الراضي يحكي طرائف جولات الصيد مع الملك الحسن الثاني

عاش الراحل عبد الواحد الراضي، مسارا سياسيا متفردا أهله لنسج علاقات مع القصر وتولي مسؤوليات داخل الدولة وداخل حزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حيث عايش الراضي أبرز الأحداث التي عرفتها المملكة منذ الاستقلال، مما جعل رفاقه يطلقون عليه لقب “ممثل الإتحاد داخل القصر” وذلك لعلاقاته الجيدة مع الراحل الحسن الثاني.

 

في هذا المقال، نسرد جزء من كواليس رحلة صيد جمعت الراحلين الملك الحسن الثاني والراضي. هذا الأخير الذي يحكي للزميلة نجاة أبو الحبيب، في حوار مع أسبوعية الأيام في عددها 746، المنشور ما بين 16 و22 فبراير 2017.

 

يقول الراضي إنه “في إحدى المرات قرر الملك أن يتوجه إلى رحلات الصيد التي اعتادها. كنا جلوسا مع الملك حين التفت إلي وسألني:” الراضي، هل تجيد الصيد؟ فأجبته، نعم سيدي، شي شويا”، وتدخل بعض الحضور ليؤكدوا له بأنني أجيد الصيد فعلا، وعقب بالقول:”غدا، سنتوجه إلى حملة صيد، وإذن تعال مصحوبا ببندقيتك “.

 

وفي الغد حضرت مصحوبا بلوازم الصيد، ورافقت جلالة الملك الحسن الثاني إلى إحدى المحميات ناحية عين عودة، وهناك قضينا نهارا من الاستمتاع بهوايتنا بكل ما تتميز به من بعد إنساني وطبيعي ورياضي، فاصطدنا عددا من الطرائد، من الطيور أو الخنازير. وكما هو معروف، فإن تلك الخنازير التي كنا نصطادها كانت تحمل إلى حديقة الحيوانات في الرباط، لتقديمها كوجبات إلى مختلف الحيوانات الضارية، أما الطيور، فكان الملك يحرص على أن ترسل إلي حصة منها، وكانت تصلني وقد تم ترييشها وتوضيبها وأصبحت جاهزة للطبخ.

 

ومنذ تلك المناسبة انتظمت مشاركتي في حملات الصيد رفقة الملك الحسن الثاني إلى أن توفاه الله في يوليوز 1999 في عدة مناطق، في نواحي عين عودة، أو إفران أو مراكش، وظل حريصا على دعوتي إلى الصيد وإشراكي في هدا الطقس بدون انقطاع.

 

كان يحضر حملات الصيد إلى جانب جلالته ولي العهد آنذاك سيدي محمد، والأمير مولاي رشيد، كما كنت أحضر ضمن شخصيات أخرى أذكر منها أحمد السنوسي، ادريس البصري، الجنرال لوباريس، وأحيانا كانت تحضر شخصيات من ضيوف المغرب، وأذكر أن السيد فاليري جيسكار ديستان كان قد شاركنا مرة إحدى حملات الصيد، وعموما لم يكن يتجاوز عدد الذين يشاركون الملك رياضة الصيد العشرة أشخاص.

 

 

وعلى سبيل الاستعادة الطريفة، كنا في محمية عين عودة نتنقل بحثا عن الطرائد، وكل صياد كان يتبع مسربا خاصا به، أمام وفرة الطرائد، إذ كان فضاء المحمية الطبيعي مهيأ لممارسة طقوس الصيد. أما لصيد الخنزير، واعتبارا لخطورة اندفاعاته، فقد كنا نقف عند مرتفع من الأرض، بينما يتحرك الحياحة لدفع الخنزير صوبنا، وحين كان يتجه نحونا كان ينبغي أن نبقى محميين حتى لا يصدمنا.

 

وأحتفظ ببعض الصور من هذه اللحظات التي كنا نرافق فيها الملك في حملات الصيد. إحدى هذه الصور التقطت لنا ونحن نقف أمام الطرائد التي اصطدناها، ثم صورة أخرى التقطت لنا مع الملك بينما كان هو يسألني: كم اصطدت ذلك اليوم في عين عودة، فأجبته على الفور: ” سبعة وجوج”!، فضحك ضحكة عميقة متسائلة عن معنى هذا الجواب، أي 7و2وليس 9، فأجبته “نعم سيدي، سبعة طرائد ضربتها وسقطت أمامي، واثنتان ضربتهما فحملا الضربة ودخلا في عمق الغابة فلم يسقطا أمامي”. وستظل هذه الدردشة مع جلالته محط مداعبة بيننا، تستعاد داخل دائرة الحاشية المقربة وبين زملاء الصيد.

 

ولكن الصيد في حضرة الملك لم يكن يمر بدون تبادل الأفكار والآراء، وبالخصوص تبادل الرسائل، فكم كان المرحوم الحسن الثاني يكلفني بأن أنقل بعض الرسائل إلى سي عبد الرحيم بوعبيد، وبدا أن حملات الصيد كانت قد غدت صلة وصل فعالة وبعيدا عن أي طابع رسمي أو علني، كما كان عبد الرحيم حريصا على تحميلي بعض الرسائل، كنت أتولى نقلها بأمانة إلى الملك، خصوصا حينما يتعلق الأمر ببعض لحظات التأزم التي لم يكن الطرفان يرغبان فيها أو في تضخيمها، مثلا مشكلة محمد ايت قدور على هامش المؤتمر الوطني الخامس للحزب في سنة <1989 بالرباط، حين قرر العودة من باريس، بعد سنوات من المنفى، لكي يحضر أشغال المؤتمر، كما قيل، فتم اعتقاله في المطار، ومرت فترة طويلة وإخواننا يجعلون من هذا الاعتقال مشجبا يعلقون عليه كل شيء!

 

وهكذا اغتنمت فرصة مشاركتي في إحدى حملات الصيد، لأخبر الملك بأن سي عبد الرحيم يرغب في لقاء جلالته، وأبدى الترحيب متسائلا عما إذا كنت أعرف سبب هذا اللقاء، قلت” إن لدى سي عبد الرحيم ما يتداوله مع سيدنا، وهناك مشكل آيت قدور بدون شك، سيثيره مع جلالتكم”.

 

تم اللقاء فعلا بعد أن اتصلت مصالح التشريفات بالأخ عبد الرحيم وحددت له موعدا. وحكى لي عبد الرحيم عقب اللقاء أنه بمجرد ما سلم على الملك بادره هذا الأخير بقوله: “دع مشكلة آيت قدور جانبا فإنه سيغادر السجن فورا، ولنتحدث عن شيء آخر”. وكانت للملك هذه اللمسات حين كان يريد تلطيف الأجواء.

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق