القادم قاتم
نحن مملكة غير بترولية وحياتها معلقة على السحب في السماء، ومازالت الفلاحة هي رأسمالها، والسياحة في هذه الظروف العالمية الجديدة لن تكون أبدا كما عرفناها، وفي الصناعة والخدمات نحن نراوغ، صحيح أننا ننجز أحسن من جيراننا، ولكن، في هذا العالم، هل بقي للمقارنة مع الأشباه معنى؟ نحن متواضعون والحمد لله، وحتى هذا الغرب الذي نعتبر تاريخياً من حلفائه لا ثقة فيه، ففي الشدة لا يستأمن أحد
خفّ الضغط على حكومة السيد عزيز أخنوش دون أن يخفّ على المواطن العادي. وكل الأشياء مهما قست يُلينها الزمان، فلا الأسعار بردت ولا المحروقات تراجعت في محطات الوقود، ولا الأمل تململ قليلا في إيجاد متنفسات داخلياً وخارجياً، ورغم ذلك، يُطبع الناس مع المصائب، وهذا لا يمكن أن يريح إلا الغـفّـل.
ووالله لو أحصينا ما استهلك من كلمات في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الصحافة وفي العرائض والندوات والخطب والاحتجاجات، لملأنا بها سدودنا الفارغة في سنة الجفاف القاسية هاته، ولكن لا حياة لمن تنادي. العالم مُشتعل وهم مبتسمون كالبلهاء، لم يتدخلوا للتخفيف عن الناس على الرغم من أن هذا بيدهم. نحن لا نطلب دعما إضافيا من صندوق المقاصة للمحروقات، يثقل كاهل ميزانية مثقلة أصلا، ولكن، كان بالإمكان فعل ما فعلته الدول التي ننقل منها الكثير من الإجراءات والتخريجات، وأن نتدخل بتخفيف الرسوم أو بدفع أرباب هذه المحروقات ببلادنا لأن يتخاصموا استثنائيا مع أرباحهم خلال هذه الأزمة العالمية الخطيرة، وهم الذين حازوا، حسب تقديرات الخبراء، ما يقارب الأربعين مليار درهم من الأرباح غير الأخلاقية!
وسنعيد ونكرر مع الناس أن هذا يجب أن يحصل في المغرب دون أي بلد آخر بالضبط، لأن السيد رئيس الحكومة هو في نفس الوقت أكبر موزع للمحروقات في البلاد، فهل من الأخلاق أن يتلظى الناس بلهيب مخلفات الأزمة الدولية ولا يتضامن معهم السيد رئيس الحكومة ولو بخطاب مقنع! ما الذي سيضير رجلا مصنفا في المراتب الأولى ضمن أغنياء العالم أن يتنازل عن مليار هنا ومليارين هناك؟ من الذي يصور للسيد رئيس الحكومة أن التنازل للمغاربة هو ضعف؟ هذه مشكلة قصور فهم سياسي وتعال اقتصادي وتدهور أخلاقي. وفي النهاية، إذا كان هناك من تنازل فهو من مال المغاربة، فليس المشكل هو الغنى أو الثراء المشروع، ولكن هذه الثروة تم تحقيقها بفضل المغاربة وفي المغرب، وعندما يجمع الإنسان بين العمل الخاص والشأن العام، فعليه ألا يترك لتر البنزين يرتفع بما فوق الخمسة عشر درهما وهو في عداد المتفرجين ينتظر نهاية الحرب.
لن يهدأ العالم غدا، وهنا مربط الفرس. رئيسة قنوات RT الروسية مارغاريتا سيمونيان قالت هذا الأسبوع في بلاطو تلفزيوني كلاما مرعبا ظلت تردده القنوات الغربية بذهول، وهو أن علينا ألا ننتظر إلا انتصار روسيا في الحرب على أوكرانيا، وإلا فإنها ستكون نهاية البشرية! هكذا!! واعتبرت هذه الصحافية أن صفحة الغرب بالنسبة لبلادها قد طويت، وأن أبناء الأسر الروسية الذين يتخوفون اليوم من عدم ذهاب أبنائهم للدراسة في أوروبا أو أمريكا، سيقفون بعد 10 سنوات على أنهم كانوا على صواب عندما لم يسفروا فلذات أكبادهم. هذه السيدة التي تبدو متطرفة كانت في برنامج تلفزيوني على قناة روسيا 1 أغلب المتدخلين فيه كانوا يتحدثون بنفس الكاميكازية، ونفس التصدع الحضاري بين عالمين يبحران مرة أخرى إلى صقيع الحرب الباردة كأقل السيناريوهات سوءا. أما الحرب الشاملة فهي فعلا سيناريو من السيناريوهات.
في نفس الوقت الذي كان هؤلاء الروس يقرعون طبول الحرب النووية في جلسة تلفزيونية، كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يوقد شرارة أخرى حين رد على سؤال عن تايوان المتمتعة بالحكم الذاتي ضمن الجمهورية الصينية، بأن بلاده ستتدخل عسكريا إذا هاجمت بيكين هذه الجزيرة! وإذا أضفنا إلى هذا عملية شد الحبل بخصوص انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف الأطلسي، فإننا سنكون منطقيا في بداية عاصفة كبرى وليس في انتظار نهاية حرب خاطفة لبوتين في أوكرانيا.
هناك زلزال كبير يضرب هذا العالم في كل مكان. الحرب قائمة وداهمة في أوروبا وقد تتعولم، والإرهاب والجريمة المنظمة يتمددان في إفريقيا التي تكالبت عليها جميع المصائب السياسية والاقتصادية والإثنية والإنسانية، والجوائح ستتطلب من العالمين التعايش مع الرعب الذي مازال جرح كورونا لم يندمل فيه وها هي أخبار «جدري القرود» تفزع الناس من جديد. فمن هذا الواهم الذي ينتظر أن تتحسن الظروف الدولية ليعود إلى الطريق السريع ليطبق سياساته المتثائبة؟ من هذا الغافل الذي يعتقد لحد الآن أن ما نعيشه ليس هو العالم من الآن فصاعدا بتحدياته الاجتماعية ومخاطره الأمنية وامتحاناته الاقتصادية؟
نحن مملكة غير بترولية وحياتها معلقة على السحب في السماء، ومازالت الفلاحة هي رأسمالها، والسياحة في هذه الظروف العالمية الجديدة لن تكون أبدا كما عرفناها، وفي الصناعة والخدمات نحن نراوغ، صحيح أننا ننجز أحسن من جيراننا، ولكن، في هذا العالم، هل بقي للمقارنة مع الأشباه معنى؟ نحن متواضعون والحمد لله، وحتى هذا الغرب الذي نعتبر تاريخياً من حلفائه لا ثقة فيه، ففي الشدة لا يستأمن أحد، أمريكا أعطت أوكرانيا دفعة واحدة 40 مليار دولار! شيء خارق وغير مسبوق في التاريخ. ومجرد تحقيق في مقتل صحافية فلسطينية تحمل الجنسية الأمريكية برصاص الجيش الإسرائيلي لم تتحرك فيه هذه الإدارة التي يبدو أنها تتحكم في خزائن العالم. نعم، النخب الغربية التي أرعبتها تصريحات الصحافية الروسية مارغاريتا سيمونيان الرعناء حول نهاية البشرية استاؤوا من إخراج سيوف المواجهة الحضارية مع الغرب، وقالوا إن هذا النموذج الغربي مستهدف من طرف أجزاء أخرى من العالم، وخصوصا العالم الإسلامي، ولكن هل استطاع الغرب فعلا أن يكون نموذجا لمحور الخير بمفهومه السياسي وليس الإطلاقي؟ هل وازن بين منافع الثورات التكنولوجية وتيسير سبل الرفاه مع العدل وحقوق الشعوب في نظام عالمي غير متوحش؟ هل لنا اعتبار اليوم كدول صغيرة في المعادلات الكبرى المخيفة؟
كثيرة هي الأهوال التي تترجمها أسئلة بلا أجوبة شافية، وحين نعود إلى الرباط، تضاف الحسرة إلى الخوف المشروع من مستقبل مجهول. حسرة على نخب مستهترة، بأفواه مفتوحة على الذي يقال والذي لا يقال. وفيما المغاربة ـ بفعل الانفتاح الصاخب ـ يعيشون في عوالم أخرى، تأتيهم من برلمانهم النكت السخيفة والمداخلات المخجلة والشطحات التي تنتمي لعصر سحيق وقس على هذا في الجهات، وفي الجماعات… جعجعة كبيرة بلا طحين. نقيم الدنيا على أوراش أو مشاريع أو قضايا، ثم نقعدها ونجلس ننوح على حظنا العاثر! وأما الحكومة فإنها ترقع وتتذرع بالعوامل الخارجية! العالم تغير والقادم قاتم وأنتم تنتظرون أن يعود ما كان إلى ما كان. إيوا الله يجيبكم على خير.