بين الشيخ والشيخة.. كل معجب بليلاه

  • عزيز عبد الرحيم

تعالت الأصوات مؤخرا، واحتدم النقاش حول تصريح أحد الوجوه التي أصبحت مشهورة في الآونة الأخيرة بكثرة ظهورها في تسجيلات مرئية تتحدث عن الدين الإسلامي في مواعظ وإرشادات تستهدف الشباب المغربي على الخصوص، لا أريد أن أسميه داعية فلربما هو لا يحبذ هذا الإسم رغم أن ما يقوم به هو صلب الدعوة في مفهومها المتعارف عليه بين هاته الفئة من المجتمع المغربي.

شخصية أصبح لها محبون كثر ومتابعين أكبر حين اختارت الخروج من ضيق الحديث في مدرجات الجامعة الضيقة، وحلقات الموعظة والدروس المسجدية إلى رحاب المنصات الاجتماعية والوسائل الرقمية الحديثة الأسرع انتشارا والأسهل استعمالا.
وبما أنها شخصية لا يعرف لها كثيرا سيرة ذاتية معلومة، فقد أنهالت عليها حتى القنوات الإذاعية الخاصة التي تبحث عن النجوم في كل المجالات جلبا للمتتبعين واستمالة لجمهورهم على اختلافاته وخلافاته.

هذه الشخصية التي قامت بانتقاد أحد الأعمال الفنية في رمضان هذا الموسم والذي يتناول موضوع (الشيخة) وواقعها المجتمعي، اعتبر حالة من التطبيع مع هذه الحيثية المجتمعية من حيثيات المجتمع المغربي، جعلت الكثيرين ينقسمون بين مدافع ومستنكر لتلك التصريحات النابعة ممن اعتبروه شيخا (مع أنه لا يعتبر نفسه كذلك – كعادة الدعاة المتواضعين الذين لا يزكون أنفسهم ولا يريدون من يقسم ظهورهم-). لكن الحاصل هنا هو لغة العداء ونوعية الكلمات المستعملة في موضوع لم يعد محط نقاش بل صار صراعا بين من هم ضد تدخل الدعاة في كل المواضيع والتحجير على العقول والحرية والإبداع، وبين محبي الشيوخ والدعاة الذين يرفضون الإسفاف وتخريب المجتمع المسلم وغواية الشباب.

فإن كنت من الفئة الأولى فأنت علماني ملحد فاسد فاسق، تدافع عن الشيخة فأنت إذن ابن الشيخة وتربيت في حجرها، وديوث لا أخلاق لك، وهذا ما يدعو بعض المرضى لأن يتجاوزوا الحدود إلى أن يدعوك بأن تمده برقم أمك وأختك، ناهيك عن الطعن في الأعراض وطعن شرف الأمهات اللواتي لا دخل لهن بأي نقاش أو يدعوك بمتعدد الآباء وهذا ما يسمونه هم أنفسهم بقذف المحصنات.

أما إذا كنت من الفئة الثانية فأنت داعشي تكفيري ظلامي جاهل سلفي وهابي قبوري وغيرها من النعوت، وتدفع بأمك وأختك لجهاد النكاح، وتعيش في عصر الغزوات والسبي، وتريد إعادة المجتمع إلى زمن الجِمال والخيام، فما عليك إلا العودة إلى قريش لأن هذا البلد له إسلامه الخاص والمعتدل، ولا تتوانى في التحريض عنك والدعوة إلى اعتقالك ومحاكمتك بتهمة الإرهاب.

وهناك فئة لا تميل إلى ما سبق ذكره مع توجهها إلى الدفاع عن الدين لكن تدعو إلى أن يكون النقاش محترما بعيدا عن النعوت النابية أو سب الأصول أو التنابز بالألقاب، وإلصاق التهم بالغير، وهنا يتطاير الشرر ضد هذه الفئة، فيعتبرها المدافعون عن الدين تريد إسلاما (كيوت (cute) وأنها لا يجدر بها أن تدافع عن الإسلام وألا تطلب طريقة معينة للنقاش مع أعداء الدين، ولم يعد هنا كمسلم ضال أو عاص تُؤْمَلُ توبته بل صار في حكم العدو الذي وجبت محاسبته ومحاربته.

إن حالة العداء والصراع هاته لم تكن وليدة اليوم بل هي منذ أن وجد الإنسان على الأرض ومنذ انطلاق الرسالات وحشدها للمبلغين والدعاة والحماة المدافعين عن حوزتها، بأوامر إلاهية أو بتجييش من أعدائها وخصومها، وحيث كانت تصفى الصراعات في ساحات الحرب، فقد صارت اليوم تصفى في منصات التواصل، وحيث كانت السيوف والرماح والنبال وسيلة للتحارب، حتى في زمننا أصبح التدوين والتسجيلات الصوتية والمرئية أسلحة لمحاربة الأعداء، وحيث كان بالأمس الإجهاز على الأعداء بالقتل والسبي، صار اليوم القتل المعنوي والنفسي وحتى محاولات الايذاء الجسدي في بعض الحالات في حنين للماضي نصرة للفكرة وذوذا عن المعتقد.

صراع حتى داخل نفس المعتقد جر حروبا وقتالات، بين مذاهب مازالت مستمرة إلى اليوم، باختلافاتها في الكثير من فروع الدين، خصوصا فيما يتعلق اليوم بموضوع الفن والإبداع من غناء وتمثيل، والتي تطفو على السطح كل مرة حين يعمد أحد الفنانين إلى الاعتزال فيطلق لسانه طعنا فيمن كانوا بالأمس زملاءه وأصدقاءه وحتى عائلته الفنية، أو حين يقرر أحد الدعاة أو المقرئين الولوج إلى عالم الغناء والسهرات والمسابقات الفنية.

فلطالما صادفت الكثير من التعاليق تحت فيديوهات غنائية تدعو صاحبها لتجديد القرآن بدل الغناء، وتعليقات عن رسم المحبين للدعاة والمقرئين بالملح أو غيرها من أدوات الرسم فيعتبرونها حرام وتجسيما لخلق الله، والبعض الآخر يعتبرها فنا وإبداعا للشخص الخطأ فيقال له لو رسمت فلانا لكان أفضل.

كل فئة تريد فرض وصايتها على الآخر، لكن ما هو ملحوظ بشكل ملفت هو نسبة العداء والكلمات الجارحة التي لا يقبلها قلب الإنسان مهمت كان، ناهيك أن تصدر من أناس يعتقدون أنهم يدافعون عن الدين، متناسين الدفع بالتي هي أحسن والموعظة الحسنة والقول اللين، فلا غرو مادام أن هناك من يسترزق بعائدات نسب المشاهدة التي يحظى بها (الشيخ) في قنواتهم الإلكترونية، وهناك من يقوم بذلك جراء عقدة الذنب التي تعتصره وعودة النقص ممن يراهم خيرا منه وأكثر تشبثا بالدين، وبين من يفعل ذلك كنوع من الفضل (plaisir) ينفعه يوم لا ينفع مال ولا بنون فهل ينفع من كان بدون قلب سليم؟؟ وممن ينصبون أنفسهم دعاة لحقوق الإنسان وحرية التعبير والإبداع يريدون لكل شيء أن يصبح مباحا يدخل بيوت الناس غصبا فإن لم يشاؤوا فما عليهم سوى إطفاء التلفاز، تطرف يقابله تطرف آخر، وتطاحن لفظي نرجو ألا يخرج عن نطاق العالم الافتراضي.

فبعد كل هذا، ستكون هذه الموجة كمثيلاتها تترك زَبَدا يذهب جفاء في انتظار موجة أخرى تخلق صراعا آخر ينسي الناس في مآسيهم الحقيقية، ويفجر عنهم بعض مكبوتاتهم، وينفس عنهم حنقهم، وتخرج أحقاد بعضهم، ويجد فيه البعض فرصة للتنكيت والسخرية، والبعض الآخر فرصة لرفع نسبة التفاعل والمشاركات والمشاهدات.

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق