قصة هشام المهاجري الذي كسر رتابة المناقشات البرلمانية

هشام المهاجري

محمد كريم بوخصاص

سجال كبير ذلك الذي شهدته قبة البرلمان الأسبوع الماضي، حين خاطب البرلماني البامي هشام المهاجري الحكومة بنبرة “المعارضة” فأحدث زلزالا في الأغلبية الحكومية، وصنع الرصاصة التي ستقذفه سريعا خارج الأصالة والمعاصرة، في واقعة يرجح أن تتفاعل أكثر في قادم الأيام. إليكم القصة الكاملة لأخطر خطاب وجهه نائب من الأغلبية للحكومة.

«إذا كان رئيس الحكومة يريدنا أن نتفهم سياسته، فإنه مطالب بأن يفهم ما يعانيه المغاربة». بهذه الكلمات استهل البرلماني الشهير عن الأصالة والمعاصرة هشام المهاجري خطابه الموجه إلى عزيز أخنوش من داخل قبة البرلمان، لكنه لم يكن يعلم أنها ستكون الرصاصة التي سيقذفه بها حزبه خارج صفوفه. مضى المهاجري في توجيه الانتقاد إلى الحكومة لعدم وفائها بوعودها في الصحة والتعليم والتشغيل، معتبرا حديثها المتكرر عن أنها جاءت لتحل أزمة هذه الثلاثية التي تقض مضجع المغاربة غير كاف، لأن كل الحكومات السابقة حملت نفس الشعارات، ولم تقل ـ برأيه – إنها «جاءت لتفسد الصحة والتعليم والتشغيل».

خلال حديث المهاجري ساد «صمت» رهيب داخل القاعة التي يجلس فيها نواب قلائل جراء «الغيابات الجماعية» المعهودة للبرلمانيين، فيما كان عبد الله بووانو وعبد الرحيم شهيد وإدريس السنتيسي مبتهجين بالتحاق نائب جديد من الأغلبية بصفوف «المعارضة». لكن لم يظهر أن المهاجري يعير اهتماما لهذه المسألة، فقد كان يسابق الزمن لقول كل شيء في مدة الأربع دقائق الممنوحة لفريقه للرد على عرض الحكومة، فاستغلها أفضل استغلال بعدما انتقد عدم تحركها ضد الشركات الكبرى التي قال إنها «تُعَرِّي» المغاربة، وربما كان يقصد شركات المحروقات التي تجني أرباحا طائلة من أسعار المحروقات في غياب أي تدخل لمجلس المنافسة الذي يكبل نفسه بنفسه لمعرفة ما إن كانت تحترم شروط المنافسة، قبل أن يدعو الحكومة إلى «العمل على المحافظة على السلم الاجتماعي».

طيلة كلمة المهاجري كان فوزي لقجع وزير الميزانية في حكومة أخنوش يفور غضبا، بينما لم تغب ملامح الصدمة عن وجوه وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي والناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس ووزراء آخرين.

لم تنجل الصدمة إلا بعد أن «صمت» المهاجري وعاد أدراجه إلى مقعده ليجلس بين رفاقه الباميين المشدوهين، وكأن لسان حالهم يقول: «هل المهاجري معنا أم مع المعارضة؟».

السجال والخيانة !

مباشرة بعد كلام المهاجري بدأ تحديد التموقع الجديد للبام، وانشغل البعض باستحضار تاريخ الحروب غير المعلنة التي دارت بين الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار في الفترة الماضية، والتي ظهرت ملامحها بحالة الجفاء التي ميزت علاقة أخنوش بوهبي، وظهرت نتائجها بتسريبات في غشت الماضي عن حصول تعديل حكومي وشيك يطيح بوهبي ووزير التعليم العالي الميراوي الذي يقاطعه رؤساء الجامعات، قبل أن تتحسن علاقة الرجلين ويتوج ذلك بلقاءات الأغلبية الحكومية.

وبينما انطلق البعض في البحث عن حل للغز «كلمة المهاجري» المثيرة، وما إن كانت صادرة منه شخصيا أم تعبر عن فريق البام البرلماني، اعتلى المنصة فوزي لقجع ليخطب في ممثلي الأمة بصوته الخشن ووجهه العابس ونظراته الحادة، فاستهل كلامه بالرد على المهاجري دون أن يسميه، وكان مما قاله: «استمعت إلى المداخلات كلها وفهمت معناها كليا إلا مداخلة واحدة لم أفهمها، ولكن بدون أن أدخل في طياتها عندي أمنية ورجاء واحد أن تكون هذه المداخلة تعبر عن قناعات شخصية ولا تخضع لإملاءات خارجية».

وعلى وقع تصفيقات اهتزت بها قاعة الجلسات العامة من برلمانيي التجمع الوطني للأحرار وأفراد من الفريق الاستقلالي، واصل لقجع خطابه القاسي: «أعيدها للمرة الثانية وأعرف ما أقول، أتمنى أن تكون هذه القناعات والتعبيرات نابعة عن قناعات تحترم الأخلاق السياسية ولا تخضع لإملاءات في دهاليز لا نعلمها!».

كان السلاح الذي استعمله فوزي لقجع ثقيلا، وصادما في الآن ذاته، لأنه يقول أن ممثلا أو ممثلين للأمة «يخضعون لإملاءات خارجية»، مع ما ينطوي عليه ذلك من إمكانية حصول «خيانة للوطن»، وهو ما انتبه إليه عبد الله بووانو رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية الذي لم يكن مبرمجا أن يتحدث ليطلب الكلمة من رئيس الجلسة رشيد الطالبي العلمي، ليقول: «20 سنة في البرلمان ولم أسمع قط هذا الاتهام، لأنه اتهام بالخيانة، هل تعي السيد الوزير ما معنى التعاليم الخارجية والدهاليز؟ دستوريا يصعب باش نتخذو أداة في إطار الحصانة ولكن غادي نطلبو منك السيد الوزير أنك توضح أكثر هذا الأمر، لأن اتهام ممثلي الأمة بالخيانة شيء كبير».

كلام لقجع أثار حفيظة الحركيين أيضا، حيث حرص إدريس السنتيسي رئيس فريق الحركة الشعبية على الحديث في الموضوع، لما قال: «الفريق الحركي لم يتوصل ولن يقبل لا تعليمات ولا أي شيء من هذا القبيل، ولا علاقة لنا بالدهاليز، والذي يحركنا هو الروح الوطنية والمواطنة الصادقة»، فيما اكتفى الفريق الاشتراكي بـ«الصمت».

زلزال في البام

الزلزال الذي أحدثه السجال بين المهاجري ولقجع انتقل سريعا إلى بيت الأصالة والمعاصرة، عندما عقد لقاء للمكتب السياسي يوم الاثنين، تناول تقريرا رفعه رئيس الفريق بمجلس النواب أحمد التويزي انتهى بـ»تجميد عضوية هشام المهاجري» وإحالة ملفه على المؤسسة الحزبية المعنية بالتحكيم والأخلاقيات، لكون مداخلته ـ كما جاء في بلاغ الحزب – «عبرت بالملموس عن مسه بمبادئ وقوانين وتوجيهات الحزب في ما يتعلق بالتحالفات، وعدم احترامه للالتزام السياسي والدستوري الذي يربط حزبنا بالأغلبية»، وجدد الحزب تقديره «لحجم المسؤولية الدستورية والسياسية والأخلاقية المتينة له اتجاه شركائنا في الأغلبية الحكومية، والتزامه الجماعي باحترام ميثاق الأغلبية».

قبل قرار الحزب في حقه بساعات، ربطت «الأيام» اتصالا بالمهاجري في محاولة لفهم ما جرى، غير أن جوابه جاء مختصرا وضرب لنا موعدا آخر، في وقت كانت الأخبار القادمة من بيت الأحرار تشي بالغضب الكبير.

قصة عجيبة !

ليست المرة الأولى التي يجد فيها المهاجري نفسه خارج الأصالة والمعاصرة، فللرجل قصة عجيبة داخل «البام»، فقبل أسابيع قليلة من انتخابات 8 شتنبر 2021، تعرض للطرد من الحزب رفقة نواب ومستشارين برلمانيين آخرين بسبب خلاف حول التزكية للانتخابات، وبرر المكتب السياسي قراره آنذاك بارتكابهم «أخطاء جسيمة»، قبل يتراجع وهبي أياما بعد ذلك عن قرار طرده، بعد جلسة صلح جرت بمنزل مستشار برلماني من الحزب، وهو في الآن ذاته صِهر المهاجري، وحضرها عبد اللطيف وهبي وفاطمة الزهراء المنصوري رئيسة المجلس الوطني، وأحمد اخشيشن، رئيس الجهة آنذاك، وعبد السلام الباكوري الأمين الجهوي، وشقيقي المهاجري، سعيد الذي يرأس المجلس الإقليمي لشيشاوة وعبد الإله المستشار البرلماني.

وخلال تلك الفترة، كان وهبي قد قال في حوار مع «الأيام»، إنه اتخذ قرارا في حق المهاجري بناء على تقرير، لكنه تراجع عنه بعد وساطة عائلية ومؤسساتية، وأضاف: «الأمين العام للحزب عندما يُصدر قرارا فليس معنى ذلك أنه النهاية، بل يمكن أن يُراجعه».

وكان وهبي محظوظا بإعادة العضوية للمهاجري، حيث ظفر بمقعده عن دائرة شيشاوة، ونال أكبر عدد من الأصوات على الصعيد الوطني بواقع 51 ألفا و689 صوتا، وذلك بأكثر من ضعف عدد الأصوات التي حصل عليها مرشح الحركة الشعبية الذي حل ثانيا بـ21 ألفا و110 أصوات ومرشح التجمع الوطني للأحرار بـ20 ألفا و82 صوتا وحزب الاستقلال بـ15 ألفا و376 صوتا.

فهل يتراجع «وهبي» مجددا عن قرار تجميد عضوية المهاجري أم أن الثانية ثابتة؟

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق