حَرِيرَتُنَا

لا أحد يستيطع نزع لقب ملكة المائدة عن الحريرة. إنه الحساء المغربي الذي يجمع ألمع نجوم رمضان هذا العام. البصل والطماطم، ضدان فرقتهما الأسعار وجمعتهما طنجرة الحريرة. لقد خطفا بإنذار مسبق أغلب نسب اللمس على عربات البائعين والهمس بين المشترين، يتبركون منهما. ومن استطاع إليهما سبيلا يظفر ب”حريرة” مكتملة المكونات والمذاق، إذا ما أضيف إليها الحمص والكرفس والدقيق والشعرية والبيض حسب الجيب..ومن لم يستطع فعليه ب”الحسوة”، قليل من سميد وكثير من ماء.

 

تحضر على مهل وتطبخ مع عناية فائقة على نار مهيلة وتشرب في “زلاليف”، وأعين صاحبها على انتاجات رمضانية تعرض على الشاشات مع ذروة “اللمة العائلية” على الموائد. انتاجات تصاحب الموائد العامرة، فتناظر تطبيعا مع الحموضة التي تتسلل إلى زلافة الحريرة. حيث السقوط المتكرر في فخ النسخ دون مغربة البرامج والدراما التي ما عادت تشبه حياة المغاربة في شيء لغة ولباسا وديكورا، وذات الشخوص التي ترقبها هنا، تجد هناك أيضا، وعدم مسايرة الأعمال المعروضة للمتغيرات التي يعرفها المجتمع باستمرار، بطريقة إبداعية تجعلها عرضة للنقد اللاذع. فالانتاج سقط في شباك الكم دون النوع، ليغدو “فلكلورا” مرافقا للجو الرمضاني ليس إلا.

إلى وقت قريب، قليل الهِّمة والشأن يقال في حقه “فلان مايسوى حتى بصلة”. فهل باتت أحقية المنعوت تتوافق وأداة النعت؟. ربما اختلفت المواقع اليوم، فالبصل نصّب نفسهُ ملكاً لسوق الخضروات متفوقا حتى على الموز والكيوي، ثمنا وهِمّةً، لصيقا بقفة أصحاب الدخل المعتبر والمكانة الرفيعة. لقد غدا المغاربة أمام خضرواتهم مكبّلي الأيدي ويتحاشوْن الاقتراب منها، والمحظوظون يختلسون النظر ليس إلا. ومع ذلك يد المغاربة على قلوبهم ويدا أخرى تتحسس بقشيشا لاقتناء البصل والطماطم، عروسيْ “الحريرة” ليكتمل مشهد القداسة على الحساء السحري العظيم الموصوف بأقدم طبق مؤرخ في المغرب. وفق ما يؤكده الطبّاخ والباحث الحسين الهواري، في كتابه أصول الطبخ المغربي، حيث يقترن تاريخ المملكة بالحريرة منذ عصري الإمبراطورين الرّومانيين سايلا ونرفا، وحاكم موريتانيا الرّومانية، روتولوس روفوس، بعد نهاية الحرب الرومانية الثالثة.

 

تاريخ الحريرة من تاريخ المغرب والمغاربة، هكذا تقول الروايات، لكن حالها اليوم من حال أصحابها. فحريرة المغاربة منذ شهور مع غلاء الاسعار قصة وجب تأريخها. إذ بلغ الحنق والسخط الشعبيان مستوى تندّر المغاربة، في ما بينهم، بشعار “راها حامضة” استنادا إلى مذاق الحريرة، أو شعار “نستاهلو حسن” في معناه المضاد لما رفعته الحملة الانتخابية لحزب الأحرار الذي يقود الائتلاف الحكومي. فالوضع الاقتصادي والاجتماعي الحالي ولدّ غضبا على مواقع التواصل. محملين الحكومة ورئيسُها عزيز أخنوش مسؤولية التسبب في حالة الغلاء، بدءا من ارتفاع أسعار المحروقات وطنيا، رغم تراجع ثمنها في الأسواق الدولية، وباعتباره أحد المستفيدين، بصفته مالك أكبر شركة لبيع المحروقات وتوزيعها وطنيا.

 

وكلما طبطب المغاربة على خواطرهم أن الغلاء ربما ينتفي بانتفاء الاضطراب الدولي. يُقطع الأمل رسميا ومن خارج الأغلبية الحكومية. فالمؤسسات الدستورية الموازية ترقب بأعين يملؤها التشاؤم من وضع سيء داهم. على غرار المندوبية السامية للتخطيط التي ترى في حالة التضخم المنتجة لارتفاع قياسي في الأسعار، مسألة دائمة وعلى المغاربة التعايش معها، فالوضع نتاج سياسيات داخلية ولا علاقة لها بالخارج والاستيراد والحرب الروسية الأوكرانية، والجفاف والجريحة..إلى غيرها من الأسباب التي تتعلل بها الحكومة في خرجاتها التواصلية إن هي تواصلت أصلا.

 

ووفق تقديرات رسمية، فمعدل التضخم قفز إلى 10.1 في المائة في شهر فبراير الماضي، بعدما بلغ 8.9 في المائة في شهر يناير الماضي. يحيل على أن المعدل السنوي كان في العام الماضي سيكون أعلى بنسبة الثلث تقريباً بالنسبة إلى أفقر 10 في المائة من السكان، مقارنةً بأغنى 10 في المائة من السكان، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى آثار زيادة أسعار الغذاء التي تستحوذ على نسبة أعلى من إنفاق الأسر الأكثر فقراً في المغرب.

 

 

واقع الأرقام والمؤشّرات التي ترمي بالوضع الاجتماعي والاقتصادي إلى عتمة حالكة، تتعارض مع وعود الحكومة في برنامجها، وهي التي تعهدت بإخراج مليون أسرة من الفقر والهشاشة، ورفعت تحدّي محاربة البطالة، وإيجاد مليون فرصة شغل، وهي تدرك يقينا، أن نسب النمو التي يسجّلها الاقتصاد الوطني، لا تستطيع إطلاقا إدراك هذا الرقم. وبشَّرت الحكومة بثورة في قطاع التربية والتعليم، بعزمها جعل المغرب ضمن 60 أفضل دولة، من حيث جودة التعليم في العالم. وهنا يستذكر المغاربة عهد رشيد الطالبي العلمي عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، قوله إن حزب الحمامة سيعطي 1500 درهم زيادة للمواطن المغربي، و1000 درهم في التقاعد، وكل من لم يستفد من هذا الوعد الى حدود 2026 “يجري علينا بالحجر” . دون الحديث عن تعهدات صغيرة من قبيل “مدخول كرامة” الذي يقضي بمنح 400 درهم لفائدة المسنين، ومنح الأسر المعوزة تعويضاً، قدره 300 درهم، عن كلّ طفل وصولاً إلى ثلاثة، لدعم تمدرسهم، والالتزام بدعم مدى الحياة لكل شخص في وضعية إعاقة.

 

نعود من حيث بدأنا ونصرف أنظارنا عن واقعنا المؤلم، حتى يغير الله ما بأحوالنا، ويزيل همنا وغمنا. لنركز على حريرتنا التي تزداد لذة وبهاء إن هي أُرفقت بقطعة حامض. وهنا لا بأس سيدتي الكريمة أو أيها الطباخ الماهر، أن نسرد عليكما مقادير وكيفية تحضير الحريرة العظيمة.

إذ يتطلب إعدادها حوالي 90 دقيقة للحصول على مزيج من النكهات. المكونات لـ10 أشخاص تقريبا يكفي – 250 غرام من خليط من القطنيات المجففة ( الحمص العدس والفول ) – 2 بصل مفروم – الحمص 100 غرام – فرع الكرفس  غرام 100 غرام – 100 غرام من خليط من البقدونس والكزبرة والكرفس- 3 الطماطم الطازجة- 2 ملعقة طعام معجون الطماطم – زيت الزيتون 3 ملاعق طعام – 1 فلفل – 1 زنجبيل. نقوم بتدويرة مصنوعة من الطحين والماء التي تستخدم لإعطاء سائل مخملي الحريرة. قليل من الملح، الزعفران القليل (أو الكركم الافتراضي للون). يضاف خليط الطماطم ويطهى حوالي 20 دقيقة. ثم إضافة حفنة من الشعرية..هي مكونات ومقادير كافية لإعداد الحريرة التي ألفها المغاربة وألفتهم. بينما حريرة واقعنا المجتمعي والاقتصادي تنقصه مقادير، ديمقراطية حقيقية وربط المسؤولية بالمحاسبة والحكامة بما يفضي إلى وضع الشخص المناسب في الموقع المناسب.

مقالات مرتبطة :
تعليقات الزوار
  1. نسيم

    تبارك الله عليك مقال جيد

  2. رقية

    الله يعطيك الصحة مقادير مظبوطة

  3. ام رضى

    صاحب هذا المقال يستاهل الجنة فكرتينا في الحريرة و مقاديرها ولكن كان ختامها مسك بديك …بينما حريرة واقعنا المجتمعي والاقتصادي تنقصه مقادير، ديمقراطية حقيقية وربط المسؤولية بالمحاسبة والحكامة بما يفضي إلى وضع الشخص المناسب في الموقع المناسب….. تبارك الله عليك أسي طاريق

اترك تعليق