ما هو الفسفور الأبيض وكيف يُستخدم في الحرب؟

صورة تظهر دخاناً ناجماً عن الفسفور الأبيض أطلقته إسرائيل على مناطق حدودية مع لبنان
Reuters
الفسفور الأبيض الذي أطلقه الجيش الإسرائيلي لإنشاء ستار من الدخان يظهر على الحدود اللبنانية، بحسب رويترز

حروق شديدة وعميقة تميز أكثر الإصابات نتيجة القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كما قال الطبيب محمد الحواجرة المنسق الطبي لمنظمة أطباء بلا حدود في مجمع الشفاء الطبي في غزة، الذي تحدثنا معه قبل اقتحام الجيش الإسرائيلي للمستشفى.

وقال الحواجرة لـ بي بي سي إنه في أغلب الأحيان تحتاج الإصابات بالحروق من هذا النوع لتدخل جراحي، ورقع جلدية وترميم، وأقلها ضررا يحتاج لفترة طويلة من العلاج، وسط نقص في المراهم والأدوات الطبية اللازمة، والوضع الصحي السيء جداً.

لكن الحواجرة لم يحدد سبب هذه الحروق إن كانت ناجمة عن استخدام الفسفور الأبيض أو أسلحة أخرى، "ما لاحظناه كأطباء هو الحروق الشديدة، لا يعنينا نوع السلاح بقدر ما يعنينا خطة علاج المصابين ومساعدتهم".

هل استخدمت إسرائيل الفسفور الأبيض في حربها على غزة؟

رغم نفي الجيش الإسرائيلي لاستخدام الفسفور الأبيض في غزة، إلا أن منظمات دولية أكدت أن لديها أدلة على استخدامه في غزة وجنوب لبنان. كما شددت المنظمات الدولية في تقاريرها على تحريم استخدام الفسفور الأبيض فوق المناطق المأهولة بالسكان.

و نقلت رويترز تصريحات للجيش الإسرائيلي قال فيها، إن الاتهام الحالي الموجه ضد الجيش باستخدام الفسفور الأبيض في غزة "خاطئ"، لكنه لم ينكر استخدامه للسلاح في لبنان.

لكن يقول مدير التواصل للشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمنظمة هيومن رايتس ووتش أحمد بن شمسي لـ بي بي سي "وثقنا استخدام إسرائيل للفسفور الأبيض وأسلحة متفجرة، واستعمال مثل هذه الأسلحة على مناطق فيها كثافة سكانية مثل غزة فيه انتهاك لقوانين الحرب، إذ يجب أن تأخذ كل الأطراف المتحاربة كامل الخطوات اللازمة لتفادي استهداف المدنيين".

وفي تقرير صدر عن هيومن رايتس ووتش الشهر الماضي، قالت المنظمة إنها توصلت استنادا إلى فيديوهات تحققت من صحّتها وروايات شهود، إلى أن "القوات الإسرائيلية استخدمت الفسفور الأبيض في عمليّات عسكرية نفذتها في لبنان وغزة يومي 10 و11 أكتوبر/تشرين الأول على التوالي".

وأضافت المنظمة "تظهر الفيديوهات عدّة انفجارات جوية للفسفور الأبيض أطلق بالمدافع فوق ميناء مدينة غزة وموقعين ريفيين على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية".

ووثقت منظمة العفو الدولية أيضاً "استخدام الجيش الإسرائيلي لقذائف الفسفور الأبيض المدفعية في المناطق المدنية المكتظة بالسكان في غزة، والتي يمكن اعتبار بعضها هجمات لا تميّز بين المدنيين والعسكريين، وبالتالي غير قانونية".

كما قالت منظمة العفو الدولية في بيانها الصادر نهاية الشهر الماضي إن "الجيش الإسرائيلي أطلق قذائف مدفعية تحتوي على الفسفور الأبيض، وهو سلاح محرق، خلال العمليات العسكرية على طول حدود لبنان الجنوبية".

ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول قتلت إسرائيل في حربها على قطاع غزة المحاصر منذ ما يزيد عن 16 عاماً، أكثر من 12 ألفاً غالبيتهم من الأطفال والنساء بحسب وزارة الصحة الفلسطينية. وتقول السلطات الإسرائيلية إن نحو 1200 قتلوا في هجوم حماس العسكري في ذلك اليوم على الجانب الإسرائيلي.

ما هو الفسفور الأبيض وما أثره؟

تعرف منظمة الصحة العالمية الفسفور الأبيض بأنه "مادة كيميائية تظهر إما بلون يميل للون الأصفر أو عديمة اللون، ويصف البعض رائحتها بأنها تشبه الثوم، وتشتعل فوراً عند ملامستها للأكسجين"، لكنها توضح أيضا أنه "ليس سلاحاً كيميائياً بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية، لأنه يعمل بوصفه عاملاً حارقاً وليس من خلال مفعوله الكيميائي في العمليات الحيوية".

وبحسب المعلومات الواردة في تقرير منظمة الصحة العالمية، فإن الفسفور الأبيض يشتعل تلقائياً عند درجات حرارة تزيد عن 30 درجة مئوية، ويستمر في الاحتراق حتى يتأكسد بالكامل أو يحرم من الأكسجين، ينتج عن حرق الفسفور دخان كثيف يحتوي على خليط من أكاسيد الفسفور.

يقول المحلل العسكري مأمون أبو نوار إن سلاح الفسفور الأبيض يجوز اعتباره سلاحاً كيماوياً بحسب النسب المستخدمة من مادة الفسفور الأبيض في السلاح، لكن منظمتا هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية تشرحان أن سلاح الفسفور الأبيض لا يصنف سلاحاً كيميائياً، لكنه "يسبب إصابات مروعة عندما يلامس جسد الإنسان".

توضح المهندسة الكيميائية لمى أبوعتيلة أنه رغم سمية مادة الفسفور الأبيض وخصائصه الكيميائية لكنه مع ذلك لا يصنف سلاحا كيميائياً، إذ صنع بالأصل للاستخدام لغايات التمويه العسكري، وفوق المساحات الخالية وليس ضد الأفراد والأماكن السكنية، لأنه حارق والغازات المنبعثة منه شديدة الأذى.

وتشرح أبو عتيلة آلية عمله: "الفسفور الأبيض مادة كيميائية وعند إطلاقه يتفاعل بشدة مع الأكسجين ويسبب وميضاً ضوئياً شديداً وكمية كبيرة من الدخان، تجعل منه مثالياً للاستخدام لغايات التمويه والتغطية على التحركات العسكرية الميدانية".

وتقول إن البعض قد يجادل بأن الفسفور الأبيض سلاح كيماوي لأنه يطابق ما ورد بالفقرة أ من المادة الثانية لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية التي عرفت السلاح الكيميائي بأنها "المواد الكيميائية السامة وسلائفها [ أي مادة كيميائية مفاعلة تدخل في أي مرحلة في إنتاج مادة كيميائية سامة بأي طريقة كانت] باستثناء المواد المعدة غير المحظورة….".

لكن توضح أبو عتيلة أن الفقرتين ب و ج من ذات المادة، تظهران أن الفسفور الأبيض مستبعد من الأسلحة الكيميائية لأنه لم يصمم لإحداث الوفاة، بل لإخفاء تحركات الجنود أو كساتر دخاني للتمويه على الأهداف، إذ يستند عدم تصنيفه كمادة كيميائية على غايات استخدامه. "لكن بعد استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي له ضد الأحياء السكنية والمدنيين فإن ذلك يستدعي إعادة النظر بمنهجيات تصنيف الأسلحة،" ترى أبو عتيلة.

ولم تصادق إسرائيل على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.

و تقول منظمة العفو الدولية "لا يعتبر الفسفور الأبيض سلاحاً كيميائياً لأنه يعمل بشكل أساسي بقوة الحرارة واللهب وليس بالسموم [يعمل كعامل حارق وليس من خلال تأثيره الكيميائي على العمليات الحيوية]، ما يجعله سلاحاً حارقاً"، وتتفق معها في ذلك منظمة هيومن رايتس ووتش.

بينما تقول منظمة مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها CDC وهي منظمة أميركية، إن الفسفور الأبيض مادة سامة تنتج من الصخور المحتوية على الفوسفات.

يفترض أن لا يكون الهدف من استخدام سلاح الفسفور الأبيض لإيذاء الإنسان، بحسب بن شمسي من منظمة هيومن رايتس ووتش، فالغاية منه "حجب الأهداف لأغراض عسكرية، لكن يصبح استخدامه ممنوعاً عندما يكون فوق مناطق مأهولة بالسكان مسبباً أضراراً واسعة وحرائق بشعة جداً في الأجسام أو فشلاً في أعضاء الجسد عند دخول الفسفور لمجرى الدم".

وتفصل هيومن رايتس ووتش أضرار استخدام الفسفور الأبيض بأنه يسبب "حروقا شديدة غالباً ما تصل إلى العظام، ويكون شفاؤها بطيئا، وقد تتطوّر إلى التهابات، وإذا لم تزل جميع شظايا الفسفور الأبيض، يمكن أن يؤدي إلى تفاقم حالة الجروح بعد العلاج، وقد تشتعل مجددا عند تعرّضها للأكسجين".

وتضيف المنظمة أن "حروق الفسفور الأبيض حين تتجاوز 10 في المئة من جسم الإنسان غالباً ما تكون قاتلة، وقد تتسبب أيضاً في تلف الجهاز التنفسي وفشل أعضاء الجسم".

لا يتوقف الضرر على الحروق فقط، إذ تشرح هيومن رايتس ووتش أن الناجين من الإصابات الأولية قد تستمر معاناتهم مدى الحياة، فمن الممكن أن يؤدي الشد الدائم للعضلات والأنسجة الأخرى نتيجة الإصابة لشل الحركة، في حين تؤدي العلاجات المؤلمة والندوب التي تغير المظهر إلى ضرر نفسي وإقصاء اجتماعي.

تقول منظمة العفو الدولية إن البروتوكول الثالث لاتفاقية الأسلحة التقليدية، يحظر استخدام الأسلحة المحرقة الملقاة جواً في تجمعات المدنيين، كما يحد من الاستخدام القانوني للأسلحة المحرقة المطلقة من الأرض حيث توجد تجمعات للمدنيين.


شاهد أيضا

التعليقات مغلقة.