لعنة المحروقات التي تكاد تغرقُ الحكومة

عزيز أخنوش
  • محمد كريم بوخصاص

مازالت كرة المحروقات تتدحرج لتلتهم أقساطا مهمة من أجور الموظفين وتستنزف جيوب المواطنين المثقوبة أصلا من فرط الارتفاعات الصاروخية في أسعار جل المواد، لكنها في كل مرة تكبر أكثر مخلفة الفزع لدى المغاربة، خصوصا أن لا أحد يستطيع التنبؤ بالحالة التي ستصبح عليها أمام انسحاب الحكومة واختبائها خلف السياق الدولي!! في هذه النافذة لمحة عن أضلاع “مربع” المحروقات المخيف.

«#ارحل_أخنوش» 

بالتوازي مع انخفاض أسعار النفط دوليا والتي لم تنعكس على أسعار المحروقات محليا، دشن نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية حملة للمطالبة بـ»رحيل أخنوش» عبر مشاركة «هاشتاغ» و»ووسم» في «فايسبوك» و»تويتر» وحتى «تيك توك» سجل حجم مشاركة غير مسبوقة بلغت أعتاب المليون. وسريعا، تحولت هذه الحملة الشعبية إلى ضلعٍ رئيسي في مربع المحروقات في المغرب، تُعِيد للأذهان حملة المقاطعة الشهيرة لثلاث علامات تجارية من بينها شركة للمحروقات في 2017، خصوصا أن المشترك بينهما أنهما لم تنطلقا من منصات السياسيين الافتراضية، بل من حسابات غير محزبين.

وتستمر الحملة حتى اليوم مطالبة بتخفيض الأسعار إلى 8 دراهم للبنزين و7 دراهم للغازوال، خاصة بعد ظهور زيف التطمينات التي بعثها المدافعون عن الحكومة بقيام الشركات بتخفيض درهم وبضع سنتيمات ابتداء من يوم الجمعة الماضي، حيث تستمر الأسعار في أغلب محطات الوقود متراوحة بين 16 و17 درهما، علما أن بعض الأوساط تتحدث عن رفض أرباب محطات الوقود الاستجابة للشركات باعتماد سعر جديد إلى حين بيع كل مخزونها، لكن لم نتمكن من التأكد من صحة ذلك.

قلة الحيلة

منذ ارتفاع أسعار المحروقات بشكل صاروخي وغير مسبوق، تُبَرر الحكومة «صمتها» بقلة الحيلة، مُرددة في كل مرة أسطوانة عدم القدرة على العودة إلى دعم الأسعار عبر صندوق المقاصة مثلما كان عليه الوضع قبل 2015، وقبل أن يُبَادر رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله ابن كيران إلى ارتكاب «خطيئة» تحرير الأسعار دون تهييء الظروف لحماية جيوب المواطنين من جشع الشركات. آخر الكلام الذي تم ترديده في هذا الشأن هو ما عبر عنه الوزير مصطفى بايتاس الناطق الرسمي باسم الحكومة، حين أعلن في لقاء حزبي بجهة بني ملال خنيفرة، أن «لجوء الحكومة إلى دعم المحروقات يتطلب 65 مليار درهم»، قبل أن يضيف: «ولي عند وشي حل يجيبو لينا مرحبا به».

اللافت للانتباه، أن لا أحد اليوم يدعو إلى عودة دعم المقاصة للمحروقات، ما يعني ـ في نظر البعض – أن كلام بايتاس هو هروب للأمام وإصرار على عدم الرد على الحلول المعقولة التي يتم ترديدها منذ مدة، وأهمها «تخفيض رسم استيراد المحروقات»، وأيضا «تخفيض ضريبة الدخل على الاستهلاك» التي تبلغ درهمين و42 سنتيما، وتصل عائداتها في السنة إلى 30 مليار درهم، باستحضار معدل الاستهلاك الوطني للمواد البترولية الذي سجل العام الماضي (2021) حوالي 11.2 مليون طن، بارتفاع بنسبة 13 في المائة مقارنة مع سنة 2020، موزعة كالتالي: 55 في المائة من الغازوال و24 في المائة من البوطان و9 في المائة من الفيول و6 في المائة من البنزين و4 في المائة من وقود الطائرات و2 في المائة من البروبان.

من الحلول الأخرى المبتكرة، والتي عملت بها جل دول العالم، سَن ضريبة استثنائية على الشركات التي راكمت أرباحا «فاحشة» خلال الفترة الماضية، بلغت منذ التحرير الأعمى للسوق نحو 45 مليار درهم.

عقدة «لاسامير» 

أحد أضلاع مربع الأزمة في قطاع المحروقات، والذي يبقى عجيبا أكثر من غيره، الطريقة التي يتم بها تدبير ملف «لاسامير» التي كان يمكن أن تلعب دورا إيجابيا في هذه الأزمة، ليس من طرف الحكومة الحالية فحسب، بل حتى من طرف حكومة العدالة والتنمية الثانية، حيث أن كل الوزراء الذين تعاقبوا على تدبير قطاع الطاقة منذ بدء أزمة الشركة في 2015 وحتى اليوم كان همهم الرئيسي هو وضع «حواجز» أمام إعادة تشغيل الشركة، ما يُرَجح فرضية وجود جهة ما لها مصلحة في «إقبار» لاسامير، وقد يكون لوبي المحروقات نفسه.

وتبقى أحدث صورة عن حالة التخبط في ملف «لاسامير» هي ما أدلت به وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي جوابا على سؤال وجه إليها في برنامج تلفزيوني على القناة الثانية، حول حاجة المغرب إلى مصفاة لاسامير، حيث قالت بعظمة لسانها: «عارفة أن الناس لن يعجبهم الأمر، لكن الجواب هو لا»، قبل أن تعود قبل ثلاثة أيام لتتبرأ من كلامها تحت قبة البرلمان، بل لتعلن أمام البرلمانيين إنها لم تقله يوما!!

الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس لم يكن «محافظا» في موضوع لاسامير مثل زميلته ليلى بنعلي، لكنه عبر بشكل أكثر وضوحا عما يدور في ذهن الحكومة، حين أعلن في لقاء حزبي بجهة بني ملال خنيفرة نهاية الأسبوع الماضي، أن «لاسامير هي جزء فقط من الحل وليست الحل كله»، على الرغم من أنها تُخَزن حوالي 800 مليون لتر، والسبب في نظره هو أن وضعيتها معقدة ومركبة، لكونها محل نزاع قضائي في المحكمة وموضوع تحكيم دولي في الخارج، إضافة إلى ديونها البالغة 45 مليار درهم. لكن كل هذه الأسباب تبدو غير مقنعة ومتهافتة في نظر العارفين بخبايا هذا الملف.

صحيح أن مبلغ الديون المتراكمة على الشركة يصل إلى 45 مليار درهم، لكن ثمن بيعها محدد من طرف المحكمة التجارية منذ يناير 2017 في 21.46 مليار درهم، على أساس توزيع عائدات البيع على الدائنين، لأن الهدف من مسار التصفية القضائية للشركة هو الوصول إلى شركة جديدة تُنقل إليها أصول وممتلكات لاسامير دون أن تُنقَلَ إليها الديون، وذلك من أجل غاية أسمى وهي أن تصبح لاسامير شركة مطهرة من الديون والالتزامات السابقة قبل تفويتها، عكس ما تُرَوجه الحكومة من أن الشركة التي ستشتري أصول لاسامير ستكون مطالبة بأداء 45 مليار درهم للدائنين.

ومن المعطيات التي تتوفر عليها «الأيام»، أن المحكمة التجارية تتلقى منذ يناير 2017 عروضا لاقتناء أصول شركة لاسامير، بلغت حتى اليوم أزيد من أربعين عرضا، بعضها من مجموعات استثمارية أجنبية وصل النقاش معها إلى مراحل متقدمة.

أما في ما يخص قضية التحكيم الدولي، فإن هذه المسطرة منفصلة ولا علاقة لها بالتصفية القضائية، حيث أنها تخص الدولة في مواجهة المستثمر السابق.

«تهريب» قوانين المنافسة 

الضلع الأخير من مربع أزمة المحروقات لا يقل غرائبية عن سابقه، لكنه يعطي صورة أعم عن كيف تُدَبِّرُ الحكومة ملف المحروقات. إنه الترسانة القانونية للمنافسة التي يجري تهريبها من لدن الحكومة، وذلك بعدم إحالة مشروعي قانونين يقضيان بتغيير وتتميم القانونين المتعلقين بحرية الأسعار والمنافسة ومجلس المنافسة إلى البرلمان إلى اليوم رغم مرور أربعة أشهر على المصادقة عليهما في المجلس الحكومي.

وبحسب المعطيات التي توصلت إليها «الأيام»، فإن هذين المشروعين لم يَبرحا مكانهما بعدُ ولم تتم إحالتهما إلى البرلمان كما تقتضي مسطرة التصديق على مشاريع القوانين، والسبب في ذلك هو أن الحكومة لم تَحُل حتى اليوم الخلاف الذي عبر عنه وزراء حول المشروعين، ولم تصل إلى النسخة المتفق بشأنها، إذ عمدت إلى المصادقة على مشروعي القانونين على أساس تكليف لجنة وزارية تحت إشراف رئيس الحكومة باعتماد الملاحظات والتصويبات المثارة، لكن لا تُعرف لحد الآن أسباب التأخر في مباشرة هذه اللجنة عملها، رغم أن الظرفية تفرض التعجيل وليس التماطل، خصوصا أن مجلس المنافسة يربط تدخله لمراقبة سوق المحروقات بتعديل ترسانته القانونية، والتي كانت موضوع أمر ملكي صدر لرئيس الحكومة السابق في أبريل 2021.

الصادم في هذا الموضوع هو أن لا أحد من غير الوزراء اطلع على مشروعي القانونين اللذين فرضت عليهما «سرية تامة»، كما أن لا أحد يتوفر على النسخة المصادق عليها.

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق