Feliz Ramadán Su Majestad

لن تكون حقيبة الضيف الكريم بيدرو سانشيز فارغة، بل إنه سيأتي بمساعدين ليعينوه على حملها لثقلها. لقد فهم هذا الرجل أن هناك مفتاحاً لقلوب المغاربة، وقد جاء به، وبعدها كل شيء يتيسر، وهذا المفتاح هو احترام الوحدة الترابية للمملكة، وهذا الكلام له حساسية خاصة عند الأصدقاء الإسبان. نحن نعرف المشكل الكاطلاني، ونعرف مشكل جبل طارق، ولم نفهم أبداً كيف لا يترجم من له هذا الإحساس القوي بالمس بوحدة التراب إلى فهم عملي لجار يعاني من نزاع مفتعل حول وحدته الترابية، كان أكبر شاهد تاريخي عليه هو إسبانيا نفسها.

نور الدين مفتاح [email protected]

على مأدبة إفطار ملكية استثنائية، والجلابيب البيضاء تطوف على المائدة التي يسمع فيها رنين الصحون البديعة مع ارتفاع آذان المغرب، يكون الحوار الدائر بالإسبانية التي يتقنها الملك محمد السادس مع ضيفه الاستثنائي بيدرو سانشيز أقرب إلى الاحتفاء منه إلى التفاوض. فبين الجارين اللذين يجران تاريخا ضاجا بكل ألوان الذكريات، لابد من تذوق طعم هذه اللحظات الفريدة كما يتذوق الصائم أطباق مائدته الرمضانية.

ولنفهم قوّة هذه الانعطافة المتوجة بهذه الزيارة الإسبانية للمغرب على أعلى مستوى، لابد من الرجوع لما قاله زعيم البوليساريو إبراهيم غالي لصحيفة «إلموندو» الإسبانية في أحد ملاحقها لعدد نهاية الأسبوع الماضي: «إسبانيا تركتنا لمصيرنا في 1975، وبعد 47 سنة تفعل نفس الشيء». ويضيف معلقا على رسالة سانشيز إلى الملك محمد السادس بأنها قرار خطير للغاية، وتتضمن: «تحولا جذريا لم نتوقعه».

إن أحسن توصيف للقرار الإسباني الأخير الذي اعتبر مبادرة الحكم الذاتي المغربية هي «الأساس» كحل لقضية الصحراء، هو ما جاء في كلام غالي الذي اعتبر أن ما جرى اليوم لا يقاس من حيث خطورته بالنسبة لهم، وأهميته بالنسبة لنا، إلا بما جرى سنة 1975. ولنترجم كلام زعيم الانفصاليين إلى «المغربية»، يمكن أن نقول إن الموقف الإسباني الحالي هو بمثابة تحرير ثان للصحراء من سطوة أحلام الحرب الباردة واصطفاف جزء كبير من النخبة السياسية والمدنية في مدريد مع تصور لتقرير المصير تجاوزه الزمان وتجاوزته قرارات مجلس الأمن وتجاوزه الأمر الواقع.

صحيح أن رسالة بيدرو سانشير ليس اتفاقية محكومة بالقانون الدولي كما كان الأمر عليه سنة 1975 عندما توجت الاتفاقية الثلاثية بين مدريد والرباط ونواكشوط المسيرة الخضراء، وخرجت إسبانيا من الصحراء، إلا أن هذه الرسالة تتضمن مواقف سياسية غير مسبوقة بخصوص الحل لموضوع وحدتنا الترابية، وستصبح هذه المواقف سياسة دولة وليست قرارات حكومة اشتراكية تسقط إذا سقطت. من هنا كان استشعار الخطورة من طرف البوليساريو، ومن هنا كانت لهذه المائدة الملكية المزركشة أبهة الإنجاز المشترك، وبهاء خلق أكبر الفرص في تاريخ العلاقة بين المملكتين المتجاورتين من رحم أعنف الأزمات.

لن تكون حقيبة الضيف الكريم بيدرو سانشيز فارغة، بل إنه سيأتي بمساعدين ليعينوه على حملها لثقلها. لقد فهم هذا الرجل أن هناك مفتاحاً لقلوب المغاربة، وقد جاء به، وبعدها كل شيء يتيسر، وهذا المفتاح هو احترام الوحدة الترابية للمملكة، وهذا الكلام له حساسية خاصة عند الأصدقاء الإسبان. نحن نعرف المشكل الكاطلاني، ونعرف مشكل جبل طارق، ولم نفهم أبداً كيف لا يترجم من له هذا الإحساس القوي بالمس بوحدة التراب إلى فهم عملي لجار يعاني من نزاع مفتعل حول وحدته الترابية، كان أكبر شاهد تاريخي عليه هو إسبانيا نفسها.

هناك ملفات صعبة، والقادة وجدوا لتذليل الصعاب، ولكن هناك فرصا هائلة للزيادة في حجم المبادلات التجارية والرفع من الاستثمارات المنتجة في البلاد وتعزيز صفة الشريك الرئيسي للمملكة وفتح مجالات التكامل بدل الاصطدام حول ملفات الصيد البحري والمنتوجات الفلاحية على الخصوص، وعودة عملية العبور الكبرى لمهاجرينا عن طريق الأراضي الإسبانية لتكون «مرحبا» اسما على مسمى، وتنظيم حركة مرور المواطنين والسلع بين المدينتين السليبتين سبتة ومليلية ومحيطهما، والمساهمة الفعلية في تنمية الأقاليم الشمالية لتكون التنمية أول سلاح لمحاربة المخدرات والهجرة السرية بدل الاقتصار على المقاربة الأمنية، وجعل الهجرة مصدر غنى وتقارب وتنمية مشتركة بدل أن تكون مصدرا لأوجاع الرأس والقلب، والعمل على الترسيم النهائي لحدودنا البحرية لنتناغم في البر والبحر، والتعامل مع الطموح المغربي في البحر الأبيض المتوسط كطموح مشروع لنكون منافسين لضفة المتوسط الشمالية من خلال ميناء طنجة المتوسط وما يتبعه، وترتيب الآثار السياسية على التعاون الاقتصادي المتين، ومن ذلك مساندة صوت المغرب في أروقة البرلمان الأوربي والبصم على أن إسبانيا حليف استراتيجي في الاتحاد الأوربي بما أن صوتها في قضية الصحراء لا يعلو عليه أي صوت، والعمل على الاستثمار في أقاليمنا الجنوبية مقابل فتح مجالات التمازج الثقافي في جهات مغربية جنوبيّة إسبانوفونية أصلا…

إن وقت الإفطار لا يكفي لعد ما بداخل قلوب المتحدثين من عواطف وما بأيديهم من ملفات حتى ولو واصلوا إلى السحور. فهذه ليست محطة لها بداية ونهاية كفيلم محكم الإخراج، بل إنه قدر في المتوسط. وإنه دائم ما دامت الحياة، وبين الناس ما يعدونه بالسنين، وبين المملكتين ما نحصيه بالقرون. لقد كان المغاربة في الأندلس، وكان الإسبان في المغرب، واليوم تغير العالم بشكل لا رجعة فيه، ونحن نحاول إصلاح ما خلفته آخر المآسي الحضارية المتمثلة في الاستعمار. وتصوروا أيها الأصدقاء الإسبان كيف فتحت كلمات مرصوصات حول الحكم الذاتي عالما جديدا بيننا، فما بالنا لو تم طي هذا النزاع، وعاد إخواننا من المخيمات، ألن نخلق المعجزة بين ضفتين؟!

هذه ليست أضغاث أحلام! هذه مطالب نضحي هنا من أجلها لمدة 47 سنة، ومتأكدون أننا سنصفي هذا النصب التاريخي على جنوبنا، وإذا كتب لجيل قادم أن يرى مغربا كبيرا يتحقق كما هي أوربا الآن، فلن تذكر كتب التاريخ إلا مثل هذه المواقف التي يقفز فيها رجال دولة إلى القمة ويوقعون على بعد النظر ويخلدون في دفاتر من ذهب عندما يصبح لضفتي البحر الأبيض المتوسط عنوان من كلمتين هو: السلم والرفاه.

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق