رجاء ودعاء

إن تسويق العامل الإيديولوجي على أساس أنه سبب تعاسة الجزء الأكبر من المغاربة كان مصيدة أطبقت على ذيل الحكومة مباشرة بعد تنصيبها. لقد صورت الحملة التواصلية لحزب الأحرار قبل الانتخابات، أن الجنة توجد تحت أقدام الحمامة الزرقاء، وأن إعطاءها الأغلبية الوازنة هو حل سحري سيحلق بالمغاربة في آفاق رحبة ناعمة، وعززوا ذلك بالأرقام.

نور الدين مفتاح [email protected]

ارتبك الدخول السياسي لهذه السنة بحدث خارجي عكر المزاج العام الداخلي في المغرب، وحجب الرئيس التونسي، باستقباله لزعيم «البوليساريو» كرئيس دولة في القمة الإفريقية اليابانية، الملفات الساخنة التي تنتظر حكومة أخنوش، والسبب واضح، وهو أن القضية الوطنية في النهاية تعلو على ما عداها. إنها تتصدر الأولويات، وبعدها فليتدافع المتدافعون.

 

دخل أخنوش ومن معه السنة الثانية من عمرهم في الحكومة مجرورين بهاشتاغ «ارحل» وببالونات اختبار التعديل الحكومي. وإذا كان أمر رحيل أخنوش قد أسال الكثير من المداد حول ما ورائياته، فإن حقيقة ما يعكسه تكمن في هذه الغرائبية السياسية التي تعيشها بلادنا منذ سنتين تقريبا، لدرجة أن أخنوش نفسه، وربما الذين يصنعون القرار، تهرب من أيديهم خيوط فهم تفاعلات شبكة ربما استقلت عن المساهمين في صنعها. فمن ضد هذه الحكومة حقيقة؟ هل هم 2 مليون مغربي من الغاضبين المفترضين أو الافتراضيين، أم أن هناك من الأقربين من هم أشرس في المطالبة برحيل الرجل الذي أسقط الإسلاميين من الحكومة؟

 

لا يمكن لأحد أن يؤكد حقيقة ما يجري في مرحلة حساسة تمرّ منها البلاد. نحن لا نعيش أزمة سياسية، ولكن الصراع يبدو قوياً بين أطراف لا علاقة لها بالمعارضة الشعبية أو المؤسساتية. والإحساس العام الذي يخرج به المتابع النابه أن هناك مخاضا يريد كل طرف أن يتحكم في ما سيترتب عنه، ولا يمكن أن ينتظر أحد من أي أحد أن يمدّه بالأسماء أو يعين الجهات لأنه في صراع بمثل هذه الطبيعة وفي مثل هذه الظروف يحتاج إلى الغموض الذي يصبح بالنسبة له كالماء بالنسبة للحيتان.

 

إن هذه الحقيقة المحسوسة، وإن لم تكن ملموسة، لا يمكن أن تخفي الصعوبات الذاتية التي تواجهها حكومة خرجت وهي تجر أعطاب الحرب السابقة على ولادتها. لقد فشل إلياس العماري، زعيم حزب الأصالة والمعاصرة الأسبق، في إسقاط حكومة الإسلاميين، وغادر. وأوكلت المهمة لعزيز أخنوش، وحزب الأحرار. ومنذ تعيين حكومة البيجيدي وأخنوش يقود الحرب التي بدأت بإخراج ابن كيران من رئاسة الحكومة، وانتهت بالانهيار الانتخابي للإسلاميين.

 

إن تسويق العامل الإيديولوجي على أساس أنه سبب تعاسة الجزء الأكبر من المغاربة كان مصيدة أطبقت على ذيل الحكومة مباشرة بعد تنصيبها. لقد صورت الحملة التواصلية لحزب الأحرار قبل الانتخابات، أن الجنة توجد تحت أقدام الحمامة الزرقاء، وأن إعطاءها الأغلبية الوازنة هو حل سحري سيحلق بالمغاربة في آفاق رحبة ناعمة، وعززوا ذلك بالأرقام.

 

ولكن، تبين انطلاقا حتى من الشكليات، أن دخول معمعة تدبير الشأن العام أوعر من إنجاز مهمة اقتلاع غريم سياسي من الحكومة، فحملة الأحرار التواصلية قبل الانتخابات كانت أحسن ألف مرّة من تواصلهم السياسي حين مباشرتهم المسؤولية الحكومية، وتبين أن هناك أخطاء قاتلة في بروفايلات المستوزرين، وأن الأغلبية المريحة في البرلمان لا تكفي لكسب التعبئة الشعبية. وفي النهاية، ظل أخنوش حبيس واجب أن يكون تلميذا نجيبا، وحبيس نظرية المؤامرة من جهة أخرى، ولهذا أنا أعتبر أن العوامل الخارجية القائمة والمؤثرة بقوة، لم تكن هي سبب هذا التردي غير المسؤول في شعبية حكومة يمكن أن نقول إنها خرجت من الخيمة مائلة، ولا سند لها حتى من حلفائها المفترضين، إلا العناية الربانية ورحمة الأقدار.

 

لقد كانت الفرضية أن ملف المحروقات سيذوب في كأس الإيديولوجيا وستتخلص منه الحكومة بمجرد اتهام بوانو، رئيس اللجنة البرلمانية التي أعدت تقرير ما وصف بالأرباح اللاأخلاقية التي وصلت حينها إلى 17 مليار درهم، باستهداف أخنوش، ثم بإلصاق تهمة الارتفاع المهول للأسعار في محطات الوقود بابن كيران الذي قاد عملية رفع الدعم عن البترول. إلا أن كل هذا لم يشفع لأخنوش، كرئيس للحكومة، في أداء ثمن الربط الشعبي – سواء كان صحيحا أم لا – بين امتلاك رئيس الحكومة المغربية لأكبر شركة محروقات ووصول ثمن البنزين إلى أعلى مستوى له في تاريخ المملكة، وهذا الثمن ببساطة كان هو السخط، والخطير لدى الحكومة هو أنها ظلت تنكر هذا التذمر العام وإلى الآن، ورتبت على ذلك مسألة أخطر وهي عدم التدخل بأي إجراء، سواء عملي أو رمزي، للتخفيف من آثار ارتفاع الأسعار على المواطن المغلوب على أمره، والذي تطلب منه الحكومة أن يتضامن مع أكبر ملياردير في البلاد لأنه مستهدف!!

 

كلنا كنا ضحية الحماقة الروسية في جوابها على التضييق الغربي بشن حرب شاملة على أوكرانيا، ولكن، أعتقد أن أخنوش هو واحد من أكبر ضحايا بوتين سياسيا حتى وإن كان قد استفاد ماديا في شركته. والمشكل أن الناس في الحكم خلال الأزمات الكبرى، وبفعل جسامة التحديات، إما يرفعون فيدخلون التاريخ ويخلدون، أو أنهم يسقطون تحت عجلات هذا التاريخ، يبررون، ويتباكون، ويشتكون وينتظرون وهم يسألون اللطف في ما جرت به المقادير.

 

إن بالون الاختبار الذي أطلق في غشت من خلال مجلة «جون أفريك» حول التعديل الحكومي لم يجد، للأسباب التي فصلنا فيها آنفا، إلا مساحة صغيرة لتزجية الوقت دون أن يعيد تعبئة مفقودة ولا أملا حقيقيا في تغيير الاتجاه. القضية بالنسبة للمغرب أعمق حتى من الملفات المطروحة على طاولة التدبير الحكومي، وهي أوراش الدولة عموما، ومنها الحماية الاجتماعية وفي قلبها تحدي نفض الغبار عن المنظومة الصحية، ومنها الاستثمار وانتظار الأمطار.

 

نحن في دخول عام بطعم الانتظار، ولكنه انتظار صاخب. القاعة ضاجة بالناس من مختلف التوجهات، والصراخ في كل مكان، تبدو الأمور في السطح بأنها حيوية مجتمع تريد فئاته من مختلف المستويات أن تكون المتحكمة في القدر، ولهذا ترى المبالغات والتجاوزات وتبادل الاتهامات. وعموما، هناك اختلاط غير مسبوق للحابل بالنابل بحيث لم تعد تصنيفات المعارضة والمساندة إلا جزءا من ماض لا يمت بصلة لحاضر هو معقد بالنسبة لأخنوش ومن معه، وأعقد لمن ليس معهم، ومدلهم غير واضح للجميع، ولكن شيئا واحدا قد يخفف من هذه الجلبة، هو الرجاء والدعاء.

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق