عندما يطرح مفهوم “تنازع المصالح” في النقاش العمومي، يحضر اسم رئيس الحكومة عزيز أخنوش، الذي يحمل أكثر من قبعة في نفس الوقت حتى وإن كانت تتعارض مع بعضها. فالرجل الذي يمثل بالنسبة لكثيرين نموذجا صارخا لـ”زواج المال بالسلطة”، استطاع خلال الأسابيع القليلة الماضية حسم مجموعة من الصفقات العمومية لصالح شركته الخاصة وهو يوجد على رأس هرم السلطة التنفذية، حيث حاز على صفقة إنجاز أكبر محطة لتحلية مياه البحر، المخصصة لتزويد جهة الدار البيضاء – سطات بمياه الشرب، بالإضافة إلى سقي مساحات شاسعة من أراضيها الفلاحية، في صفقة كان فيها المنافس والحكم أيضا، بالإضافة إلى نيل شركته صفقة تزويد البرلمانيبن بـ”المازوط”.
الجدل الذي يرافق اسم أخنوش، الذي يجمع ما لا يجمع من مهام تخدم شخصه الاقتصادي، شكل محور نقاش صاخب، رد عليه محمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، بأن فوز عزيز أخنوش رئيس الحكومة بصفقة مشروع تحلية ماء البحر في الدار البيضاء، لا يمكن الدخول على خطه بحجة أنه “ليس لنا قانون يؤطر تنازع المصالح”.
ولسد الفراغ في الترسانة القانونية المغربية، قدمت الحكومة مسودة مشروع قانون يتعلق بتنازع المصالح، تحدد الأشخاص المعنيين بتنازع المصالح والتصريح بالممتلكات، حيث وضعت المسؤولين في دائرة المطالبين بالتصريح بالممتلكات، ابتداء من أعضاء الحكومة، ونصت على عقوبات في حالة عدم التصريح، منها غرامات أعلاها 20 ألف درهم.
وبالاطلاع على مضامين المسودة، فقد اعتبرت أن تنازع المصالح هو كل وضعية تتعارض فيها المصلحة العامة مع مصالح الشخص الخاضع، وقد تؤثر على تجرده وحياده وموضوعيته واستقلاليته خلال قيامه بالمسؤوليات والمهام المسندة إليه، والتي قد يحقق منها منفعة أو فائدة له أو للغير أو قد تمكنه من إلحاق الضرر بالغير.
وبخصوص المعنيين بتنازع المصالح، فهم كل شخص يمارس مسؤولية عمومية، ويبدأ بأعضاء الحكومة وأعضاء دواوينهم وأعضاء المؤسسات الدستورية. ومن بين من يشملهم تنازع المصالح رؤساء وأعضاء الجمعيات ذات النفع العام والأمناء العامون للأحزاب السياسية والكتاب العامون للنقابات ورؤساء وأعضاء الجامعات والأندية الرياضية، إلى جانب القضاة والشرطة القضائية والقناصل والمسؤولين في الجماعات الترابية ووكالات تنفيذ المشاريع بالجهات.
ووفق مضامين المسودة فإن الجمع بين مناصب ومهام محددة تنازعا في المصالح، حيث يمنع على أي شخص من بين الأشخاص المحددين في القانون الجمع بين مهام من بينها: وظيفة عمومية ثانية من شأنها أن تؤدي إلى تنازع في المصالح، أو عضوية في مؤسسة تمارس المهام الرقابية على الإدارة التابعة له أو التابع لها، وعضوية المجالس الإدارية للشركات الخاصة أو تسييرها..
وأكدت ديباجة المرسوم رقم 2.06.388 بتحديد شروط وأشكال صفقات الدولة وكذا بعض القواعد المتعلقة بتدبيرها ومراقبتها على أنه يجسد إصلاح نظام الصفقات توجه السلطات العمومية إلى تخليق الحياة العامة وإلى محاربة كل الممارسات المرتبطة بأفعال الغش والرشوة. حيث يتعين على المتدخلين في مساطر إبرام الصفقات المحافظة على الاستقلالية في معاملاتهم مع المتنافسين وألا يقبلوا أي امتياز أو منحة وأن يمتنعوا عن ربط أية علاقة معهم من شأنها أن تمس بموضوعيتهم ونزاهتهم.
ويدخل في حكم تنازع المصالح الحالات التالية:
إبرام الشخص لصفقة مع نفسه نيابة عن مؤسسة يترأسها: تتمثل هذه الواقعة في أن تسعى مؤسسة أو مرفق عمومي إلى تفويت بعض أملاكها من أجل الحصول على السيولة المالية، فيقوم المسؤول الأول عن هذه المؤسسة باقتناء تلك الأملاك لفائدته.
تنازع الاختصاص: ويتمثل بالحالة التي يكون فيها أحد الأشخاص رئيسا لجماعة محلية ومكتريا لملك من أملاكها..
الجمع بين المراقبة والتسيير: في الشركات العائلية قد يعين صاحب الشركة قريبا له من أجل القيام بمهام مراقب الحسابات.
ويخلو الترسانة القانونية المغربية تخلو من تعريف لتنازع المصالح، وإنما وجدت حالات ومظاهر يستفاد منها أن المشرع المغربي انتبه لهذه الإشكالية وسعى إلى الحد منها، وفي بعض الأحيان التقليل من حدتها، وترك مهمة التعريف إلى الفقه والقضاء
المجلس الأوروبي يعرف تنازع المصالح بأنه ناتج عن وضعية يوجد فيها موظف عمومي له مصلحة خاصة، من شأنها أن تؤثر على السير الموضوعي والعادل لمهامه الرسمية.
المصلحة المركزية للوقاية من الرشوة عرفته في تقريرها لسنة 2004 بأن الوضعية الناتجة عن الحالة التي يكون فيها شخص يعمل لدى مرفق عمومي أو القطاع الخاص، يستحوذ على مصالح من شأنها أن تؤثر أو بإمكانها أن تؤثر على الطريقة التي ينجز بها عمله أو المسؤولية الموكولة له. ويستشف بأن تنازع المصالح يقوم متى كان هناك شخص في وضعية إدارية أو سياسية أو تطوعية تجعله بصفة مباشرة أو غير مباشرة يستفيد من هذه الوضعية وقد يقدم مصلحته الذاتية على المصلحة العامة.