وبارك حرب إبادة جماعية أُسقط فيها على رقعة لا تتجاوز 360 كلم ما لم يسبق أن سقط من القنابل والمتفجرات على مثلها في التاريخ.
نحن في الرباط سنحول عموما البوصلة نحو الجنوب، هناك حيث انطلاق نهائيات كأس إفريقيا والمغرب يدخلها بمسؤولية المرشح الأول، فكل العبء سيكون على المنتخب الوطني، لأن الرهان كبير، ودون الكأس لن ترضى على الرگراگي الجماهير. وهذه التظاهرة ليست ترفيها فقط، لقد جعل المغرب من كرة القدم ركيزة للنفوذ والقوة الناعمة، وأعتقد أن ما قدمه المنتخب الوطني في قطر عندما حل رابعا في كأس العالم لم تقدمه الديبلوماسية لمدة قرون في مجال هذا النفوذ. وعموما ستحتضن بلادنا في 2025 مجريات بطولة كأس إفريقيا، كما نستعد لاحتضان كأس العالم المشترك بيننا وبين البرتغال سنة 2030 والمشاريع انطلقت، ونتمنى أن يتم كل هذا بأقل ما يمكن من المناورين والفاسدين وأصحاب «الهمزات» من مثل من هم اليوم بيد القضاء.
لقد قمنا بمجهود جبار في مجال التمويل، ولكن نلاحظ أن أغلب لاعبينا المتألقين تربوا في دوريات أوربية. إن البيئة التي أنتجت المنتخب الوطني الحالي مازالت مفقودة في الداخل، والرهان اليوم أن ترتقي البطولة الوطنية المتواضعة – حتى لا أقول أي نعت آخر – إلى مستوى المنتخب، ودون هذا ستظل إنجازاتنا التاريخية في كل مرة كبيضة الديك. وحظا سعيدا لأسود الأطلس.
في إفريقيا سندنا السياسي بخصوص قضية وحدتنا الترابية، وفيها عمقنا الحضاري وامتدادنا الاستثماري. لقد أصبحنا لاعبا طموحاً ومنافسا معتبرا، واليوم هناك أنبوب غاز نيجيري ـ مغربي يواجه منافسة أنبوب نيجيري ـ جزائري، وهناك منافسة في الساحل وفي مشروع المملكة الأطلسية. ومن سوء حظ إفريقيا والمغرب الكبير، أن تكون هذه المنافسة اللامنتجة بين جارين كبيرين مضيعة لرقمين أو أكثر في معدل النمو، ولكن إذا فرضت على الأمم تحديات فإنها تخوضها كما يفعل المغرب مع الجزائر، إلا أن هذا لابد دائما أن يتم بسمو وترفع وليس بالشتائم والإسفاف، لأن الرهان أكبر.
قد تبدو الأمور في أقاليمنا الجنوبية مشتعلة، وقد حاولت البوليساريو أن تجعل من قضية الحرب في الصحراء موضوعا دوليا ولكنها فشلت لحد الآن ببعض الأقصاف أن تجعل منها مجرد موضوع داخلي. الأمور كما كانت مثل نصف قرن مستتبة، ولكن، على المستوى السياسي مازال العمل الجبار مطلوبا كل يوم، فالديبلوماسية الجزائرية تضع قضية المغرب كنقطة أولى في أجندتها دون أن تكون لها قضية، والمغرب يصارع من أجل وحدته الترابية، ولن تعرف 2024 أي تطورات مثيرة، إلا فيما يتعلق بالمجال التنموي كما هو حال المشروع الاستراتيجي لميناء الداخلة الأطلسي.
لن يكون المغرب، كلاعب في الكرة أو على المستوى الديبلوماسي، في مستوى الرهانات دائما إذا لم يعالج بجرأة أكبر قضايا مواطنيه، ففي النهاية، الدولة كمفهوم أصلا وجدت لإسعاد الناس، والحقيقة لحد الآن أن غالبية الناس ليسوا سعداء. ويؤسفنا أن نرى سنة أخرى من فشل مقاربة إصلاح التعليم مع حكومة تتذبذب، والتعليم هو الأساس، كما أن هذا المشروع الاجتماعي الضخم المحمود سيصطدم بمنظومة صحية هشة جدا لن تصلح بين عشية وضحاها، وأما الفقر والبطالة، فها نحن نرى صعوبة تحويلهما إلى مؤشر، فغالبية المغاربة يعيشون في الاقتصاد غير المهيكل، وهذا لا بد له، بعد اقتصاد المساعدة، من مقاربة اقتصاد الإنتاج، ولن ينجح هذا بدوره إلا بمحاربة الفساد قولا وفعلا، وهو أمر مازال بعيدا.
نتمنى أن تكون قضية الناصيري وبعيوي بداية حقيقية لمحاربة أخطبوط الفساد الذي يعرقل الإصلاح، فالتمني خير من اليأس، وحي على الإصلاح.
اتفق معك في كل ما قلت الا إيران التي وجدت من العرب المغفلين من يحارب بإسمها لقد جعلت من الأرض العربية ساحة لمعاركها مع الغرب فما حماس والنصر وحزب الله الا ادرعا تابعة
تنفد ما يملى عليها من أزمة المسخ فى إيران .فلا الغرب ولا الشرق تؤمن صداقته وجهان
لدعوة باطلة كفر وإلحاد .