تدخل علاقات المغرب والإتحاد الاوروبي منعرجا جديدا كلما استجد قرار عن مؤسسة أوروبية أو علاقات متوترة مع عواصم بعينها، تجري على إثر ذلك اتصالات ومساعي لرأب الصدع وعودة الدفئ حفظاً للمصالح المشتركة التي تظل رهينة الفعل ورد الفعل السياسي.
في هذا الصدد قامت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بزيارة إلى المغرب، التقت خلالها بالمسؤولين المغاربة يتقدمهم رئيس الحكومة عزيز أخنوش، ووزير الشؤون الخارجية والتعاون الافريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، حيث أكدت أن “ما يجمع الجانبين شراكة استراتيجية وثيقة وثمينة”.
ووفق مراقبين فالزيارة التي تجريها كبيرة دبلوماسي الاتحاد الأوروبي، لها خلفيات سياسية تتعلق بالوضع الراهن الذي يخيم على العلاقات بين المغرب وعدد من الدول الأوروبية.
زيارة الوساطة
لطالما كان التوتر بين دول أعضاء الاتحاد الأوروبي أو بين دول ذات علاقات استراتيجية ومنها دول المتوسط، يؤكد أحمد بن رحو الباحث في العلاقات الدولية أنه “يتم تطويقها وحللتها عبر آلية المؤسسة الأوروبية التي تلعب دور الحاضن على الاتفاقات المبرمة وعدم الزج بها في الصراعات والخلافات الثنائية”.
ومن هذا المنطلق، يضيف بن رحو في اتصال مع “الأيام 24″، أن الزيارة رئيسة المفوضية الأوروبية تأتي لـ” محاولة لتقريب وجهات النظر والوقوف على مسافة ولو نسبية بين الرباط والدول الأوروبية خاصة إسبانيا، حيث العلاقات لا زالت متوترة وغير واضحة في الأفق، رغم بوادر التهدئة النسبية”.
واعتبر أن تلك الأزمة نتيجة صراع دائم وحاضر، يؤثر على العلاقات الثنائية بين المغرب والإتحاد الأوروبي”، مستبعدا “حلحلة الملف بعيدا عن وساطة الاتحاد، لإدراكه جيدا قيمة المملكة المغربية ووزنها السياسي على مستوى الإقليمي الذي يمنحه الموقع الاستراتيجي الدخول في مفاوضات مع الشريك الأوروبي من موضع قوة”.
وتأتي الزيارة في سياق، يقول عنه المتحدث أنه “مناسب وفي وقت إيجابي بالنسبة للرباط، حيث سيتم تقوية العلاقات التجارية الموجودة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، الشريك التجاري الأول للمغرب مايجعل العلاقة مستمرة على الرغم من وجود بعض الخلافات السياسية”.
الاتحاد فهم الدرس
ويرفض المغرب “منطق المساومة” الذي يتعامل به الاتحاد الأوروبي بخصوص مجموعة من الاتفاقيات، أهمها اتفاقية الصيد البحري، التي يصنفها أحمد بن رحو أنها “ورقة تستعملها المحكمة الأوروبية عبر توظيف الطعون المقدمة من طرف “جبهة البوليساريو”، لاتخاذ “قرارات سياسية” تدخل في إطار الحملة الممنهجة ضد سيادة المغرب على صحرائه”.
وأشار أنه رغم قرارات محكمة العدل الأوروبية، لا تعكس موقف نهائيا للاتحاد الأوروبي إذ لا تنتج عنه أي أثر فوري على الاتفاق بين بروكسيل والرباط، لأنه في النهاية هي أحكام ابتدائية لن تغير من واقع الحال شيء، إلا أنه يعيد طرح أسئلة مستقبلية حول أفق علاقات الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، ما يؤكد بحسب المتحدث “استيعاب جيد للدروس من طرف الشريك الأوروبي في حال ما أراد الاستمرار في ربط علاقات التعاون”.
وكان وزير الشؤون الخارجية والتعاون الافريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، قد أكد أثناء تقديمه مشروع ميزانية وزارته لسنة 2022، بأن “أي اتفاق مستقبلي مع الاتحاد الأوروبي ينبغي أن يكون في إطار احترام السيادة المغربية كمنطلق لأي اتفاق”.
ويستفيد المغرب من وضعه المتقدم داخل التكتل الأوروبي ما يمنحه فرصًا تجارية واستثمارية كبيرة تضمن له الولوج للسوق الأوروبية دونما تكاليف، ناهيك عن الاستفادة من البنية التحتية الأوروبية وتطوير سبل التعاون العلمي والتقني فيما يتعلق بالتنسيق في مجالات التكوين والبحث عبر تشجيع الشراكات بين مؤسسات البحث، وإقامة تحالفات تكنولوجية بين المقاولات، بهدف ضمان امتيازات اقتصادات السلم، وتقليص تكاليف الأداء المنفرد.
وكانت المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي أعلنت عن إلغاء اتفاقية الصيد البحري في سبتمبر الماضي، بالإضافة إلى الاتفاقية التجارية الموقعة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب لتضمينها في تطبيقها منتجات من الصحراء المغربية، مع الحفاظ على آثار الاتفاقات المذكورة “لفترة زمنية معينة للحفاظ على عمل الاتحاد الخارجي واليقين القانوني لالتزاماته الدولية”.
وكان الاتحاد الأوروبي قد وقّع مع المغرب اتفاق شراكة موسعة عام 1996، دخل حيز التنفيذ عام 2000، وشمل جوانب عدة أهمها بالنسبة للمغرب تصدير المنتجات الزراعية بما فيها المتأتية من الصحراء، وقد تم تجديده آخر مرة في العام 2012، وفق معطيات رسمية. وتتضمن هذه الشراكة أيضاً اتفاقاً للصيد البحري تم تجديده آخر مرة في 2019 ويمكن السفن الأوروبية الصيد في منطقة الصيد البحري بالمغرب، بما يشمل سواحل منطقة الصحراء لمدة أربعة أعوام. وتحصل الرباط، بموجب الاتفاق، في العام الأول على 48.1 مليون يورو (53.9 مليون دولار)، ثم 50.4 مليون يورو (56.5 مليون دولار) في العام الثاني، و55.1 مليون يورو (61.76 مليون دولار) في العامين الثالث والرابع.