ما سر تهويل الحكومة من الوضعية المالية للصندوق المغربي للتقاعد؟

 

عبد العزيز الطاشي: خبير بالشؤون الاجتماعية

 

الجواب بكل بساطة: الحكومة تسعى من ذلك إلى تقليص كلفة الأجور ومن النفقات الإجبارية المتعلقة بالموظف .

 

قد يبدو الجواب غريبا، خاصة وأن الصندوق المغربي للتقاعد لا تدبره الحكومة بل يدبره مجلس إداري مستقل و منظم بقانون، لذلك قد يتبادر إلى الدهن السؤال التالي : ما علاقة كلفة الأجور بوضعية الصندوق المغربي للتقاعد؟

 

فقبل بسط الجواب وتعليله وتحليله، دعوني أعرض عليكم بعض المؤشرات الموضوعية والواقعية والدالة على الواقعة :

 

المؤشر الأول: خطة دفع الموظف لطلب الحصول على التقاعد النسبي:

 

أثارني الواقع الغريب والمؤلم للارتفاع المهول لطلبات الحصول على التقاعد النسبي، فآلاف من خيرة الموظفين ذوي التجربة العالية والكفاءة والخبرة العلمية والحنكة الإدارية ، أصبحت تفضل مغادرة أسلاك الوظيفة العمومية !!!

 

تفضل الالتحاق ب”سلك” المتقاعدين قبل بلوغهم حد سن التقاعد، ودون أن قناعة تامة بذلك، بل منهم من أدخلها في خانة المثل الدارج ” مكره أخاك لا بطل”، خاصة وأنهم واعون بأنهم سيفقدون آلاف الدراهم من راتبهم الشهري على الرغم من حاجتهم الملحة لها في ظروف الغلاء الفاحش وتدهور القدرة الشرائية… لجأوا إلى طلب التقاعد النسبي وهم مقتنعون بأن الحكومة لن تحسن من دخلهم ودون الزيادة في ” الصَّلِير” الذي كان ضمن وعودها المعسولة خلال حملاتها الانتخابية وكررتها بطريقة غير مباشرة من خلال اتفاق العار الموقع في 30 أبريل الماضي….

 

فبالرجوع إلى الموضوع أعلاه، أكاد أجزم أن الحكومة نجحت في مخططها الماكر والمحبوك في “إقناع” الموظفين ودفعهم لطلب التقاعد النسبي ،حيث أن خطتها تتجلى في إظهار أن الوضعية المالية ل CMR وضعية كارثية تستدعي التدخل العاجل، وان الحل هو الرفع من سن التقاعد إلى 65 سنة، ورفع نسبة الاقتطاع و تقليص نسبة الاستفادة إلى 70%… وأطلقت ذبابها الإليكتروني لنشر الخبر بطرقه الخاصة وذلك عبر مقالات مكتوبة أو عبر كابسولات مرئية أو سمعية… فالموظف أمام هذه الإشاعات الخداعة والضغوط النفسية القوية التي يعيشها لم يتوانى في دفع الطلب محاولا الفرار من المجهول…

 

المؤشر الثاني: غض الطرف، احسبه مقصودا، عن والوضعية الحالية للصندوق المغربي للتقاعد:

 

أذكر بما قلته في أحد المقالات السابقة، لما أشرت إلى أن الصندوق المغربي للتقاعد قد تحسنت وضعيته نسبيا منذ سنة 2021 بسبب ارتفاع عدد المنخرطين الناتج عن إدماج أطر الأكاديميات الجهوية للتعليم الذي كان له تأثير إيجابي على دعم فئة المنخرطين بالصندوق حيث أن عدد المساهمين(المنخرطين) من المدنيين أصبح أكثر من 722890 سنة 2022 عوض 624986 سنة 2020 وسيزداد هذا الرقم خلال سنة 2023 في حين أن عدد المتقاعدين (الذين يتقاضون معاشهم من الصندوق)أصبح 306164 .

 

كما أن المجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد قد قرر القيام بتعديل إيجابي للمادة 7 من المرسوم 2.95.749 المطبق للقانون 43.95 القاضي بإعادة تنظيم الصندوق المذكور، فهذه المادة تم اقتراح تعديلها نحو الاحتفاظ بمبلغ الحد الأدنى من الرصيد الاحتياطي وتحديده فيما يعادل نفقات السنة المنصرمة، عوض ما هي عليه المادة 7 التي تنص على أنه في حالة انخفاض الرصيد الاحتياطي إلى أقل من الثلثين خلال الثلاث سنوات المحاسبية الأخيرة ، سيتم اللجوء إلى اقتطاعات من أجور الموظفين بشكل مباشر وبمقتضى المرسوم دون اللجوء إلى حوارات أو مفاوضات….

 

فعوض أن تتعامل الحكومة مع موظفيها بنوع من الشفافية والوضوح، وتخبرهم أن الرصيد الاحتياطي للصندوق قد بدأ في التحسن، وتخبرهم أيضا بأن أموالهم التي تقتطع من راتبهم الشهري وتُضخ في الصندوق يتم الاستثمار بجزء منها في مشاريع متنوعة كما حصل مثلا في عملية اقتناء الصندوق ل 05 مراكز استشفائية جامعية (CHU)من الدولة بمبلغ 4 مليار و 6 مائة مليون درهم ثم تكتريها (الدولة) من الصندوق لنفس المستشفيات الجامعية على مدى 40 سنة دون أن نعرف مبلغ الكراء؟

 

المؤشر الثالث: التراخي في القيام بإصلاح النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد “RCAR” :

 

في إطار مشروع الإصلاح الشمولي الذي يروم إلى إحداث قطب عام يجمع كل من CMR و RCAR في صندوق واحد، كان على الحكومة أن تبادر إلى تقريب بين النظامين لما فيه مصلحة المنخرطين، فمنخرطو RCAR ، المقدر عددهم ب 187 ألف ، يعانون عند وصولهم إلى سن التقاعد من هزالة المعاش بسبب المعايير المقياسية الغير منصفة التي يشتغل بها النظام. فكان الاجدر أن تبادر الحكومة إلى القيام بتعديلات ، في إطار تقريب هذا الصندوق من الصندوق المغربي للتقاعد ، كرفع نسبة الاحتساب إلى 2% ( عوض 2% خلال 30 سنة عمل الأولى و%1 فقط بعدها)، واحتساب معدل الأجرة الشهرية باعتماد مدة 96 شهرا الأخيرة قبل بلوغ المعاش عوض ما يكتوي به منخرطو هذا الصندوق من احتساب معدل تغير الأجرة طيلة المسار المهني، وحذف سقف المعاش المتمثل في 19252 درهم … كما وجب على الحكومة أن تعمل على إيجاد حل للمعاش الجامد والغير متحرك بالنسبة لمنخرطي CMR وذلك بتغيير نظام هذا الأخير إلى نظام التوزيع والرسملة حتى يُمكن المنخرطين من الاستفادة من أرباح الاستثمارات التي يديرها صندوق الإيداع والتدبير كما هو الحال بالنسبة لمنخرطي RCAR.

 

فهذا الورش العملي تتعامل معه الحكومة ببطئ كبير ولا تزال لم تشرع فيه، بل في المقابل أقدمت على تغيير المرسوم الخاص بتطبيق قانون RCAR في اتجاه الاجهاز على مكتسبات منخرطي ومتقاعدي هذا النظام !!!

 

فعوض أن يتم الإصلاح في هذا الاتجاه، تأبى الحكومة إلا أن تزرع هاجس الخوف وتوحي إلى مستقبل مجهول ومأساوي وتحاول أن تعصف بما تبقى من مكتسبات CMR وتنزل به إلى مستوى ما يعانيه منخرطوا RCAR !!!

 

أعود إلى السؤال المطروح، إذا كان الصندوق المغربي للتقاعد في تحسن كما بينته من خلال الفقرات السابقة، فلماذا تلجأ الحكومة إلى التهويل من الوضعية المالية للصندوق؟

 

الجواب بكل بساطة هو: لكي تدفع بعموم الموظفين ورجال ونساء التعليم خاصة نحو التقاعد النسبي، والهدف من ذلك هو إرادة الحكومة تقليص كلفة الأجور ومن نفقات الموظفين، وسأوضح ذلك بواسطة الأرقام.

 

فاستنادا إلى قانون المالية لسنة 2022 يتضح ما يلي:

 

كلفة نفقات الدولة على أجور الموظفين عامة (بما فيهم رجال الأمن الوطني والدفاع بالإضافة إلى النفقات المشتركة كأداء نسبة التقاعد…) تصل إلى 72% من الميزانية العامة للدولة، بحيث نجد أن الدولة تنفق على أجور موظفي وزارة الداخلية والدفاع الوطني مبلغ 100 مليار درهم أي ما يقدر ب30% من نفقات الدولة وهو أكبر مبلغ في النفقات، ثم تليها نفقات ميزانية الدولة على أجور موظفي التعليم والتي تقدر ب 79 مليار درهم وهو ما يمثل نسبة 24% (لذلك اكثر استهدافا من التهويل) ، و70 مليار الدرهم 21% للنفقات المشتركة والمتنوعة ومنها مساهمة الدولة في الصندوق المغربي التقاعد…

 

فما يهمني من هذه الأرقام ما تعلق بموظفي التعليم (بحكم نظرة الحكومة الى أن ميزانية القطاع كبيرة) الذين هم المستهدفون من التهويل المذكور لوضعية CMR، بحيث أن نسبة كبيرة منهم، لاسيما التي اشتغلت لأكثر من 30 سنة قدمت طلبها للحصول على التقاعد النسبي. فأغلبهم أساتذة “السلم 11” وأساتذة “خارج السلم”.

 

فالحكومة وجدت وصفة ماكرة لتقليص من كلفة الأجور على الشكل التالي : الموظفين الجدد هم “أطر الأكاديميات” (وصل عددهم أكثر من 110 ألف ) و تم أدماجهم في الصندوق المغربي للتقاعد.
وراتبهم الصافي الشهري يبتدأ(حسب تطبيق مماثلة الأجرة) ب 5116,07 درهم (السلم 10 الرتبة 1) وتؤدي عنهم الدولة للصندوق المغربي للتقاعد مبلغ 908,39 درهم (ومثله يؤديه الأستاذ) ، في المقابل “ستتخلص” من أستاذ قديم بأجرة، للأسف تحسبها الدولة مرتفعة”، مثلا أستاذ ثانوي تأهيلي راتبه الصافي الشهري 12907,78 درهم (خارج الدرجة الرتبة 7) وتؤدي عنه الدولة 2714,15 درهم (ومثله يؤديه الأستاذ) للصندوق المغربي للتقاعد.

 

مثال ثاني: أستاذ السلم 11 الرتبة 10 : أجرته الشهرية الصافية 10164,04 ؛تؤدي عنه الدولة شهريا مبلغ 2031,34 (ومثله يؤديه الأستاذ)

 

ففي هذين المثالين، خططت الحكومة “لربح” 9597,47 درهم قي المثال الأول و 6170,92 درهم عن كل أستاذ أو أستاذة (متوفر على الدرجة والرتبة المذكورتين في المثالين) . وهكذا فإنها قلصت، من كلفة الأجور، بطريقة تطبعها المكر وعدم الشفافية.

 

فما هكذا يحترم الموظف الذي أفنى عمره وشبابه في تربية الناشئة على الإخلاص وحب الوطن !!!

مقالات مرتبطة :
تعليقات الزوار
  1. الله عادل ولابد سيذيقهم مرارة ثمن هذا الظلم (فانتظروا إنا معكم منتظرون)

  2. العلياطي

    أعتقد بأن الخبير عضو في الحكومتين السابقتين، التي أجهزت على مكاسب الموظفين في التقاعد.

  3. مهتم

    لماذا لم نسمع عن هكذا تحليل عندما كان حزب العدالة والتنمية في الحكومة ،بل رفع قياديون من نقابتكم شارة النص عندما تم تمرير مرسوم الإصلاح الأول

  4. حسن

    الى متى سنؤجل غضبنا الى الاخرة؟

  5. محمد الفصيح

    ما ذكر في التحليل هو نظرة قريبة من الموضوعية ،لكن خارج زمنها المناسب ،حيث سمعنا تحليلات أعمق من مسؤولين نقابيين ومن نفس نقابة صاحب المقال زمن الإصلاح المقياسي سنة 2016، وكان مصير صاحب التحليل العميق ذاك ،كاتب نقابة الصحة لعله عبد القادر فرياط إن لم أخطئ في الاسم معتذرا ،نعم تم تهميش الرجل بل وتوقيفه من قبل الزعيم الابدي للعدالة والتنمية ،لكي لا يفسد عليه إصلاحه المزعوم الذي نعيش تبعاته الآن ،فعلى صاحب المقال أن يتوجه أولا الى البادئ بالظلم ويقنعه بوجاهة ما يراه مناسبا ،وليخرج على القوم بنقد ذاتي واعتذار عما اقترفت يداه في حق الشغيلة.

  6. رشيد مد

    لقد تواطأت النقابات والدولة في الاجهاض على الحقوق المكتسبة للشغيلة التعليمية فالله المستعان على مايدبرون

  7. من فتح باب جهنم في وجه الموظفات والموظفين ليكتوون بما فعلته حكومة العدالة والتنمية في نسختيها الاولى والثانية وبمباركة نقابتها التي اتت على اليابس والاخضر،باجهازها على كل المكتسبات )مكتسب التقاعد مثال على ذلك) فعار على كل من ينتمي لهذا الحزب ونقابته ان يتكلم الان للاسف الشديد………(ان لم تستحيي فافعل ماتشاء.)

  8. مالا أفهمه ،هو كلمة إصلاح صندوق التقاعد،هل الإصلاح التي تسعى اليه الدولة هو الاجهاز على رواتب موظفيها وتقزيمها ،الدولة لا تنفق علينا هكذا ،وكأنها تتصدق علينا ببعض الدريهمات ،فالموظف لا يتسول، ولا ينتظر الصدقات، وانما يطالب بانصافه،وتأدية أتعابه،فهو يقدم خدمة لوطنه ،فاي عامل او مهني او اطار احضرته من اي بلد كان ليقدم لك خدمة فانك.مطالب بتأدية أجر له. اما الحديث عن الأجور المرتفعة فلا وجود لها في حقل التربية والتعليم العمومي ،

  9. مليكة ملك الملوك

    ها العار تكلمو على التقاعد ديال البرلمانيين والوزراء التي تصرف بدون حق.

اترك تعليق