دبلوماسية الرباط تكثف تحركاتها بين واشنطن وموسكو والعين على 4 قنصليات جديدة في الصحراء

ناصر بوريطة

تسجل أجندة الدبلوماسية المغربية أنشطة وتحركات مكثفة هذه الأيام بداية من بلاغ الصلح من برلين والرسالة القادمة من مدريد التي أنهت خلافا سياسيا هو الأخطر بين المملكتين منذ أزمة جزيرة ليلى، ثم مباحثات هاتفية بين وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة ونظيريه الروسي والأوكراني دون الكشف عن فحواها، وصولا إلى القمة السداسية غير المسبوقة يومي الأحد والاثنين التي يحضرها وزراء خارجية الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل والمغرب والإمارات والبحرين ومصر.

 

لقاء وزراء الخارجية في النقب يمنح المملكة المغربية خطوات إضافية نحو موقع متقدم في الساحة الدولية بما يتماشى مع السلوك الدبلوماسي الجديد للرباط الذي يتحرك بمنطق يرفض علاقات الأستاذ والتلميذ مع الدول الكبرى بشعار يحمله بوريطة في حقيبته يقول إن “مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس”، وفي الوقت ذاته لا تغفل أعين الرباط عن الصحراء المغربية بعد توقف مؤقت لسلسلة القنصليات حيث من المرتقب أن يعود مقص الوزير بوريطة إلى العيون والداخلة في الأسابيع القادمة.

 

الصراع الروسي الأوكراني.. التقدم مع اتجاه التاريخ !

 

يبدو أن المملكة المغربية أدركت جيدا بعد سنتين تقريبا من جائحة كورونا، تسابقت خلالها الدول الكبرى على إغلاق حدودها وإعادة توجيه الصادرات نحو السوق الداخلية والاستحواذ على المستلزمات الطبية، أنه لا مناص من التحول إلى ما يعرف باقتصاد الحرب والاعتماد على الإمكانيات والكفاءات المحلية، وبعد نجاحه نسبيا في تدبير هذه المرحلة الحساسة حوّل المغرب بوصلته للتقدم مع اتجاه التاريخ، إذ لا بد من التحرك للهروب من الرمال المتحركة لعالم ما بعد كورونا، لذلك تغيرت كثيرا سياسة المغرب نحو الندية والصدامية بمنطق “معنا أم ضدنا”، حيث يقول الملك محمد السادس في أحد خطاباته إنه لا مكان للمواقف الضبابية، ثم في غمرة هذه التطورات المتسارعة جاءت الأزمة الأوكرانية الروسية وقرر فلاديمير بوتين غزو أراضي الجيران.

 

يوم 2 مارس الماضي لم يشارك المغرب في جلسة بالأمم المتحدة انعقدت للتصويت على قرار يطالب روسيا “بالانسحاب الفوري” من أوكرانيا، ثم قالت وزارة الشؤون الخارجية في بيان، إن عدم المشاركة في التصويت “لا يمكن أن يكون موضوع أي تأويل بخصوص موقفها المبدئي المتعلق بالوضع بين البلدين”. وقبل ذلك، في 26 فبراير الماضي، عقب يومين من بدء التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، أعلنت الخارجية المغربية في بيان، تشبثها بمبدأ “عدم اللجوء إلى القوة” في تسوية النزاعات بين الدول. وأفادت المملكة، بدعمها “للوحدة الترابية والوطنية لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة”، وذلك في أول موقف للرباط حيال الأزمة بين موسكو وكييف.

 

يريد المغرب أن يمسك العصا من الوسط والتحرك بمهارة بهلوان السيرك على حبل الدبلوماسية دون السقوط في معترك الأوكران أو معترك الروس، ففي 22 مارس أعلنت وزارة الشؤون الخارجية أن  ناصر بوريطة أجرى اتصالا هاتفيا مع وزير الشؤون الخارجية بروسيا الاتحادية سيرغي لافروف واتصالا مع وزير الشؤون الخارجية بأوكرانيا دميترو كوليبا، ورغم أن الوزارة لم تصدر أي بلاغ يتضمن التفاصيل، فلا مانع من الدخول في لعبة توقعات لتحركات الرباط نحو أوروبا الشرقية، فقد يكون بوريطة عرض رؤية المغرب لإنهاء النزاع وعودة السلم إلى المنطقة بعد التجربة التي اكتسبها مع الملف الليبي وبحكم موقع المملكة في المنتظم الدولي بين الدول التي لا تخوض الحروب ولا تهاجم الجيران مع تميزها بتدبير أخطر قضية تهدد أمنها القومي بسياسة وكياسة وجنوح إلى الحل السلمي.

 

ناصر بوريطة والمبعوث الخاص للحكومة الصينية إلى الشرق الأوسط تشاي جيون

 

وبالعودة إلى الاتصالات المكثفة للرباط، لا بد من الإشارة إلى لقاء آخر لا يقل أهمية مرّ على هامش زحمة الأحداث الوطنية والدولية، ويتعلق الأمر باستقبال ناصر بوريطة يوم 25 مارس المبعوث الخاص للحكومة الصينية إلى الشرق الأوسط تشاي جيون، بعد أيام عن زيارة مبعوث بكين إلى فلسطين والأردن، ما يؤكد الحضور القوي للقضية الفلسطينية في الأجندة الدبلوماسية للمغرب.

لقاء النقب وإيران في الواجهة

 

وصل وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة إلى النقب لحضور القمة السداسيةالتي وصفتها اسرائيل بـ”التاريخية” وسيجتمع بكل من أنتوني بلينكن وزير خارجية الولايات المتحدة ويائير لابيد وزير الخارجية الاسرائيلي ونظرائهم من البحرين والإمارات ومصر.

 

الخطوط العريضة للقمة ظهرت في ندوة عقدها بلينكن قال فيها إن بلاده وإسرائيل “ملتزمتان” بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي رغم خلافهما بشأن إعادة إحياء الاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية.

 

وصول ناصر بوريطة إلى النقب

 

وقال بلينكن خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الإسرائيلي يائير لبيد في القدس “عندما يتعلق الأمر بما هو أهم، فنحن على توافق تام، كلانا ملتزم ومصمم على ضمان عدم امتلاك إيران ابدا سلاحا نوويا”.

 

وتعتبر إسرائيل من أبرز المعارضين للاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني الذي أبرم بين طهران والقوى الكبرى في العام 2015، كما أبدت معارضتها لإحيائه، خصوصا وأن ذلك قد يترافق مع موافقة واشنطن على طلب طهران إزالة اسم الحرس الثوري من القائمة الأميركية “للمنظمات الإرهابية” الأجنبية.

 

الحرس الثوري هو نفسه الذي تتهمه المملكة المغربية بالعمل على تزويد جبهة البوليساريو الانفصالية بالأسلحة عبر الأراضي الجزائرية وتحذر من توغل التشيع الإيراني في الغرب الإفريقي.

 

وربما تحضر إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية لتشكيل جبهة موحدة مع المغرب والإمارات والبحرين ومصر ضد إيران، وهنا يحضرنا حوار سابق أجراه السنة الماضية الوزير الأول الاسرائيلي نفتالي بينيت مع صحيفة نيويورك تايمز بعد لقائه الرئيس الأمريكي جو بايدن، قال خلاله بينيت إنه يعمل على إسقاط خيار التفاوض الدبلوماسي مع إيران وإقناع الولايات المتحدة بالاستغناء عن هذا الخيار مع ربط الاتصال بمجموعة من الدول العربية لتشكيل جبهة موحدة تواجه المشروع الإيراني.

 

مقص بوريطة يعود إلى الداخلة والعيون

 

يجري التحضير في سرية تامة لاستئناف سلسلة القنصليات في الداخلة والعيون، وحسب مصدر مسؤول لـ”الأيام24″ فإن ناصر بوريطة قريب من إتمام التفاصيل الأخيرة لاتفاقيات مع أربع دول لافتتاح تمثيلياتها الدبلوماسية في الصحراء المغربية.

 

المصدر أكد لـ”الأيام24″ أن هذه الدول تنتمي إلى قارتي إفريقيا وأمريكا الجنوبية، وستكون إحداها عبارة عن اختراق دبلوماسي لإفريقيا الشرقية التي تعتبر بعيدة عن دائرة أصدقاء الرباط.

 

وحسب التوقعات فإن من هذه الدول دولتا سورينام والصومال، لكن لا شيء مؤكد حتى الآن في انتظار مع من سيسافر الوزير بوريطة إلى الصحراء المغربية خلال الأسابيع المقبلة، علما أن زيارة مهمة تنتظر الرباط سيقوم بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بعد نهاية لقاء النقب.

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق