هدنة غزة وحرب أخنوش
لنعد إلى حكومة السيد أخنوش، فيكفي ما فعلته هذه الكفاءات الدائخة في ملف التعليم لتستحق أن تسقط. وقد يحسب للحكومة أنها لأول مرّة في التاريخ أخرجت أكبر مسيرة لمهنيين بالرباط، وجمعت أكثر من 200 ألف امرأة ورجل تعليم على كلمة واحدة، ودبجت واحداً من أسوء الأنظمة الأساسية لقطاع حساس أرادوا في خلاصته أن يبقى راتب الأستاذ في السلم العاشر هو 5000 درهم شهريا مع عجائب وغرائب لا يأتي بها إلا جهاز تنفيذي لا علاقة له بالسياسة ولا هم يحزنون.
قد تترك الهدنة التي عرفتها الحرب على غزة فرصة للنظر من ثقب الباب إلى ما يمور في بلادنا، أو بالأحرى ما تفعله حكومة السيد أخنوش بالمغاربة في هذه الأيام الساخنة. لكن قبل هذا، لابد أن نضع تطورات الأمور في فلسطين تحت مجهر التحليل.
إن كلفة «طوفان الأقصى» كانت باهظة جدا بالنسبة للمدنيين في غزّة. آلاف الشهداء والجرحى وأغلبية من السكان بدون أدنى شروط العيش اليومي، ورغم بداية دخول قوافل الإغاثة، إلا أن الوضع أكثر من كارثي، وهذه مجرد فسحة سيعود بعدها الجيش الإسرائيلي لا محالة إلى جرائم حربه وربما بشكل أكثر بشاعة، فما هي الحصيلة؟
أولا، تبين من خلال الهدنة أن حماس إن لم تكن قد تقوت فإنها على الأقل باقية كرقم صعب ومفاوض يستطيع أن يحصل على مكاسب، وتم إطلاق سراح سجناء فلسطينيين من النساء والقاصرين أغلبهم كانوا معتقلين إداريا، أي بدون حكم قضائي.
ثانيا: تبين أن أولئك الذين كانوا ينتظرون أن تتكافأ موازين القوى حتى تنطلق المقاومة ضد الاحتلال كانوا على خطأ، لأن الاحتلال أصلا هو اختلال في الموازين، وبالتالي ليس هناك بدّ في هذه الحالة من التناغم مع ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي:
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.
ثالثا: استطاعت كتائب القسام، الجناح العسكري لمنظمة حماس، أن تبتدع أسلوبا حربيا جديدا، وتنجز ما يمكن تسميته بالخوارق، فتخترق أكثر جدار محروس في العالم بين غزة وغلافها، وتوقف الزحف البري لخامس أقوى جيش في العالم، وهذه الانتصارات هي التي ترجح أن تعود إسرائيل بعد الهدنة للقتل الأعمى، لأن الحرب إذا توقفت هنا فهذا سيكون أكبر انتصار على إسرائيل منذ 75 عاما.
رابعا: إذا كانت خسائر الشعب الفلسطيني فادحة، فإن خسائر إسرائيل أفدح، بالنظر إلى الفارق بين إمكانيات الطرفين. الخسائر في الجنود وصلت إلى 1200 إسرائيلي بين قتيل وجريح، وآلاف المستوطنين تم إخلاؤهم ويسكنون في الفنادق، أما الخسائر الاقتصادية فتقدر بأكثر من 50 مليار دولار.
خامسا: يعد أكبر ربح في هذه المعركة هو المكسب السياسي الذي عادت به القضية الفلسطينية إلى الواجهة بعدما صلى عليها الغرب وجزء من شرقنا صلاة الجنازة، بل لقد ربحت المقاومة المعركة الإعلامية واخترقت الشارع الغربي نفسه فخرجت مظاهرات بالآلاف في القارات الخمس لتأييد حق الفلسطينيين في حياة حرة وكريمة.
سادسا: تبين اليوم أن أكثر المناطق أمْنا بالنسبة لليهود، والتي كانت هي إسرائيل المبنية على أنقاض فلسطين، قد أصبحت اليوم هي الأخطر عليهم، ليس بسبب الإرهاب المزعوم أو معاداة السامية ولكن بسبب الاحتلال الغاشم والاستهتار بالقرارات الأممية ورفض حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة، والعمل على إنجاز مخطط متطرف من طرف حكومة متعجرفة تحلم بإسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات!
العالم اليوم غير عادل، بكل ترسانته من القيم والمؤسسات الدولية. فقد تكوّن نظام مهيمن أحادي القطب عنده خط أحمر أكبر من كل خطوط مصالحه وهو (إسرائيل) ولكن هذا النظام العالمي لما بعد الحرب الباردة تتزعزع أركانه يوما بعد يوم، نظرا للأقطاب الصاعدة سواء في الصين وروسيا أو في القوى الكبرى بأمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا. وأعتقد أن إيجاد مكان لنا تحت الشمس في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لم يعد بشكل أوتوماتيكي رهينا بالتحالف مع أمريكا وإسرائيل، ولكن بالاستقلالية المحسوبة والتضامن العربي الإسلامي والالتفاف حول القضية المحركة للوجدان العام في عالمنا وهي القضية الفلسطينية، وهذا هو درس هذه الحرب المؤلمة، ولكن هنالك دائما ثمن لكي يكون الرأس مرفوعا.
لنعد إلى حكومة السيد أخنوش، فيكفي ما فعلته هذه الكفاءات الدائخة في ملف التعليم لتستحق أن تسقط. وقد يحسب للحكومة أنها لأول مرّة في التاريخ أخرجت أكبر مسيرة لمهنيين بالرباط، وجمعت أكثر من 200 ألف امرأة ورجل تعليم على كلمة واحدة، ودبجت واحداً من أسوء الأنظمة الأساسية لقطاع حساس أرادوا في خلاصته أن يبقى راتب الأستاذ في السلم العاشر هو 5000 درهم شهريا مع عجائب وغرائب لا يأتي بها إلا جهاز تنفيذي لا علاقة له بالسياسة ولا هم يحزنون.
وبعد أن أصبحت الحكومة بلسان الوزير وهبي تستعرض عضلاتها بالقول أن لا أحد يستطيع أن يلوي يد الدولة، عادت لتجمد هذا القانون دون أن يقبل بذلك الغاضبون في المملكة، ليصبح الموسم الدراسي المهدد بأن يكون أبيض في رقبة حكومة الهواة. وهذه وصمة عار على جبين جهاز تنفيذي متعجرف كالسنبلة الخاوية.
وقد جرى هذا من قبل مع الصيادلة ومع المحامين ومع الإعلاميين ومع الممرضين، ومع الغلاء الفاحش المستمر إلى الآن ومع المحروقات التي كان يكفي ما أصدره مجلس المنافسة مؤخرا من غرامات محتشمة على شركاتها بسبب الاحتكار ليقدم السيد عزيز أخنوش استقالته لأنه يملك أكبر هذه الشركات.
وإذا كان هناك إجماع اليوم على وجود الكثير من الارتجال في الوسط الحكومي سواء في القوانين المرقعة أو المراسيم المتسرعة، فإن الغالبية ترى الحل في تعديل حكومي يطيح ببعض الوزراء الذين تبين أن كفاءتهم كانت مغشوشة. ولكن، حتى هذا الحل سيكون هو الترقيع بعينه. فهذه حكومة اعتقدت أنها بدأت منتهية بإنجاز كاف لولايتها وهو إسقاط إسلاميي المؤسسات، وها نحن نرى كيف سارت الأمور، لا مشروعية إنجاز ولا قدرة على التواصل.
إن فكرة الدولة الاجتماعية التي كانت العمود الفقري للبرنامج الحكومي وضعت في يد من لم يكن أصلا يؤمن بهذه الدولة الاجتماعية، وهو إلى الآن يقود في حياته أسلوب الليبرالية المتوحشة، وقد قالوا قبل دخولهم الحكومة إنهم ليسوا مع اقتصاد الإعانات، وها هم يتعلمونه ويتدربون ويندفعون ويتراجعون وفي نفس الوقت يعاندون.
ألم يقولوا خلال الحملة الانتخابية إنهم إذا لم يوفوا بوعودهم، ومنها زيادة 2500 درهم في راتب الأستاذ، فلا بأس أن نضربهم بالحجر؟ فبكم سيصبح ثمن هذا الحجر لو نفذ كل مواطن العقوبة التي اقترحوها في حالة إخلافهم لعهودهم؟ بمثقال دينار!