دخلت علاقة حزب العدالة والتنمية بقيادته الجديدة القديمة عبدالإله ابن كيران في منعطف مع وزارة الداخلية، بعد اتهام الوزارة في بيان لها، الإسلاميين بـ”إفساد” و”محاولة ضرب مصداقية” الانتخابات التشريعية الجزئية التي جرت بحر الماضي، و”تبخيس المكتسبات الديمقراطية”، ليرد الأمين العام للحزب، واصفا البيان بـ”غير اللائق”، نافيا رغبة حزبه في الصدام مع الوزارة.
التوتر في العلاقة، جاءت في سياق توالي الخرجات التواصلية لزعيم حزب العدالة والتنمية الأسبوعية، التي يأتي من خلالها على ملفات كثيرة آخرها حديثه عن شبهة فساد لحقت العملية الانتخابية الجزئية التي كرست تواضع الحزب فيما حافظت على نسق حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يواجه انتقادات كبيرة بسبب الغلاء.
بالمقابل، يعتبر الحزب الإسلامي من أكبر الخاسرين في الانتخابات الجزئية، بعد أن خرج خاوي الوفاض رغم التعبئة التي قامت بها قيادة الحزب في صفوف مناضليه للتصويت بكثافة لمرشحي الحزب بدائرتي مكناس والحسيمة، وذلك في وقت كان يراهن فيه على الرفع من عدد مقاعده الـ13.
خسارة الحزب في الانتخابات الجزئية رفعت من منسوب نقد ابن كيران الموجه إلى جهات لا يسمها، يقول عنها أنها تريد إضعاف حزب “المصباح”، ما استدعى وفق مراقبين دخول وزارة الداخلية على الخط لإبعاد نفسها عن الصراعات الحزبية والسياسية.
وضع يعيد إلى الأذهان “العلاقة الملتسبة” بين الحزب والدولة، إذ يمكن اختزال مخاض اندماج حزب العدالة والتنمية بزعامة بنكيران في المشهد السياسي المغربي من خلال العلاقة الجدلية البالغة الدقة والحساسية التي تربط الأخير بمؤسسات الدولة. وتشكيكه في الانتخابات ورد الداخلية والتصريحات المضادة لابن كيران قد تعيدها إلى نقطة الصفر، وفق متابعين.
ابن كيران..عهد الخوف ولىّ
وتساءل بنكيران عن مدى حرية التعبير في المغرب، معتبرا انه ليس من حق وزير الداخلية أن يحرمه من حقه في الكلام، قائلا: “واش مبقاش عندنا الحق نتكلمو فهاد البلاد، لا اريد ان اقول لكن انتوما درتيو اللي بغيتو وحنا باغين تمنعونا من الكلام”.
وذكر بنكيران أن هناك عددا من رجال السلطة الذين لا يتحلون بالنزاهة أثناء قيامهم بعملهم مذكرا انه تواصل هاتفيا مع وزير الداخلية لفتيت والذي قال له: “كلمتني في الهاتف وأقسمت لي أن لن تمس نزاهة الانتخابات وأقسمت بالله وأنا صدقتك، لانه اذا لم اصدق مسؤولا من عيارك، فستضيع الثقة نهائيا”
“هل تريدون أن نعود لعلاقة مع الدولة يطبعها الخوف؟!” يضيف بنكيران، مذكرا بمعايشته مرحلتين مهمتين في عهدي اوفقير وادريس البصري وتعرض خلالها للاعتداءات وتم اعتقاله في درب مولاي الشريف، وبعد ان اصبح رئيسا للحكومة وفي احد لقاءاته بالملك اقسم له ان مرحلة البصري لن تتكرر في المغرب.
هناك من يتهمني بالعمالة لوزارة الداخلية وداعش والموساد وأنت تعلم ذلك جيدا، وإذا كانت هذه المعلومات صحيحة أقبل ان يفصل رأسي عن جسمي، يضيف ابن كيران.
رهان معلق..
عبدالإله ابن كيران الذي أكد في خرجات متعددة أنه ضد حملة الهشتاغ المنتشرة على نطاق واسع ضد رئيس الحكومة عزيز أخنوش، حيث تطالبه بالرحيل، يرى أنها مجانبة للصواب وأن الحكم على فشل الحكومة رهين بالزمن ومن له مقاليد الإقالة هو الملك وليس شخص آخر. ليعود ابن كيران مرة أخرى ليثير موضوع الهاشتاغ على هامش الانتخابات الجزئية أنه “كيف لشعب ينادي برئيس حكومته وينجح هو في الفوز مقاعد برلمانية أخرى وبنتائج كاسحة”.
الأسلوب السياسي للرجل في التعاطي مع أوضاع اجتماعية وسياسية تطبعها أزمات اقتصادية واجتماعية، وخيبات أمل من واقع معين، تمثل السمة المهيمنة على الخطاب السياسي لابن كيران الذي يحاول خلق نوع من الاحتراس من أن يظهر مجرّد كائن سياسي رخوي في أعين منتقديه، ويلعب على وتر المهادنة والممانعة في آن واحد. فقد تبنّى بنكيران، في خطابه، المنطق الاستنتاجي في تبرير الأخطاء، واستمالة التأييد.
وكان ابن كيران قد راهن على نتائج الانتخابات التشريعية الجزئية، في تقوية المجموعة النيابية المكونة من 13 نائبا فقط، للحزب بالبرلمان التي تعرف أغلب غياب أغلب الشخصيات السياسية الكاريزمية التي بإمكانها مواجهة “هيمنة” الأغلب على المرسسة الدستورية.
وإذا كانت نتائج الانتتخابات الجزئية أظهرت مرة أخرى تواضع الإسلاميين، فإنها أظهرت التفوق الانتخابي لـ” التجمع الوطني للأحرار رغم ما طاول الحزب ورئيسه عزيز أخنوش، في الآونة الأخيرة، من انتقادات وغضب شعبي جراء الغلاء وارتفاع أسعار المحروقات.