ظل “علم أسد” أقرب المقربين لشاه إيران منذ توليه العرش، يجمعهما نفس العمر وصداقة عميقة بلغت حد التواطؤ الكبير بين الرجلين اللذين يتشابهان في نقاط عديدة، خاصة في علاقة كل منهما بالزوجة والعشيقات. حيث بدأت صداقتهما منذ أن كان الشاه وليا للعهد وامتدت حتى وفاة الوزير عام 1978 قبل اندلاع الثورة الإسلامية بإيران ببضعة شهور، حيث انكب أسد على تدوين يومياته في سرية تامة كل ليلة على مدى آخر عشر سنوات قضاها وزيرا للبلاط، وكان يحرص حرصا شديدا على إيداعها في أحد البنوك بسويسرا خوفا على نفسه من أي طارئ محتمل في علاقته مع الشاه محمد رضا بهلوي، خاصة وأنها كانت تكشف عن الكثير من التفاصيل غير المعروفة في حياة الشاه الشخصية والأسرية والسياسية والاجتماعية، وكواليس من أسلوب حكمه وتعامله مع الملوك والرؤساء، ومن بينهم الملك الراحل الحسن الثاني، حيث تظهر تفاصيل سياسية أن الشاه لم يكن يحمل الكثير من الود للملك الراحل الذي استقبل الشاه في المغرب في بداية منفاه.
وقبل وفاته بأيام قليلة، أخبر “أسد علم” زوجته بمكان مذكراته، وأوصاها بنشرها بعد وفاة الشاه. وكانت صفحاتها تتعدى الألف وخمسمائة صفحة باللغة الفارسية، حيث نشرت في البداية بعد ثماني سنوات على وفاة الشاه مترجمة إلى الإنجليزية من طرف وزير الاقتصاد السابق على عهد الشاه، بطلب من أرملة أسد علم، ليتم اختصار هذه المذكرات في نصف مجموعها الأصلي بعد ذلك، قبل أن يتم التفكير في ترجمتها إلى اللغة العربية تحت عنوان “الشاه وأنا”.
الأربعاء 18 فبراير
وصلت جنيف في الثامن من فبراير، وذهبت للاتصال بالشاه في الشاليه الخاص به، فوجدته قد خرج للتنزه لساعات، مع أنني حذرت الشاه في ما يتعلق بالترتيبات الأمنية الخاصة بالشاليه. وجدته هذا المساء مازال يأخذ حمامه وتدليكه، وأخذنا نثرثر لمدة ساعتين، وأخبرته بوجهة نظري بأنه مفرط في سهر الليل والرياضة. سخر من هذا الرأي، ولكنني أشرت له أن الرجال في سن الحادية والخمسين، لا يستطيعون تمضية ثلاث ساعات في التزحلق. ومرة أخرى، قلت له أننا قضينا بالخارج وقتا طويلا، بما يكفي ويجب أن نعود لبلدنا. بدا وقع هذا الكلام مثل فرقعة بالون، ولكن كنت مجبرا على أن أقول له إن شاه إيران لا يستطيع أن يقضي خمسة وأربعين يوما بعيدا عن وطنه من أجل الراحة والتسلية، فليس من المتوقع أن يرضي ذلك شعبنا.
ولقد وجدت الفرصة سانحة لزيارة طبيب العيون الخاص بي في اليوم الموالي، لكن ذلك أزعجه، وطلب مني عدم التأخر، خاصة وأن مولاي عبد الله (شقيق الملك الحسن الثاني) كان على وشك أن يصل إليه، وبرغم أن الشاه سمح لي بذلك، إلا أنه أصر على رؤيتي صباح الغد قبل ذهابي.
الخميس 19 أبريل
أثناء المقابلة مع جلالته، تكون روحه المعنوية أحيانا فظة جدا، وقد جعلني أشعر بالضيق والضجر، فقد كان يتذمر لأتفه الأسباب ولولا أنني كنت في الصباح في حالة هدوء واستقرار تام، لما استطعت أن أمنع نفسي من أي تعليقات. وقد ناقشنا عده مشاكل عالمية ومنها ما يدور في المغرب، حيث وافق الملك على الانتخابات ومنح الشعب درجة محدودة من الحرية السياسية.
الخميس 18 غشت
بالطبع كانت مناقشاتنا تدور أساسا حول المغرب، فقد علقت أن الملك يجب أن يكون في نهاية إدراكه العقلي، وقال جلالته: «ظاهريا هذا صحيح، فهذا الملك يقضي نصف يومه في النوم، وهذه الطريقة لا تصلح لقيادة أي دولة. وقد أبلغت جلالته أن وزير الدفاع المغربي محمد أوفقير، يقال إنه متورط في المؤامرة، فقال جلالة الملك: هذا لا يدهشني، ولكن هذا التصرف ناتج عن حبه لوطنه، فلوقت طويل، كان هو المفكر للملك. وقد قلت له أن هذا يؤلمني».
الاثنين 28 غشت
حضر إلى طهران وزير البلاط المغربي، لتوصيل رسالة من الملك الحسن، وقد تعجبت لرفض جلالته أن أتولى الترحيب به شخصيا. كان واضحا أنه مقتنع بأن الملك بقيت أمامه أيام معدودة، وقد كوّن هذا الرأي بناء على السفير الأمريكي. بقي الوزير هنا لمدة ستة وثلاثين ساعة، وقابلته في هذه الأثناء مرتين، وقدمت له غداء خاص على شرف استقباله، وقد كانت مقابلة السفير مع جلالته تنحصر تقريبا في طلب المعونة العسكرية، وقد أرسل جلالته مدربين عسكريين ومعدات عسكرية.
الأحد 19 نونبر
ألقيت نظرة سريعة مقدمة من طرف سفيرنا في الرباط، خاص بمناقشاته مع الملك الحسن، (مقتطفات من تقرير السفير الإيراني في 16 نونبر 1972).
أبلغت الملك أن جلالته كان شغوفا لمعرفة ما إذا كانت أي قوى أجنبية متورطة في المحاولة الأخيرة لقتل الملك، في التقرير السابق ذكرت تقارير غير رسمية تورط أمريكا أو أن بعض العناصر الأمريكية كان لها يد في هذه الأحداث، وقد وافق على ذلك وعلق قائلا: تحقيقاتنا أظهرت أوجها جديدة للقضية، وأن هذا يتعدى حدود المغرب بكثير.
وقد أكمل جلالته الحديث قائلا: إن الأمريكيين لديهم الرغبة الأكيدة في السيطرة على جميع الدول التي تقع على البحر الأبيض المتوسط، القذافي بدون شك، نتيجة حتمية، وعميل أكيد للسياسة الأمريكية، ولكنه ينفي ذلك عن نفسه بشدة. إيطاليا معتمدة في اقتصادها على الأمريكيين الذين يتمتعون بالسيطرة الكاملة على اليونان وتركيا، والنظام اليميني في إسبانيا يتوافق مع آراء وسياسات واشنطن، والدول الوحيدة التي لا تكتسب الثقة الأمريكية بالكامل هي الجزائر والمغرب، وذلك ليبرز الملك تستر أمريكا على مؤامرة غشت التي كان سينتج عنها تغيير شامل.
وقد اتصل بي بومدين تليفونيا الليلة الماضية ليخبرني أنه إذا استولت القوة العسكرية على نظام الحكم في المغرب، فإن الجيش الجزائري سيتحرك في وجدة بحدود المغرب وسيزحف نحو الرباط.
وقد أجاب الملك: عندما تم اكتشاف المخطط، تم القبض على جميع الضباط بالسلاح الجوي، وانتهينا إلى ضرورة تدريب مجموعة جديدة من الطيارين لطائرات (إيف، وإيس)، ومنذ البداية كنت متأكدا من استطاعتي الاعتماد على أخي (جلالته الشاه) في هذا الشأن، ومنذ ذلك الْيَوْمَ، لم تستخدم طائراتنا إيف، أيس، لنقص الطيارين، وعلى الرغم من ذلك لن أرسل طيارا واحدا للتدريب في أمريكا. وأقترح أن يعيد جلالة الإمبراطور النظر ويدقق جيدا، قبل أن يرسل أي طيار إلى هناك، فهؤلاء الضباط المدربون ليسوا في عزلة تامة عن الشخصيات الأمريكية. الطيارون المدربون بأمريكا يصبحون غير فعالين في بلادهم، فأمريكا تريد فقط العملاء والخدم الأجانب، هي تريد أن تسحق جميع الأصوات الحرة بالخارج.
وقد قرأ جلالته هذه المقتطفات وعلق قائلا: «إن الحسن المسكين لا يدرك، أن الأمريكيين يعملون ضده لأنه قد أصبح فعلا حالة ميؤوسا منها، لماذا يفترض أننا نواجه نفس المعارضة في إيران، قم بإخبار السفير أنه لا يجب أن يكون شديد الحرص لمساندة الملك، خاصة بعد أن أثبت عدم قدرته على تحمل المسؤولية».
وقد وجهني الشاه لنقل هذه الرسالة شفاهيا وعدم كتابتها.
الاثنين 28 ماي
ناقشنا الأحداث في اليونان بعض الوقت، وقد اقترحت أنهم يدبرون النهاية المحتومة للملك قسطنطين، وأنني أتنبأ بنفس المصير للملك الحسن، فقد طلب الملك الحسن أن نرسل الجنيرال نصير إلى المغرب، ومضى عليه هناك ثلاثة أيام دون أن يستقبله الملك.
بعد الظهر استقبلت مكالمة تليفونية من سفيرنا في روما، يقول إن ملك اليونان الذي يعيش منفيا هناك والذي لم يعزل بصورة رسمية، قام بمحاولة غير ناجحة للاتصال بجلالته وهو الآن يزعج السفير، أخبرت جلالته مباشرة بذلك، فأجاب أنه على علم بهذا الموقف ولكنه يفضّل عدم التحدث مع الملك اليوناني، لأن هذا الرجل المسكين لا يدرك أن تليفونه مراقب.
تقابلنا فيما بعد عند الأميرة أشرف توأم الشاه، وقد أمرني جلالته بأن أطلب السفير الأمريكي تليفونيا: أخبره أن ملك اليونان خائف أن يكون الضجيج الحالي ستارا لإجباره على التخلي عن العرش، وهل يدرك الأمريكيون ما سيواجهونه إذا ما محيت الملكية اليونانية، وهل يريدون أن ينتهي بهم الأمر إلى إيطاليا أخرى أو دولة مثل العراق، يجب على السفير الأمريكي أن يبلغ مخاوفي للرئيس نيكسون بأسرع ما يكون».
الأربعاء 24 شتنبر
عرضت على الشاه خطابا من سفيرنا في المغرب، حيث يبلغ السفير مقابلة سرية مع الملك الحسن الذي تعجب لعدم حصوله على رد لخطاب أرسله إلى الشاه منذ ثلاثة أشهر عن طريق الجنيرال نصيري، وأن كلا من الجنيرال مولاي حفيظ وزير البلاط والملك الحسن لديهما شك في أن المعاملة الجافة الأخيرة من الشاه قد تكون نتيجة تأثير مولاي عبد الله».
لم يتذكر جلالته كيف تصرف في هذا الخطاب، وطلب مني البحث عنه.
السبت 28 أبريل
سألته عن اللهجة التي يحب أن يتبعها في الرد على خطاب من طرف الملك الحسن بالمغرب، فقال جلالته: حدد كتابة الخطاب في الشؤون العامة فقط، ولا تقدم على أكثر من ذلك، فمن الذي يعرف ماذا سيصل إليه هؤلاء القوم.
تقابلت مؤخرا مع مولاي عبد الله والجنيرال نصيري، وقد كانت اهتمامات مولاي عبد الله كالتالي:
– الحالة في المغرب ستؤدي إلى الانفجار، والملك يتوقع حسن مساندة جلالته لنظام الحكم الحالي.
– هناك ضرورة قصوى للارتباط المباشر بين الملك وجلالته، حيث أنه لا يمكن الاعتماد على أي وسطاء بينهما، لعدم وجود شخص يعتمد عليه، سواء في الجيش المغربي أو في أجهزة المخابرات.
– الملك الحسن رجل حسن النية يضع ثقته بمن يحيطون به، ومثال ذلك ما حدث مع الجنيرال أوفقير، على الرغم من أن مولاي عبد الله قد حذره منه في مناسبات عديدة.
– إعادة محور التعاون بين الرباط والرياض وطهران. والذي أثار دهشتي أن مولاي عبد الله يظن نفسه حاكما للمغرب.
وفِي يوم الاثنين 30 أبريل، أبلغت جلالته مناقشاتي مع مولاي عبد الله، فقال جلالته: على الرغم من سمعته، يجب أن تدعوه للعشاء معي الليلة.
الثلاثاء 23 أبريل
سلمت جلالته خطابا من سفيرنا في الرباط. في هذا التقرير المؤرخ بـ 18 أبريل 1974 وصف السفير مقابلة مع الأمير مولاي عبد الله، إذ أطلعه هذا الأخير أن أخاه الملك يشك في أنه متفق مع الشاه ومع الملك فيصل في مؤامرة ضد العرش، وأشار الأمير إلى أنه قد يكون هناك انقلاب مدبر من الكولونيل الدليمي رئيس المخابرات المغربية».
الأحد 1 شتنبر
دعاني جلالته لتناول الإفطار معه، قدمت له تقريرا موجها لي من سفيرنا في المغرب: ذكر فيه السفير مناقشاتنا مع الجنيرال مولاي حفيظ، حيث دعا الأخير وزير بلاطه «علم» لزيارة المغرب بدعوة من الملك حسن، لكنه لم يحصل على الرد حتى تاريخه. سأل الملك عدة مرات عن تلك الدعوة، ولشدة حرجه أخذ الجنيرال يقدم له الأعذار المتتالية، ويتساءل السفير إن كان المغرب يتعمد إزاحة إيران عن أكتافه، وهل هناك ثأر بين الشاه والملك الحسن، وهو يقدر لو أن جلالته أكد هذه الشكوك أو نفاها، حتى يمكن له أن يتصرف على ضوء ذلك، طبقا للسياسة التي يتبناها. فعلق جلالته على ذلك قائلا: إنني سعيد لأن المغاربة بدأوا يشعرون بالقلق، فقد ضم الملك الحسن، اسمه في بيان رسمي مشترك مع شيخ أبو ظبي، يشيرون فيه إلى «الخليج العربي»، فلا يجب أن يتعجبوا من استيائنا.
الجمعة 6 فبراير
رحبنا بوزير البلاط المغربي مولاي حفيظ، واستمر النقاش معا قرابة الساعتين. طلب منا أن نمدهم بكل طرق التكنولوجيا العسكرية للمساعدة في الصراع ضد الجزائريين الذين يدعمون البوليساريو، وكان مصحوبا في زيارته بكولونيل من القوات الجوية المغربية على علم ببواطن الأمور. مهذب، وكان قادرًا على الاستشهاد بالعدد الحقيقي لطائراتنا من طراز ف5 إيس، وكان يأمل في الحصول على بعضها، عندما سألته ماذا ينوي أن يفعل بخصوص الطيارين، أكد لي أنهم بالفعل دربوا خمسين رجلا على الطيران على هذا النوع من المقاتلات، وهي الإجابة التي ألزمتني الحرص.
فبالرغم من تخلي الجزائر عن دعمنا أخيرا في الأوبيك، إلا أننا أعلنا عن تحسن معها حديثا، وأنا مندهش كيف سيعالج جلالته الطلب المغربي.
رد جلالته على الطلب المغربي بأن ادعى أننا لا نملك أعدادا زائدة من طائرات ف5 إيس. وعند العشاء ناقشنا مرة ثانية طلب المغرب، وبعد فترة دعوت ضيوفنا وقلت لهم في تعبير محدد: لقد أعددنا لتسليمكم سبع طائرات إف5 من خلال الحكومة الأردنية، وقد كانوا مبتهجين لذلك.
ولدواعي الحكمة، قلت إنني استقبلت استقبالا ملكيا فوق العادة خلال رحلتي إلى المغرب، ولكنها ليست إلا دماثة عادية بسبب أوامر الشاه التي تحتم استقبالنا باحترام ووقار. وهذه الملاحظة الأخيرة استقبلت بصمت بارد، وبلباقة ما استطاع أحد الأشخاص أن يغير الموضوع.
الجمعة 13 فبراير
عقب مناقشات مع فردون مواسكي سفيرنا في الأردن، سجلت أن المغاربة يسألون الأردن الآن أن تسمح بإعطائهم الأسلحة التي وافقنا على إعطائها. كان واضحا أن الملك حسين غير سعيد بذلك، ولكنه كان يعد لتنفيذها إذا كانت تلك رغبة جلالته. وقد أشرت أن ذلك لن يتم في إطار خطة تجعل الملك حسين يمدهم بالأسلحة، ولكن ذلك مجرد حل لحساسية الوضع.
قال لي جلالته أن أقول للسفير الأمريكي سايمون أن «المغاربة قد وضعوا الملك حسين وأنا شخصيا في مأزق حرج»، فسياسيا هذا سيّء للملك حسين، حيث أنه حريص على تحسين علاقته مع سوريا أحد حلفاء الجزائر المخلصين، والمغرب جار للولايات المتحدة، ومعروف أنه يفصلهم المحيط الأطلسي فقط، وهم بالطبع ليسوا جيران لنا، أو جيران للملك حسين، لماذا إذن نحن من يمدهم بالسلاح؟!.
قابلت السفير الأمريكي الذي قال لي إن الملك حسين يجهز لإمداد المغرب بطائرات فspo وفِي حالة ضمان المغرب تعويض مخزونها خلال ثمانية عشر شهرا، سوف تعيد إليه فspo وهي أكثر تقدما من إيف s. وقد دهشت لذلك لأنه عكس ما قاله سفيرنا مواسكي تماما. وقد سأل السفير إذا ما كان المغرب لديه من المال ما يكفي ليفي بهذا الضمان؟ وقد أجبت أن المغرب يتمتع بقوة تصديرية للفوسفاط، ولَم أكن أريد أن أكشف أن جلالته كان بالفعل راغبا في مساعدة مالية.
السبت 21 فبراير
سألت جلالة الملك إذا كان قد وصل إلى قرار بخصوص إمدادات المغرب العسكرية، فأجاب أن الأسلحة ستشحن إلى الأردن، التي ستتحمل مسؤولية تسليمها النهائي، وفي هذه الظروف سوف يختلف الموقف إزاء موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي.
وحتى في هذه الحالة لاحظت أن الملك حسين سيواجه مشكلة مع رغبته في الاقتراب من سوريا، قال جلالته: «إنها مشكلته، ولذا فلن نفعل شيئا دون موافقته».
الثلاثاء 24 فبراير
كان جلالته في السرير بسبب نزلة برد، وسكرتيره كان مريضا لدرجة منعته من استقبال الكولونيل المغربي القباج، وقد استقبلته بدلا منه، وطلب مني متابعة زيارته الأخيرة لإيران، وقد أكمل رحلته مع مولاي حفيظ إلى الأردن، حيث استحثوا الملك حسين أن يلعب دورا وسيطا في الإمداد العسكري للمغرب.
وفِي المقابل أرسلهم الملك حسين إلى حافظ الأسد حاكم سوريا ليشرحا طبيعة علاقتهم مع الجزائر، وقد وجدا الأسد شديد الدماثة، وقال لهم أنه لا يستطيع أبدا أن ينسى دور المغاربة الشجعان، الذين استشهدوا كمحاربين حلفاء للسوريين ضد إسرائيل. لكنهما لم يذكرا شيئا للأسد عن رحلتهما لإيران ولَم يذكرا مصدر إمداد السلاح للأردن، وتبع ذلك أن أرسلهما الملك حسين إلى واشنطن، حيث تحادثا مع الجنيرال فيرنون والترز، من المخابرات المركزية الأمريكية، والذي حث الإدارة الأمريكية على قبول اقتراحنا ومشاريعنا.
الأربعاء 8 أكتوبر
قدم سفيرا يوغوسلافيا هذا الصباح أوراق اعتمادهما، وكانا يتكلمان لغة فرنسية جيدة، وبين الاجتماعين، اختطفت كلمة صغيرة مع سموه، وقد أعطى موافقته لمولاي عبد الله أخ ملك المغرب ليلحق بِنَا في باريس ونحن راجعين من أمريكا، ويطير معه إلى طهران.
الخميس 25 أكتوبر
زيارتنا كانت قصيرة ولكن ممتعة، فقد بتنا ليلة في باريس، في ذهابنا وعودتنا، وبعد جلسة مغلقة بين سموه والرئيس نيكسون استمرت لمدة ساعتين، رجعنا إلى باريس. سموه لم يأكل شيئا في الطائرة، حيث أمرت سفارتنا في باريس بأن تعد عشاء خاصا، ولكننا وصلنا فلم نجد أي شيء، وقد اغتظت جدا لدرجة كدت أخنق فيها السفير، ولكن سموه أخذ ذلك بسعة صدر. وفِي اليوم الموالي كان أخ ملك المغرب ضيفا على العشاء، إنهما صديقان حميمان، لذلك تركتهما ليتناولا العشاء لوحدهما، فيما تناولت العشاء مع ابنتي وزوجها اللذين أتيا خصيصا من لندن، وفِي الْيَوْمَ التالي طرنا إلى طهران.
تلا عودتنا بمناسبة الاحتفال بعيد ميلاد سموه، حفل استقبال في قصر «نيافران» لرواد الفضاء الأمريكان الذين هبطوا على سطح القمر، الذين كانوا موجودين في طهران وحضروا الحفل كضيوف لسموه، كل شيء تم على ما يرام، ولو كنّا نحن الذين صعدنا للقمر أو الروس أو الألمان، أو حتى الفرنسيين، لكنا انتفخنا مثل الديك الرومي. ولكن رواد الفضاء كانوا متواضعين لدرجة أنك لن تخمن إنجازهم العظيم، لقد اختلطوا مع الحضور بأدب، لدرجة أنهم أمسكوا بيدي سيدات عاديات من أجل رقصة إيرانية.
الأحد 27 أكتوبر
في حفل خاص بمناسبة نهاية رمضان، ألقى متحدث المجلس خطابا يعبر فيه عن التضامن الإيراني مع إخواننا المسلمين، في حربهم الآن، غضب جلالته بشدة وهمس للمتحدث السيء الحظ:» فليذهب إخواننا المسلمون إلى الجحيم، إنهم ألد أعدائنا»، وبعد ذلك أطلعني عن حيرته من النمط الحالي الذي يدعو للتضامن الإسلامي، فقال جلالته: «أنت تعرف جيدا أنني مسلم، نعم مسلم متعصب، ولكن ذلك لن يغير من فكرتي عن العرب…».
الثلاثاء 11 أكتوبر
اقترح السفير الباكستاني أنه نظرا لأن جلالته وبوتو تربطهم صداقة شخصية، يمكن لجلالته أن يستقبل بوتو في المطار، قال جلالته: «ما هذا الهراء؟»، وقد أوضحت أنني قد رفضت هذا العرض فعلا، فقال: بالطبع كنت سأتعجب لو أنك تصرفت تصرفا آخر».
أخذت هليكوبتر إلى المطار حيث وصلت في نفس لحظة وصول بوتو، وقد رافقته إلى مقر الضيافة في سعد أباد. عدت إلى القصر وكان بوتو صائما وقد تعجب جلالته لذلك بشدة، وتعبيرا عن الاحترام أصدر إلي التعليمات بمصاحبة بوتو بنفسي من مقر إقامته إلى القصر، وقد تحدث مع جلالته حتى الواحدة بعد الظهر.
تناول بوتو العشاء في ضيافتي وبناء على رغبته دعوت السفير الأمريكي، ولدهشتي الكبيرة، احتسى بوتو كميات كبيرة من الويسكي والنبيذ، وعند سؤالي عن تعارض ذلك مع الصيام، أجابني بقوله: «لقد صمت الْيَوْمَ، وسأصوم غدا، لكن بالنسبة لي ففي الليل هذا موضوع مختلف تماما».
السبت 26 دجنبر
وقع جلالته العديد من برقيات التهاني التي تلقاها بمناسبة بداية العام الجديد 1971 تلقاها من أمير موناكو، والأميرة غريس كيلي، حيث قال: «منذ عشرين سنة أقمت أنا وغريس علاقة في أمريكا». إلا أنني تجاهلت هذه الإشارة، لأنني كنت أعرف ذلك من قبل.