الفودكا والحصاد وابتزاز الجامعات والعنصرية وأهوال الطريق: مغاربة أوكرانيا يروون معالم الحياة قبل الحرب وفيلم الهروب من الجحيم بعد الغزو

تعددت الطرق والمسارات، والمخرج واحد، هروب من الحرب التي يخوضها الدب الروسي بلا هوادة ضد أوكرانيا، حتى أصبحت مغادرة البلاد المفعمة بالحياة والجمال هدفا لأصحاب الأرض قبل الغرباء المهاجرين، الذين قصدوا الدولة المترامية الأطراف شرق أوروبا لأغراض مختلفة.

من أوديسا المطلة على البحر الأسود إلى كييف وخاركيف ودونيتسك كبرى الحواضر الأوكرانية التي تضم معاهد وجامعات يقصدها أبناء المغاربة بحثا عن شهادات ودبلومات في تخصصات عديدة أبرزها الطب والصيدلة والهندسة والاقتصاد، تخول لهم الولوج إلى مجالات مهنية بعد العودة من رحلة تعليمية وتكوينية تكلف أهلهم الكثير ماديا.

منذ 24 فبراير الماضي، التاريخ الذي أمر فيه فلاديمير بوتين ببدء الحرب الروسية على أوكرانيا، وآلاف المغاربة من الطلبة المقيمين في بلاد «القمح» يهرعون كغيرهم من الأوكرانيين وحاملي الجنسيات المختلفة إلى محطات ميترو الأنفاق، أملا في الوصول إلى إحدى دول الجوار في رحلة محفوفة بالمخاطر، لكنها تبقى أهون من المكوث في الداخل الأوكراني الذي بات هدفا مستباحا للقوات الروسية التي تكثف القصف في جميع الأنحاء والاتجاهات.

 

رعب الحرب

 

سارة، البالغة من العمر 25 سنة، طالبة مغربية تتحدر من مدينة الدار البيضاء، واحدة من بين الطلبة الذين كانوا شهودا على بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، وعاشت قسطا وافرا من الرعب والهلع في لحظات صعبة رفقة زميلتين لها، في أحد أحياء مدينة خاركوف التي كانت من بين الأهداف الأولى للقصف الروسي.

الطالبة المغربية التي حلت بأوكرانيا لدراسة الاقتصاد باللغة الإنجليزية في إحدى الجامعات، لم يدر في خلدها يوما أنها ستكون شاهدة على إحدى أكبر الأزمات العالمية وأول حرب كبرى تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية في أربعينيات القرن الماضي.

قررت سارة في الأيام الأولى من الحرب رفقة زميلتيها المجازفة ومواجهة المجهول على أمل الخروج من الجحيم. حيث وجدت نفسها فجأة على بعد أمتار قليلة من نيران القذائف وشظايا الصواريخ التي هدت إقامات ومباني مجاورة، فقفزت إلى مخيلتها عشرات السيناريوهات للنهاية التي باتت قاب قوسين أو أدنى.

«كانت الساعة تشير إلى الرابعة صباحا من يوم خميس بارد، استيقظنا بفزع على وقع أصوات التفجيرات التي تدوي في مناطق وأحياء متفرقة بالمدينة الكبيرة، خرجنا كغيرنا من سكان الحي خائفين متوجسين من الموقف الذي لم نعش مثله من قبل في حياتنا، بل لم نتخيله قط»، تقول سارة، التي بدت عليها علامات التوتر وهي تحاول العودة بذاكرتها إلى الأيام القليلة الماضية.

بعد صدمة القصف الذي استفاق على وقعه الجميع، خرجت سارة رفقة زميلتها المغربية حنان، التي تدرس الطب في نفس المدينة، ومعهما طالبة أخرى مصرية، من أجل شراء الطعام وتأمين ما يمكن تأمينه للأيام اللاحقة من مأكولات معلبة، وسط إقبال كثيف على المحلات التجارية والمطاعم التي غصت بالباحثين عن الزاد في هذه المحنة الطارئة.

 

محنة الخروج الشاق

 

بعد يومين من انطلاق الحرب، اشتد القصف على الأحياء السكنية في خاركيف أو خاركوف كما يسميها الأوكران، ولم تجد سارة وصديقتها بدا من اللجوء إلى الأنفاق هروبا من جحيم الحرب التي أخذت نارها تستعر شيئا فشيئا، «لم نأخذ من أغراضنا سوى الهاتف والحاسوب والأوراق والقطة التي رافقتني في محنتي ورحلة الخروج الشاق من أوكرانيا».

في الأزمات الصعبة كالحروب، تظهر حقيقة المجتمعات والقيم التي تؤمن بها، تقول سارة: «كنا وحدنا في الميترو بانتظار القطار وتعرضنا للمضايقات ولم نجد من يساندنا، فالأوكرانيون كانوا مسيطرين ويعطون الأولوية لعائلاتهم وأصدقائهم ولا مجال للشفقة والرحمة، وظللنا واقفين لساعات طويلة ولم نجد مكانا نجلس فيه، فقررنا العودة إلى البيت وسلمنا أمرنا لله».

لم يكن قرار العودة إلى الإقامة سهلا، في الوقت الذي تغرق الأنفاق بالفارين من الحرب، فسارة وحنان لم يغمض لهما جفن في ليلتهما الطويلة بسبب سماعهما دوي الانفجارات حيث التي تهوي فتتصاعد أعمدة دخان الحرائق والدمار الذي تخلفه من المباني المجاورة، ولسان حالهما يلهج بالدعاء لحمايتهما وإنقاذهما من الاختبار الصعب.

في اليوم الموالي، وبعد ليلة عصيبة واتصالات وبحث في شبكات التواصل عن مجموعة يمكن أن تلتحقا بها للخروج الآمن إلى الحدود التي بدأت القطارات تقل الفارين من الحرب إلى المدن القريبة منها، وجدت سارة مجموعة من الشباب العرب كانت تضم 10 أفراد من الأردن وفلسطين والسودان.

«التحقنا بالمجموعة في اليوم الموالي في محطة القطار بعدما كان جميع المغاربة قد غادروا عبر مجموعات متفرقة»، تقول سارة، التي عبرت عن امتنانها للشباب العرب الذين وفروا لها ولزميلتها الحماية طيلة الرحلة التي كانت تعرف مضايقات واعتداءات على الكثير من الشابات والنساء، حين يغيب من يدافع عنهن في الرحلة الطويلة التي دامت حوالي 20 ساعة من المعاناة، للوصول إلى مدينة فيف القريبة من الحدود الرومانية.

لم تنته معاناة سارة ومن معها من الشباب العرب وباقي الفارين من الأوكران وجنسيات أخرى عند الوصول إلى فيف، بل واجهتهم صعوبة في تأمين وسائل النقل التي ستوصلهم إلى النقطة الحدودية المخصصة لخروج وتسجيل المغادرين لأوكرانيا عبر رومانيا، إذ كلفتهم الرحلة 120 دولارا للفرد، من أجل الوصول إلى هذه النقطة التي فتحت باب الأمل أمام طالبة الاقتصاد لتعانق العائلة والوطن مرة أخرى بعد رحلة خاصة على متن الخطوط الملكية المغربية من بوخاريست إلى الدار البيضاء، تاركة وراءها قصة حرب بدأت ولم تنته، خطفت ولازالت تخطف أرواح الكثير من الأبرياء.

 

وجهات أخرى

 

معاناة الطلبة المغاربة جراء الحرب الروسية، دفعتهم إلى قصد وجهات عدة لمغادرة أوكرانيا، وإذا كانت سارة قد غادرت عبر رومانيا، فإن سعيد الذي يدرس الصيدلة في العاصمة كييف، قصد رفقة آلاف الفارين من الحرب الحدود البولندية، إلا أنه فضل البقاء في أوروبا على العودة إلى المغرب.

يقول سعيد في حديث مع «الأيام»: «قضينا لحظات صعبة، لأن العاصمة كييف كانت من الأهداف الأولى التي قصفها الجيش الروسي، ولم أتمكن من المغادرة قبل بداية الحرب بسبب الضغط الذي مورس علينا من طرف إدارة الجامعة التي رفضت السماح لنا بالمغادرة، وهددتنا بعدم احتساب السنة الدراسية التي تكلفنا الكثير من المال».

ابن مدينة أكادير الذي قضى ست سنوات في أوكرانيا اقترب من إنهاء مشواره العلمي والحصول على دبلوم طبيب صيدلي من إحدى جامعات كييف، لكن حرب بوتين جاءت بغير ما تشتهيه نفسه، وجعلت مستقبله معلقا، وهو الذي كان يمني النفس بالعودة إلى المغرب نهاية السنة ومباشرة إجراءات بدء مشروعه وتقديم خدماته الصحية لأبناء مدينته.

«لم أرغب في العودة إلى المغرب الآن وفضلت أن أغامر بالتوجه إلى ألمانيا انطلاقا من بولندا»، هكذا قال سعيد، الذي كان له رأي مخالف لعدد من رفاقه الذين فضلوا العودة إلى المغرب بعد المحنة المفاجئة التي ألمت بهم، فالشاب البالغ من العمر 27 سنة، بدا من حديثة مصمما وعازما على ألا يعود للمغرب إلا وهو طبيب صيدلي، تماما كما اتفق وخطط مع أسرته في عاصمة سوس، التي غادرها قبل ست سنوات، وهو لا يعلم أن صراعات الكبار ستعرقل مساره وتوقف حلمه بشكل مفاجئ ومن دون رؤية واضحة للمستقبل.

 

الدين في المجتمع الأوكراني

 

تحضر الكنيسة بشكل لافت في العمارة الأوكرانية وتنتصب في مختلف المدن والحواضر كرمز ثقافي وديني، يعكس جزءا من صورة المجتمع وثقافته المسيحية، حيث يتبع غالبية الأوكران الكنيسة الأرثودوكسية الشرقية، وتبلغ نسبتهم أزيد من 80 بالمائة من السكان.

في هذا السياق، سجل حمزة، وهو طالب مغربي يدرس الهندسة وله اهتمام بالثقافة والدين، في حديث له مع «الأيام» أن المجتمع الأوكراني يبقى من المجتمعات الأوروبية التي يحظى فيها الدين بتقدير خاص، حيث يتشبث جل السكان بمسيحيتهم ويقيمون الصلوات ويحتفلون بالمناسبات والأعياد الدينية.

بل إن حمزة الذي نسج علاقات اجتماعية مختلفة مع عدد من الطلبة الأوكرانيين، تحدث عن حضور الصوم لدى المجتمع كشعيرة دينية لها زمن محدد في السنة مثل المسلمين، تقدر بـ30 يوما أيضا، غير أن هذا الصوم يكتسي طابعا مغايرا لما هو الحال في الإسلام، إذ أن الأوكران في صيامهم يمتنعون فقط خلال هذه الفترة عن استهلاك اللحوم وكل المواد التي مصدرها حيواني، من قبيل الحليب ومشتقاته.

ولم يقف الطالب ذاته عند هذا الحد، بل ذهب إلى عقد مقارنة بين احتفاء المسلمين في العيد والأوكرانيين من أتباع الكنيسية الأرثودوكسية، الذين قال إنهم بعد نهاية فترة الصوم، يحتفلون بطريقة مشابهة للمسلمين في عيد الأضحى إذ يشوون اللحم ويحتفلون بطريقتهم الخاصة عبر احتساء الخمر وإشاعة الفرح والسرور في أوساط عائلاتهم التي تجتمع في مثل هذه المناسبات.

 

أوكرانيا .. عنصرية تغطي على الانفتاح والتسامح

 

بعيدا عن الحرب وقصصها الموجعة، تساءلت «الأيام» في حديث مع عدد من الطلبة المغاربة المقيمين في أوكرانيا والذين أرغمتهم الحرب على الخروج وإيقاف تعليمهم، حول طبيعة المجتمع الأوكراني وثقافته وعاداته، ونظرته للأجانب بمختلف جنسياتهم.

ندى، طالبة مغربية من مدينة تطوان، سافرت إلى أوكرانيا بعد حصولها على شهادة الباكالوريا في سنة 2017، لمطاردة حلمها في أن تصبح طبيبة أسنان بعدما لم تسنح لها الفرصة في حجز مقعد لها في كليات الطب بالمملكة، ما دفعها لخوض هذه التجربة التي جعلتها بعد 4 سنوات تشكل صورة عن المجتمع الأوكراني.

تقول الشابة العائدة من أوكرانيا قبل أسبوع: «بالنسبة لي، المجتمع الأوكراني ـ ومن خلال السنوات الأربع التي قضيتها هناك ـ فيه شيء من العنصرية ولا يقبل بالآخر المختلف عنه»، وهو ما تأكد لها في رحلة الخروج الشاقة هربا من حرب بوتين المشتعلة حتى اليوم.

فالأوكران، حسب طبيبة الأسنان المقبلة على التخرج في السنتين المقبلتين، يتعاملون مع الأجانب ويحكمون عليهم انطلاقا من المظهر الخارجي. «إذا كنت ترتدي لباسا جيدا وتتحدث اللغة بطلاقة سيحترمونك أكثر، وإذا كان مظهرك متواضعا فهم لا يعاملونك بنفس الاحترام والتقدير»، وهذه المسألة تجعل المجتمع الأوكراني بنظر ندى مشابها لباقي مجتمعات دول العالم الثالث، وبعيدا عن الثقافة الأوروبية التي تعلي من شأن الإنسان لذاته وليس لأي شيء آخر.

الصورة التي رسمتها ندى عن المجتمع الأوكراني، لا تختلف كثيرا عن نظرة محمد، الطالب الذي يدرس الطب، والذي خرج من تجربة مغادرة أوكرانيا بسبب الحرب بصورة مخالفة للتسامح الذي لمسه في الكثير ممن احتك بهم من الشباب الأوكران خلال سنوات إقامته في هذا البلد.

«لم أتقبل أن يتم التعامل معنا في محطات القطار بهذا القدر من العنصرية والاحتقار، كان الجنود والمواطنون الأوكران يمنعوننا من ركوب القطار لأننا مهاجرون، ويفسحون المجال لذويهم وأبناء وطنهم، وهذا أمر مخزي»، ويواصل محمد بنبرة غاضبة «لقد فضحت الحرب معدنهم وكشفت الوجه الحقيقي للعنصرية التي تسكن الإنسان الغربي».

مظاهر التمييز ضد الأجانب لم تظهر فقط مع الحرب، بل كانت حاضرة قبلها بشكل جلي، إذ يحكي محمد أنه خلال فترة بحثه عن السكن في مدينة خاركيف واجه تحديات صعبة، قبل أن يجد محلا للسكن اكتراه بثمن مرتفع بالمقارنة مع قيمته الحقيقية وذلك راجع إلى كونه أجنبيا وافدا جديدا على أوكرانيا.

«اكتريت شقة رفقة صديق بحوالي 4000 آلاف درهم بعيدا عن وسط المدينة والجامعة، في الوقت الذي يقطن أوكران في شقق مماثلة بسعر أقل قد يصل إلى 50 بالمائة من هذا المبلغ»، هذه الواقعة دفعت محمد إلى أخذ مسافة من الأوكرانيين ورسخت لديه قناعة مفادها أن الغرباء في هذا البلد يبقون عرضة للاستغلال والابتزاز، ومعاملة أخرى غير السائدة بين أصحاب الأرض.

رغم العنصرية التي يقول بعض الطلبة المغاربة إنهم لمسوها في الأوكران كشعب ومجتمع، إلا أن الإيجابيات التي تحدث عنها سعد ابن مدينة أصيلة الذي ساقته الأقدار إلى مدينة أوديسا الساحلية لدراسة الهندسة المدنية، تكشف وجها آخر لأوكرانيا، فيه نصيب من التعايش والتسامح.

فالشاب المغربي الذي ترك أوكرانيا مباشرة بعد دعوات مغادرتها لاحتمال نشوب الحرب، لم يتعرض في المدينة لأوجه «التمييز والعنصرية» التي تحدث عنها زملاؤه، وقد قضى هناك 5 سنوات، مرجعا ذلك ربما لطبيعة المدينة المنفتحة على مختلف الجنسيات. «لم أجد أي مشكلة في الاندماج بالمجتمع الأوكراني، ربما ساعدتني على ذلك تجربتي في العمل الجمعوي، وأظن أن المغاربة في عدد من الجامعات الأوكرانية منطوون على ذواتهم ولا يقومون بأي مجهودات من أجل الاندماج والتعايش مع الشعب والمجتمع الأوكراني»، إذ أن سعد القادم من مدينة الفنون، لم يجد أي مشكلة في سنته الأولى وشارك مع الفريق المنظم لمهرجان أوديسا الدولي للأفلام.

يحكي سعد باعتزاز عما حققه في تجربته بأوكرانيا حتى الآن: «كنت الأجنبي الوحيد في فريق تنظيم المهرجان، وأظن أنه إذا كانت لديك الرغبة في العطاء والمبادرة فلن يقف أمامك أي شيء، وبعد سنوات من النشاط مثلت أوكرانيا في المؤتمر الدولي حول تطوير المياه». لكن سعد، عاد وقال: «أنا لا أنفي إمكانية تعرض البعض للعنصرية والتمييز في أوكرانيا، ويمكن أن يحدث ذلك في مدن منغلقة ولا تعرف حضورا كبيرا للأجانب، ولكن انطلاقا من تجربتي لم أتعرض لأي شيء من هذا القبيل، بل العكس».

 

بلد الجمال والفودكا التي لا يتعدى ثمنها 8 دراهم

 

أوكرانيا بلد مترامي الأطراف شرق القارة العجوز، لا يمثل القمح وحده المنتج الذي يتمتع به، بل إن هناك منتجات أخرى تجعله وجهة لسكان الكثير من الأقطار والأصقاع، إذ أن جمال نسائها يأسر قلوب الملايين من عشاق الجمال الذين يحجون إلى هذا البلد طلبا للمتعة أو الزواج.

كما تحتل منتجات هذا البلد من الفودكا الشهيرة، مكانة خاصة في قلوب عشاق الخمر عبر العالم، إذ أن هذا النوع متوفر بكثرة وبأثمان زهيدة.ويقول أحد الطلاب المغاربة لـ«الأيام» ، إن الفودكا في بعض الأوقات يعادل ثمنها قيمة قارورة ماء معدني في المغرب، بل إن القارورة التي تبلغ قيمتها 200 درهم في السوق المغربية ثمنها في أوكرانيا 8 دراهم فقط.

ومن الأمور الطريفة التي حكاها الطالب المغربي عن الفودكا في أوكرانيا، أن هذا البلد الأوروبي أدخل عليها بعض التعديلات الطفيفة في معدل الكحول واستعملها خلال فترة انتشار جائحة كورونا في أوروبا مادة لتعقيم الفضاءات العمومية والمؤسسات الجامعية والتعليمية.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل عمدت أوكرانيا إلى تزويد عدد من دول الاتحاد الأوروبي من ضمنها إيطاليا بشحنات من هذه المعقمات التي كانت في الأصل مشروبات روحية قبل أن تحول إلى مواد لقتل الفيروس التاجي وتعقيم الساحات العمومية والفضاءات المشتركة!!

 

الإسلام في أوكرانيا

 

رغم أن الإسلام يحضر بشكل رمزي وضعيف في عموم أوكرانيا إلا أنه يظهر بشكل لافت في مدينة مثل أوديسا، التي تتوفر على جالية مهمة من الدول العربية والمسلمة، كتركيا والعراق وسوريا والأردن وأفغانستان والمغرب والجزائر ومصر.

فالمدينة الساحلية تتوفر حسب الطالب المغربي، سعد، على 16 مسجدا تؤدى فيها الصلوات الخمس بشكل عادي وبدون أي تضييق أو شيء من هذا القبيل، مبرزا أن الأشهر الماضية، عرفت وضع الحجر الأساس لتشييد المسجد الأعظم في مدينة أوديسا، والذي كان من تمويل أحد رجال الأعمال الأثرياء في المدينة وهو شيشاني الجنسية.

ويحكي سعد لـ»الأيام» أن هذه المساجد التابعة للجاليات سواء الأتراك أو الأفغان، تنظم أنشطة ثقافية وإفطارات خلال شهر رمضان، «كنا نتردد عليها لأداء صلاة المغرب والإفطار، مثل ما يحدث في البلدان العربية والمسلمة من مبادرات تحمل أسماء مختلفة منها «موائد الرحمن» والتي يساهم في تنظيمها بعض الأغنياء من مسلمي المدينة».

يشكل المسلمون في أوكرانيا نسبة تقدر بحوالي 1 بالمائة من إجمالي عدد السكان البالغ أكثر من 44 مليون مواطن، ولهم مفتي خاص هو سعيد إسماعيلوف، الذي خرج في تسجيلات مصورة يدعو إلى الجهاد ضد الغزو الروسي لبلاده، وأطلق مجموعة من المبادرات لجمع التبرعات ودعم المقاتلين الأوكران ضد الروس.

وبرز مفتي الديار الأوكرانية بشكل لافت في الحرب التي تخوضها روسيا ضد بلاده، بعدما رفض النزوح من بلدة بوتشا الواقعة غرب العاصمة كييف، التي تواجه قصفا عنيفا ومواجهات منذ بداية الحرب المستمرة، حيث عبر عن تمسكه بالصمود في الميدان دفاعا عن العاصمة كييف، بل وأعلن التحاقه بقوات الدفاع الأوكرانية للتدرب على حمل السلاح قبل اندلاع الحرب.

 

ابتزاز الجامعات للطلبة المغاربة

 

تعرض الكثير من الطلبة المغاربة في أوكرانيا لابتزاز واضح من قبل إدارة الكليات والجامعات التي يتابعون دراساتهم فيها، وهذا الأمر أدى إلى تعطيل مغادرة الكثير منهم التراب الأوكراني قبل نشوب الحرب الروسية التي كانت كل المؤشرات تدل على وقوعها، وبالتالي تعريض حياة الآلاف من الطلبة للخطر.

تشير الأرقام المعلنة إلى أن قرابة 9 آلاف طالب مغربي يتابعون دراستهم في الجامعات الأوكرانية في تخصصات مختلفة. محمد احميد واحد من الذين وجدوا أنفسهم عرضة لما سماه «ابتزازا وضغطا» من قبل إدارة جامعته التي رفضت تمكينه من أوراقه ووثائقه لمغادرة أوكرانيا بسبب الحرب، وهددته بالطرد في حال المغادرة من دون الحصول على ترخيص.

الطالب الذي يدرس تخصص الصيدلة، وجد نفسه بين مطرقة الحرب وسندان الجامعة التي هددته بعدم احتساب السنة التي اقترب من إنهاء دروسها. وعن ذلك تحدث قائلا: «كنت حائرا بين الفرار من الحرب والخوف من الطرد وخسارة الكثير من المال والجهد بسبب قرار الجامعة الظالم».

ويضيف الطالب الذي عاد إلى مسقط رأسه بآسفي عبر رحلة من بوخاريست إلى الدار البيضاء، قبل أيام: «بعد تردد كبير عزمت على المغادرة وعدم الانتظار، لأن الحرب أصبحت واقعا والقنابل تنفجر في وسط الإقامات والبنايات السكنية».

ما تعرض له محمد، واجهته الطالبة حنان، التي كانت بدورها مجبرة على الانتظار وعدم المغادرة قبل اندلاع الحرب بسبب قرار إدارة جامعتها، التي يبدو أنها كانت على اتفاق مع المؤسسات المماثلة لرفض منح تراخيص للطلبة الأجانب من أجل المغادرة، وهو الأمر الذي عده البعض ورقة ضغط حاولت السلطات الأوكرانية لعبها ضد روسيا من أجل التأثير على قرار الحرب.

 

هكذا كان يحتفي الأوكرانيون بموسم الحصاد

 

رغم ارتباطها الكبير عند المغاربة بالدراسة، إلا أن أوكرانيا تبقى بلدا زراعيا بامتياز، وتصنف ثاني أكبر مصدر للقمح في العالم، غير أن الحرب التي تخوضها روسيا ضدها أدت إلى اضطرابات كبيرة في أسعار الحبوب بالسوق العالمية، ما انعكس سلبا على الدول المرتبطة باستيراد المادة الحيوية ومن بينها المغرب.

محمد سعد الطليكي، من الطلاب المغاربة المقيمين في مدينة أوديسا الساحلية، تحدث لـ»الأيام» عن حضور الزراعة والفلاحة في حياة الأوكرانيين والأنشطة المرتبطة بها، حيث اعتبر أن الشعب الأوكراني يبقى شعبا بسيطا يعيش على الزراعة، لكن بشكل متطور يجعل البلاد ثاني أكبر مصدر للقمح ومن المصنعين الكبار للزيوت.

ويبين الطليكي أن موسم الحصاد يمثل محطة بارزة في الثقافة الأوكرانية، يحتفي به المجتمع بطرق مختلفة تشد أنظار المهاجرين والوافدين، حيث تقوم الأسر والبلديات بتنظيم مهرجانات خاصة بموسم الحصاد بشكل سنوي، تتخلها حفلات ومهرجانات يرتدي فيها السكان لباسا تقليديا خاصا بالمناسبة، احتفاء ودعما للفلاحين الذين تمكنوا من جمع المحصول الذي يجعل من بلادهم رقما صعبا في معادلة الأمن الغذائي العالمي.

وأشار الطالب المغربي إلى أن الأوكران في احتفائهم بموسم الحصاد يشبهون نوعا ما المغاربة وسكان البوادي في هذا النشاط، الذي يمثل عادة ثقافية أصيلة بالنسبة للمجتمعات والبلدان الزراعية وشكلا من أشكال الشكر والحمد على المحصول الذي تجود به الأرض على أصحابها. وأشار الطليكي في حديثه إلى أن الاحتفالات تستمر لخمسة أيام وتتخللها معارض لبعض المنتوجات التي يدخل في صناعتها القمح والذرة والعسل.

 

مقالات مرتبطة :

اترك تعليق