فنانو “الكاريكاتير”: مقاومون بـ”الأنامل” على جبهة فلسطين

تختار كل فئة من مختلف المشارب المجتمعية مشاركة موقفها تجاه قضية معينة، بالواسطة التي تراها قادرة على إيصال صوتها للعموم، لكن، هناك فئة كبيرة لا تريد التعبير عن أفكارها بصوتها، تعطي فقط المبادرة إلى أناملها التي تجمع بين القلم والفكرة بخيط رفيع وراق، من أجل ترجمة عاجلة وحثيثة للرموز والخطوط التي تعتبر لغزا عويصا لقضية ما.

 

ومنذ أن نسجت أول خيوط حرب “النكبة” بفلسطين عام 1948، تناسلت مجموعة من الرسائل المناضلة عن طريق رسومات كاريكاتيرية يزداد جمالها بعمقها الفكري، إذ من الصعب أن توظف السخرية والضحك والاستهزاء في قضايا مصيرية دون حبكة فنية، لجعل الرأي العام الآخر يتفاعل بكل احاسيسه مع الخطوط النابعة من وجدان صاحب اللوحة، فرغم أن الملامح الرئيسية تحرف لكن الواقع لا يطرأ عليه أي تغيير لضمان مهنية العمل.

 

وأظهرت التجربة أن الأشياء المبالغ فيها والتي يشوبها نوع من التهويل تفقد قيمتها ورمزيتها، لكن عكس هذه الممارسة لا يمكن فتح شهية المشاهد أو القارئ إلى بتضخيم التعابير التي تكون شديدة الدلالة. مع ازدياد درجة حرارة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إزداد رصاص الفنانين في تنزيل أفكارهم ومواقفهم التي لا تختلف عن باقي مواقف الشعب الفلسطيني، تأخذ أصابعهم موضع ألسنتهم، يتداخلون في كل مستجد بإطلالة ساخرة، لا يتكلمون في الغالب، لغتهم هي رموز لوحاتهم الثمينة.

 

أقلام مقاومة ببارود الرصاص

“قاوم بقلمك”، عبارة تعتبر شعار الفنانين الكاريكاتيريين بفلسطين، الذين يناضلون برسوماتهم بدل أصواتهم، ويصفون أعمالهم ب”الفن المقاوم”، الذي لا يقل قيمة عن المقاومة الشعبية المسلحة، حيث يرتكزون في كفاحهم على مبادئ الحق والعدالة والحرية والكرامة، والدفاع عن الأرض تجاه أي قوة خارجية غازية ومغتصبة.

 

وفي فلسطين للكاريكاتور واجب كبير ومهمة رئيسية في نشر الثقافة وزيادة الوعي ونقد الحدث بطريقة التعبير المقاوم، فهو فن مؤثر تحت أي موضوع يحمله، إذا كانت فكرته قوية وأحسن رسمه وصياغته، وهو يخدم أهدافاً آنية وبعيدة بحسب الرسالة والهدف الذي يتجه نحوه، وليس بالضرورة أن يتخلل كل لوحة كاريكاتورية أو رسمة سريعة، شكل بندقية أو قنبلة حتى يندرج تحت فلك المقاومة، بل في أي ميدان من ميادين المجتمع سواء الإجتماعية أو الصحية أو التعليمية أو التربوية أو غير ذلك، يمكن أن يكون هادفاً مقاوماً واعياً إذا خدم قضية وقدم رسالة استقامة.

 

“نحن كرسامين فلسطينيين لنا مطلب وحيد ألا وهو أن تكون فلسطين حرة من الإحتلال والظلم والإستعباد”، بهذه العبارات بدأ فادي أبو حسان، رسام الكاريكاتور الفلسطيني حديثه مع “الأيام 24″، وعلى أمل أن تحيا فلسطين من جديد لتسترجع دماء الشهداء الذين سقطوا جراء استهدافات الكيان الصهيوني.

 

بعد دردشة هاتفية مع فادي أبو حسان تبين أن الفنان الفلسطيني يحمل عدة مواقف تجاه القضية الفلسطينية وأيضا تعقيبات على قرارات السلطة داخل البلاد، إذ أكد على أن “السلطة لا تمثلني كفلسطيني وقراراتها باطلة من منظوري، طالما تنسق أمنيا مع الاحتلال “الإسرائيلي” وتقمع أي صوت فلسطيني حر ينادي بالحرية والاستقلال والوحدة الوطنية ورفض الاحتلال والتنسيق الأمني معه”.

 

وأضاف الفنان الكاريكاتوري الفلسطيني أن “الحرب أسقطت أقنعة وشعارات مزيفة كثيرة وكشفت عن ازدواجية معايير ممجوجة كان ينادي بها الغرب وأذنابهم في عالمنا العربي كحقوق الإنسان وحرية التعبير”، مبينا أن “حرية التعبير تنتهي بالنسبة لهم إن تكلم أي شخص عن الحق الفلسطيني أو نطق بإسم فلسطين”، مرددا  شعار “النصر ثم النصر ثم النصر إن شاء الله تعالى”.

 

 

كاريكاتير مقاوم

لا تقتصر المقاومة الفنية فقط بين أيدي أصحاب الأرض، بل ينغمس في تعابيرها شخصيات من بلدان عربية مختلفة، حتى لو كانت على حدود البلاد المكلومة، الذين يعتبرون الكاريكاتير أداة للتعبير عن الواقع بشكل مختلف، مع استخدام كافة التقنيات المتعارف عليها لإيصال موقفهم تجاه القضية.

 

“ما دامت فلسطين تحت نير الاحتلال الغاشم، وما دام الشعب الفلسطيني يعيش المعاناة ويتحمل في سبيل الدفاع عن شرف هذه الأمة، من ويلات وسجن وتعذيب وانتهاك للحرمات وشهداء وأبطال ومفقودين، فسوف أبقى أرسم حتى يتوقف هذا النفس عن هذه الحياة”، عمر بدور، فنان تشكيلي أردني، يروي ل”لأيام 24” قصته مع المقاومة فداء للقضية الفلسطينية.

 

وأكمل عمر بدور أن “قضايا الأمة تعنيني أولا وأخيرا، فأنا ارسم عن كل ما من شأنه كشف وتعرية الحقائق ومساندة إخواننا في كافة الدول العربية والإسلامية، ولكني أخص فلسطين أكثر لأنها القضية والبلد الوحيد المحتل من هذا الكيان الغاصب والمعتدي والآثم”.

ويبدو أن موقف الفنان التشكيلي الأردني مطابق لمواقف حركة حماس، نظرا أن هجومات “طوفان الأقصى” جاءت بناء على عدة استفزازات واعتداءات على حرمة مسجد القدس وتوسع المستوطنات، يقول إن “الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى المبارك وانتهاك حرماته وحرمات إخواتنا في القدس والاعتداءات المتكررة على الأهل في الضفة الغربية وبناء وتمدد المستوطنات وهدم البيوت جعل المقاومة تتحرك”.

 

مضيفا أن “حماس لم تخطئ التوقيت بنظري ونقول دوما (أهل مكة أدرى بشعابها) فهم اصحاب القيادة وهم من يقدر الأمور أكثر منا”.

 

بالمقابل، يرى محمد قاسم، الرسام الكاريكاتيري الفلسطيني، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن “هذه المعركة كشفت كم أن حكومات دول العالم الغربي لا تهتم إلا بمصالحها متناسية تماماً الجانب الإنساني وهو ما سيؤدي بدوره إلى إثارة النعرات بين الشعوب”، مردفا أن “مصالح القوى الكبرى و مشاركتها في الحرب إلى جانب إسرائيل زادت من وطيس الحرب وفاقمت معاناة المدنيين في القطاع من غير اكتراث لحجم الكارثة التي حلت بهم”.

 

وكان للفنان الفلسطيني عدة ملاحظات وردود أفعال قوية حول هجومات حماس التي لم تأتي في التوقيت المناسب، حسب قوله، مكملا على أنها “لم تدرك العواقب الناجمة عن العملية التي خاضتها ضد إسرائيل و مآلاتها على سكان قطاع غزة مع الأخذ بالعلم أن سكان القطاع يعيشون حصاراً منذ سبعة عشر عاماً وهو ما أدى لانفجار المنطقة”.

 

وشدد محمد قاسم على أن “السلطة الفلسطينية عاجزة ومتخبطة داخلياً، لا شيء على أرض الواقع يطبق سوى ما نراه من تنسيق أمني مع الإحتلال الإسرائيلي في بعض مناطق الضفة الغربية، و تارةً أخرى إدانة التوغل البري للقوات الإسرائيلية على قطاع غزة”.

 

سلطة معاقة

يحاول العديد من الفنانين الكاريكاتيريين الفلسطينيين وأيضا العربيين التبرأ من قرارات السلطة الفلسطينية، بعد التنسيق الأمني الذي قاده محمود عباس مع الكيان الإسرائيلي، وتداعيات إتفاقية أوسلو التي أرخت بظلالها خلال هذه الحرب المدمرة.

 

ولا تتعارض مواقف الرسام الكاريكاتيري الفلسطيني، محمد عفيفة، مع مواقف باقي الفنانين حول قرارات السلطة، حيث أكد على أن “السلطة لا تمثل الشعب الفلسطيني بأي شكل من الاشكال وهي غير معنية بعموم الشعب الفلسطيني سواء بالمهجر أو الداخل, في قراراتها وتصرفاتها غير وطنية بأي حال أن ترعى مصالح طبقة صغير ومحدودة جدا من البرجوازية الفلسطينية الفاسدة والمتعاونة مع المحتل, اختصارا انها سلطة الحركيين”.

 

ووفق عفيفة أن نتائج الحرب أفضل بكثير من حال الخنوع التي كان مخطط لها, “لقد أفسد فعل المقاومة كل الاوراق للجميع وأعاد وضع المشروع التحرري الوطني الفلسطيني على الطاولة أمام العالم”، مستدركا أن “المشروع الصهيوني بجوهره مشروع استعماري (بصبغة دينية ترضي هوس أو لنقل جنون التيارات الانجيلية) وبالتالي يصعب الإستغناء عنه أي المشروع الصهيوني من قبل الدول الاستعمارية القديمة (إسرائيل مسمار جحا في الشرق)”.

 

تهجير فلسطين يهز قلم الفنانين

على اعتبار أن قضية التهجير القسري التي تمارسه قوات الإحتلال الإسرائيلية في شمال قطاع غزة، من أبرز العوامل التي أدت إلى نشوب صراع بين كتائب القسام والاحتلال، حيث بدأ هذه العملية منذ أكثر من سبعة عقود، بعدما تم نزح وطرد أكثر من 700,000 فلسطيني.

 

هذه الأحداث لا زالت راسخة في ذاكرة الفنان الفلسطيني محمد سباعنة، الذي يرى أن هذه “الحرب هي فقط سوى تكرار لمشاهد سابقة”، مؤكدا على أن “قوات الاحتلال الغاصبة تحاول تهجير الفلسطينيين إلى مصر، وأيضا سكان الضفة الغربية إلى الأردن”.

 

 

يقول محمد سباعنة، في حديثه مع “الأيام 24″، إننا “نؤمن بضغط الشعوب العربية على حكامها من أجل توقيف قوة إسرائيل القاتلة”، مشيدا بما حققته المقاومة في هجومات السابع من أكتوبر الماضي، إذ إعتبرها “صفعة حقيقية للكيان الصهيوني وأيضا للولايات المتحدة الأمريكية”.

واسترسل الفنان الكاريكاتوري الفلسطيني أيضا أن “توقيت المقاومة كان أفضل، لأن الوضع الفلسطيني يزداد سوداويته”.

 

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق